"فورين بوليسي" تتساءل: "كيف خرّب السيسي مصر"؟

"فورين بوليسي" تتساءل: "كيف خرّب السيسي مصر"؟

11 اغسطس 2023
حوّل السيسي مصر من دولة فقيرة إلى دولة أكثر فقراً (Getty)
+ الخط -

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية مقالاً للكاتب ستيفن إيه كوك حول الأوضاع في مصر، تساءل خلاله الكاتب عن "كيف خرّب الرئيس عبد الفتاح السيسي مصر"، قائلاً إن "زعيم الانقلاب الذي تحول إلى رئيس للمصريين وعد بالازدهار، لكن البلاد حالياً ممزقة تماماً".

وأشار كاتب العمود في "فورين بوليسي" وزميل أول مؤسسة "إيني إنريكو ماتي" البحثية لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، إلى أنه "طوال معظم صيف 2013، كانت مصر في قبضة ما يمكن وصفه بـ(هوس السيسي)"، إذ "أشادت الأغاني والشطائر ومقاطع الفيديو الموسيقية والقصائد وحتى ملابس النوم بعبد الفتاح السيسي، العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي".

ووصف كوك مشهد البلاد من الخارج قائلاً إنه "كان مشهداً غريباً، حيث ابتهج ملايين المصريين بالتدخل العسكري (القاسي والوحشي) ضد جماعة الإخوان المسلمين، الذين استلموا الحكم فقط قبل عام واحد، في يونيو/حزيران 2012".

وأشار الكاتب إلى أنه "مع سجن مرسي ومقتل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أو اعتقالهم أو هروبهم، وعد السيسي المصريين بأيام أفضل، رغم أنه حذر مواطنيه من عدم التحلي بالصبر.. لكن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المعقدة في مصر تفاقمت فقط مع تأرجح مصر من أزمة إلى أخرى خلال فترة الانتقال الديمقراطي المشحونة والقصيرة الأمد".

ومضى الكاتب قائلًا "لكن بعد عقد من الزمان، لم يكافئ السيسي المصريين على صبرهم. بل على العكس تماماً، فإن الرجل الذي كان من المفترض أن ينقذ مصر، يشرف الآن على خرابها.. لقد وعد السيسي المصريين بالازدهار، لكن مصر مفلسة تماماً. الإحصاءات مذهلة. وبلغ معدل التضخم 37 في المئة تقريبا، وبلغ سعر الدولار الواحد 30 جنيهاً مصرياً، بعدما كان حوالي 7 جنيهات للدولار عندما تولى السيسي السلطة؛ ويبلغ الدين الدولي للبلاد ما يقرب من 163 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل إجمالي ديونها إلى ما يقرب من 93 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في عام 2023". ثم خلص إلى القول إن "مالية مصر مثل لعبة وهمية، وتحريك الأموال هو محاولة عبثية لإخفاء الظروف الاقتصادية غير المستقرة في البلاد".

انخرط الرئيس في فورة إنفاق تغذيها الديون على مشاريع عملاقة ليس لها سوى القليل من المبررات الاقتصادية

وتابع الكاتب: "كان السيسي يؤكد أن المحن الاقتصادية في البلاد هي نتيجة قضايا خارجة عن إرادته، لا سيما جائحة كورونا وغزو روسيا لأوكرانيا. لا شك في أن هذه الأزمات خلقت تحديات اقتصادية كبيرة واجهت البلدان - بما في ذلك الولايات المتحدة - صعوبة في إدارتها. ومع ذلك، من الواضح أن احتجاجات السيسي هي استراتيجية خطابية للتقليل من مسؤوليته عن المزيد من الفقر المدقع في مصر".

وتابع: "لقد انخرط الرئيس في فورة إنفاق تغذيها الديون على مشاريع عملاقة ليس لها سوى القليل من المبررات الاقتصادية، أقواها وأكثرها فحشًا هي العاصمة الإدارية الجديدة، والتي هي في مرحلتها الأولى فقط، وتبلغ كلفتها حتى الآن أكثر من 45 مليار دولار"، مشيراً إلى أنه "عندما انسحبت الإمارات العربية المتحدة والصين من المشروع، اضطر المصريون لدفع الفاتورة عن طريق إضافة مبالغ ضخمة من الديون إلى الميزانية العمومية للبلاد".

وقال الكاتب إنه "بالإضافة إلى ذلك، يشرف السيسي على مجموعة من المشاريع الكبيرة الأخرى. ومن أبرزها (العاصمة الصيفية) الجديدة على الساحل الشمالي، ومحطة الطاقة النووية (في بلد فيه فائض من الكهرباء)، ومدينة مستدامة في دلتا النيل، وإحياء مشروع ضخم فاشل في عهد مبارك في المنطقة العليا، سمي (مصر توشكى)، ويأتي ذلك بعد افتتاح الطريق الالتفافي لقناة السويس - الذي أطلق عليه اسم (قناة السويس الجديدة) - في عام 2015".

ولفت كوك إلى أن "معظم هذه المشاريع ذات قيمة اقتصادية مشكوك فيها، لكنها (أو كانت) مهمة من الناحية السياسية. وكان من المفترض أن تكون مظاهر ملموسة لولادة مصر من جديد تحت اليد الثابتة للعسكري الجديد الذي تحول إلى رئيس وزملائه في وزارة الدفاع"، وقال: "ربما كانت الرسالة أن مصر لا يزال بإمكانها القيام بأشياء عظيمة، لكن هذه المشاريع الضخمة أصبحت أعباء اقتصادية غير مستدامة على البلاد".

وقال الكاتب إنه "من الصعب أن نفهم أنه في غضون عقد من الزمن استولى السيسي على دولة فقيرة وجعلها أكثر فقراً".

وأشار إلى أنه "في أحدث اتفاق لها مع صندوق النقد الدولي، وافقت الحكومة المصرية على بيع أصول الدولة، بما في ذلك الأصول التي يمتلكها الجيش. ومع ذلك، كان هناك عدد قليل من المشترين، لأن هذه الأصول إما أنها لا تساوي شيئاً، ولا أحد يعرف كيفية تحديد قيمة لها، أو أن المشترين المحتملين يجلسون على الهامش في انتظار تخفيض آخر لقيمة الجنيه المصري، حتى يتمكنوا من الحصول على أي شركات عالية الجودة بأسعار أرخص".

وقال الكاتب إنه "بدلاً من الاستمرار في انتظار الازدهار الذي وعد به قادتهم، يغادر المصريون البلاد بأعداد متزايدة. وزاد عدد المصريين الذين يهاجرون إلى أوروبا عن طريق القوارب". 

وأشار الكاتب إلى أنه "في سبعينيات القرن الماضي، باع الرئيس أنور السادات لوزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر قصة عن كيف كانت مصر لاعباً مؤثراً يمكن أن يساعد في تأمين السلام الإقليمي، وأن تكون العمود الفقري في نظام إقليمي مناهض للسوفييت"، مضيفاً أنه "على الرغم من وجود السيسي في القاعة لعقد اجتماعات مهمة مثل القمة الروسية الأفريقية التي اختتمت أخيراً في سانت بطرسبرغ، أو اجتماع دول مجلس التعاون الخليجي + 3 الصيف الماضي مع الرئيس الأميركي جو بايدن، يبدو أن حضور الزعيم المصري كان (شكلياً)، وأن الوجود في الغرفة يمنح قدراً معيناً من التأثير، لكن مصر هي مجرد مراقب في هذه التجمعات أكثر من كونها لاعباً".

وقال إن "المثال الأكثر وضوحاً على نزول مصر وما صاحب ذلك من سياسة خارجية (جوفاء)، هو الغياب شبه الكامل للقاهرة عن الحرب الأهلية في السودان - الفناء الخلفي للبلاد - في المرحلة الأولى من الصراع، حيث احتجزت قوات الدعم السريع التابعة للجنرال محمد حمدان دقلو ما يقرب من 200 جندي وطيار مصري، كانوا في السودان لإجراء تدريبات مع الجيش السوداني، كرهائن، ثم أطلق سراحهم بسرعة نسبية بمساعدة دبلوماسيين إماراتيين".

وأضاف أنه "بعد تلك الحلقة المهينة، وقف المصريون على الهامش وشاهدوا السعوديين يلعبون دورًا مهمًا في إجلاء رعايا الدول الثالثة من السودان، ثم تنازل السيسي عن أي جهد للتوسط في السودان لولي العهد الأمير محمد بن سلمان (بمساعدة من الأميركيين)؛ لكن يجب أن يشعر البعض في القاهرة بالحرج من أن المملكة العربية السعودية قد انتهى بها الأمر إلى لعب الدور الحاسم في صراع حيث يجب أن تتولى مصر - وفقاً لأساطيرها - زمام القيادة".

وأضاف: "في الواقع، عندما استضافت القاهرة مؤتمراً لسبعة جيران للسودان في منتصف يوليو/تموز للمطالبة بوقف إطلاق النار، فحتى ذلك لم يسر على ما يرام. لقد كان أكثر بقليل من منتدى حديث وصور فوتوغرافية؛ وخلال تصريحاته في الاجتماع السري، شكر الزعيم الإثيوبي أبي أحمد المملكة العربية السعودية على جهود الوساطة التي تبذلها".