فلسطين وحكاية قبولها في "الفيفا"

فلسطين وحكاية قبولها في "الفيفا"

27 نوفمبر 2022
صورة تجمع محمود عباس وجوزيف بلاتر وجبريل الرجوب (عباس موماني/فرانس برس)
+ الخط -

عنصرية منذ البداية

بعد هجرة اليهود الأولى إلى فسطين؛ سعت الصهيونية إلى استغلال الرياضة لصالح المشروع الصهيوني، من أجل تدريب الشبيبة اليهودية على بناء الوطن المزعوم. ساعد في ذلك صدور وعد بلفور عام 1917، الذي منحت بريطانيا بموجبه اليهود الحق في تأسيس وطن قومي لهم على أرض فلسطين.

في عام 1925؛ أنشأ اليهود منظمة تعنى بلعبة كرة القدم، من أجل تنظيم العمل وضم الأندية اليهودية التي أخذت بالظهور، حاولت تلك المنظمة الانضمام إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم؛ الفيفا، في تلك الفترة، لكن محاولاتها لم يكتب لها النجاح، لأن تلك المنظمة اليهودية؛ المكابية، لم تمثل اليهود والعرب معاً، هذا كان السبب الرئيسي لرفض انضمامها إلى الفيفا.

في عام 1928؛ تأسس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم من العرب واليهود، ضُم العرب من أجل تلبية مطلب الاتحاد الدولي؛ الفيفا، بوجود ممثلي السكان الموجودين على الأرض من العرب واليهود. ثم في عام 1929؛ انضم الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم إلى الفيفا، لكن تفرد اليهود بشؤون الاتحاد، وهمشوا دور المندوبين العرب فيه.

نتيجة ذلك؛ أسس العرب الاتحاد الفلسطيني العربي لكرة القدم عام 1931، الذي دعا إلى مقاطعة الفرق اليهودية، ونظم العديد من النشاطات بمشاركة عربية خالصة.

منذ مئة عام، يحاول الاحتلال طمس هويتنا الوطنية، لكن قطاعنا الرياضي انتصر أخيراً

غاب الاتحاد الفلسطيني العربي عن الساحة بعد ثورة 1936، خاصة بعد اعتقال أعضائه في الأندية الرياضية من قبل حكومة الانتداب البريطانية، على خلفية دورهم النضالي في الثورة. تأسست العديد من الأندية العربية في القدس، يافا، حيفا، عكا، غزة، الخليل، ثم في عام 1944، أُعيد تأسيس الاتحاد الفلسطيني العربي، واستمر حتى نكبة 1948.


أما الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم؛ اليهودي، فقد شارك من خلاله لاعبون يهود مع عدد من الجنود البريطانيين؛ الذين يخدمون في الجيش البريطاني إبان الانتداب على فلسطين، في تصفيات كأس العالم لعامي 1934 و1938، مستغلين اسم فلسطين، حينها لعب المنتخب؛ من دون أي لاعب عربي، ضد منتخب مصر، في التصفيات التمهيدية المؤهلة إلى كأس العالم، كانت مصر حينذاك تحت الحماية البريطانية.

أول محاولة فلسطينية لدخول الفيفا

كانت أول محاولة فلسطينية لدخول الفيفا في لوكسمبورغ عام 1946، لكن الفيفا رفض الطلب الفلسطيني، مع ادعاء المندوب اليهودي بأن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم قد قبل سابقاً، وهو يضم أغلبية يهودية وعدداً من الأندية العربية؛ لا يتجاوز خمسة أندية، علماً أن الوثائق حينذاك تؤكد وجود أكثر من خمسين نادياً عربياً فلسطينياً.

رفض الاتحاد الدولي الفيفا طلباً آخر للعرب، بادعاء أن الموافقة على وجود اتحادين في دولة واحدة أمر غير ممكن، رافضاً قبول جزء من دولة عضواً مستقلاً، كونه يتناقض مع قواعد الفيفا.

مع ذلك، شارك العرب الفلسطينيون في العديد من الدورات العربية، في الإسكندرية عام 1953، سوريا عام 1956، لبنان عام 1958، وكان اللاعبون المشاركون من الشتات الفلسطيني.

بعد ضم الضفة الغربية إلى الأردن، شاركت بعض الفرق الفلسطينية في الدوري الأردني، كنادي شباب الخليل ونادي الموظفين من القدس، في حين كانت غزة تحت الإدارة المصرية.

احتلال بقية فلسطين

توقف نشاط الحركة الرياضية بعيد العدوان الإسرائيلي عام 1967، بعد احتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم أُعيد تأسيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم خارج فلسطين في العام 1971، وبدأت بعض الأندية تعود إلى الواجهة في الداخل المحتل، في مناطق القدس ونابلس وأريحا والخليل وغزة، وعقدت العديد من الاجتماعات من أجل تنظيم العمل الرياضي، إذ كانت الأندية الفلسطينية تلتقي فيما بينها على مختلف الملاعب المتوفرة في تلك الفترة، كملعب مدرسة المطران في القدس، والحسين في الخليل، واليرموك في غزة، والبلدي في أريحا.

في عام 1980؛ تأسست رابطة أندية الضفة، ومثلها في غزة، أشرفت الرابطتان على العديد من البطولات حتى الانتفاضة الاولى عام 1987، حين توقف النشاط الرياضي كلياً.
خلال الانتفاضة الأولى، شُكل منتخب في الخارج من رياضيي الشتات؛ العراقي والسوري والكويتي، شارك المنتخب في جولة رياضية شملت فرنسا وايطاليا واسبانيا، تخللتها إقامة مباريات كرة القدم مع أصدقاء الشعب الفلسطيني، وهذا دليل وعي وقدرة الحركة الرياضية على خدمة قضية شعبها.

عاد النشاط الرياضي إلى ملاعب الضفة وغزة؛ بعد أربع سنوات من التوقف، عبر إقامة بطولة الأحياء الشعبية، استمر هذا الوضع حتى اتفاقية أوسلو عام 1993، كان عدد الأندية في تلك الفترة يقترب من 350 نادياً في الضفة والقطاع، تحولت الأندية إلى معاقل تقاوم الاحتلال، قدمت استحقاقها عن طيب خاطر لفلسطين، عبر آلاف الشهداء والأسرى والجرحى، سجلت الحركة الرياضية حضوراً لافتاً في فعاليات الانتفاضة.

محاولة جديدة لدخول الفيفا

في نوفمبر/تشرين ثاني عام 1993؛ طلب اتحاد كرة القدم الفلسطيني من (الفيفا) قبول انتسابه إلى الاتحاد الدولي، مقروناً باعتراف اللجنة الأولمبية الدولية بالقانون الداخلي للجنة الأولمبية الفلسطينية.
في عام 1994؛ أنشأت وزارة الشباب والرياضة في عهد السلطة الوطنية الفلسطينية برئاسة د. عزمي الشعيبي، تعاونت الوزارة مع اللجنة الأولمبية على إنشاء اتحادات رياضية، من ضمنها اتحاد كرة القدم. في سبتمبر/أيلول عام 1995؛ مُنح الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم العضوية المؤقتة من الفيفا، وفي يوليو/تموز عام 1996، صُدقَ على العضوية المؤقتة في زيورخ.

في الثامن من يونيو/حزيران عام 1998، أثناء مؤتمر (الفيفا) الحادي والخمسين؛ المنعقد في باريس، قُبلت فلسطين عضواً كامل العضوية في عائلة الفيفا، لعب المرحوم الأمير فيصل بن فهد؛ رئيس رعاية الشباب السعودي، دوراً فاعلاً في قبول الاتحاد الفلسطيني في أسرة الفيفا، عبر لقاءته المتكررة مع السيد جواو هافيلانج؛ رئيس الفيفا، وعبر دعمه المالي والمعنوي، الذي لم ينقطع حتى وفاته، وتجسد الدعم السعودي عبر الفيفا لاحقاً، من خلال تمويل إنشاء استاد الشهيد فيصل الحسيني في ضاحية الرام بالقدس.

فازت فلسطين لأول مرة بالميدالية البرونزية في مسابقة كرة القدم ضمن الدورة العربية في الأردن عام 1999، كما شاركت فلسطين في العقد الأخير في نهائيات أمم آسيا أكثر من مرة. حاول بعضهم تنظيم مباراة كرة القدم تجمع منتخبي فلسطين وإسرائيل، في ما يعرف بالتطبيع الرياضي، لكن الجانب الفلسطيني رفض تلك المحاولات بالمطلق.

كانت أجمل لحظات حياتي، هكذا وصف جورج غطاس؛ عضو الوفد الفلسطيني في اجتماعات كونغرس الفيفا في العاصمة الفرنسية باريس عام 1998، شعوره حين أعلن قبول فلسطين عضواً كامل العضوية في اجتماع الجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا.

يضيف غطاس؛ نائب رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم حينها، الذي واكب الحركة الرياضية منذ أكثر من ستة عقود: "مشاعر جياشة انتابت الوفد الفلسطيني، وسط تصفيق حار من مندوبي الاتحادات الوطنية من مختلف دول العالم"، حين حاز التصويت على إجماع مندوبي كافة الدول، بما في ذلك مندوب دولة الاحتلال الذي وجد نفسه وحيداً في البداية، ما اضطره للموافقة صاغراً.

تألف الوفد الفلسطيني من اللواء أحمد العفيفي؛ رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، الذي كان لاعباً وإدارياً ومدرباً مع منتخبات الشتات، ونائبه جورج غطاس من مؤسسي رابطة أندية الضفة وعضو اتحاد سابق لأكثر من دورة، والمرحوم عيسى ظاهر عضو لجنة العلاقات الدولية بالاتحاد.

سيناريو مشابه مع اللجنة الأولمبية

تأسست اللجنة الأولمبية الفلسطينية عام 1933، وانضمت إلى اللجنة الأولمبية الدولية في دورة أثينا عام 1934، في عام 1948، تغيير الاسم من اللجنة الأولمبية الفلسطينية إلى اللجنة الأولمبية الإسرائيلية، التي اعتمدتها اللجنة الأولمبية الدولية في العام 1951.

أعيد تشكيل اللجنة الأولمبية الفلسطينية في الشتات عام 1979، وحاولت المشاركة في دورة لوس أنجليس وموسكو. بعد اتفاقية أوسلو عام 1993، أعيد تقديم طلب العضوية، وأقرت الهيئة الإدارية للجنة الأولمبية الدولية؛ في مدينة موناكو الفرنسية، الاعتراف المؤقت باللجنة الأولمبية الفلسطينية لحين استكمال هياكلها ومؤسساتها، لتكون متماشية مع مبادئ وأهداف النظام الأولمبي.

عندها شاركت فلسطين بأولمبياد أتلانتا عام 1996، كانت لحظات لا تنسى لأعضاء البعثة، خاصة العداء ماجد أبو مراحيل، الذي حمل علم فلسطين في طابور العرض في افتتاح الدورة، كما شاركت فلسطين في دورات سيدني 2000، وأثينا 2004، ومن ثم في بكين لندن وما تبعها.

خاتمة

منذ مئة عام، يحاول الاحتلال طمس هويتنا الوطنية، لكن قطاعنا الرياضي انتصر أخيراً، بعد نصف قرن من محاولات تغييبنا عن الفيفا؛ أهم محفل رياضي، بفضل عزيمة وإرادة أبناء شعبنا في كافة أماكن وجوده، الذي تجسد على أرض الواقع عبر منتخباتنا في تصفيات كأس العالم وآسيا، هذا الانتصار يفتح آفاقاً بحتمية الانتصار على هذا الكيان في مجالات أخرى.

قد تعود شعبنا؛ القابض على الجمر والمرابط في وطنه إلى يوم الدين، على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي؛ بشتى السبل المتاحة، حتى زواله عن فلسطين، كل فلسطين، لا تنقصنا في فلسطين الإرادة من أجل تحقيق ذلك، إن غداً لناظره قريب بإذن الله.

المساهمون