فلسطينيو 48... الاضطهاد في ذروته

فلسطينيو 48... الاضطهاد في ذروته

10 نوفمبر 2023
تظاهرة في حيفا بعد استشهاد الأسير خضر عدنان، مايو الماضي (Getty)
+ الخط -

تريد إسرائيل لفلسطينيي الداخل في الأراضي المحتلة عام 1948، أن يتألموا ويبكوا بصمت على مشاهد حرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة، وأن يشاهدوا مجازر الاحتلال دون إبداء أي ردّ فعل، ولو إنسانياً. لذلك، فهي تقود ضدهم حملة مسعورة من القمع والاضطهاد، لم يشهد الداخل الفلسطيني مثلها منذ عقود، وتشكّل حتى لو لم تعلن إسرائيل ذلك، فرض حكم عسكري جديد تحت ذريعة حال وقوانين "الطوارئ".

إفشال وقفة الناصرة

ومنذ عملية "طوفان الأقصى" التي شنّتها حركة "حماس" على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تجاوز عدد المعتقلين من أبناء الداخل، أكثر من 170 شخصاً، ووصل الأمر أمس الخميس، إلى اعتقال الاحتلال قيادات من المجتمع العربي، ونواباً سابقين في الكنيست، أفرجت عنهم لاحقاً وتباعاً (بعضهم بشرط الحبس المنزلي لأيام عدة أو المنع من دخول الناصرة لـ14 يوماً وفق موقع عرب 48)، وذلك بعد إفشالها وقفة لأقل من 50 شخصاً للدعوة إلى وقف الإبادة في غزة.

ومنعت شرطة الاحتلال الوقفة التي كانت مقرّرة في الناصرة، بعدما اعتقلت رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية محمد بركة، وقيادات سياسية فلسطينية، من بينهم رئيس التجمع الوطني الديمقراطي سامي أبو شحادة، والنائبة السابقة في الكنيست عن التجمع، حنين زعبي، ونائب الأمين العام للتجمع يوسف طاطور، وعضو لجنة المتابعة محمود مواسي والنائب السابق في الكنيست عن "التجمع" إمطانس شحادة.

وكان بركة قد أكد في حديث إذاعي صباح أمس، قبل اعتقاله خلال توجهه للمشاركة في الوقفة، أنه لا يدعو الجمهور للمشاركة فيها، علماً أن شرطة الاحتلال كانت قد منعت عقد اجتماعين للجنة المتابعة في شفا عمرو وفي حيفا، قبل أسبوعين.

فُصل ولوحق محاضرون في جامعات وأطباء ومحامون وسياسيون

وأفشل الاحتلال وقفة الناصرة قبل أن يعود ويفرج عن المعتقلين. وقالت لجنة المتابعة التي عقدت اجتماعاً طارئاً ظهر أمس، إن "الشرطة تحاول منعنا من قول كلمة سلام، ومن أن نقول كفى للحرب، هذه ملاحقة وسياسة كمّ الأفواه".

وقالت شرطة الاحتلال إنها أوقفت بركة للاستجواب، بزعم "محاولته خلافاً للتعليمات الشرطة، تنظيم تظاهرة قد تؤدي إلى التحريض والإضرار بسلامة وأمن الجمهور". وأضافت: "في هذه الأيام، وسط تواجد دولة إسرائيل في حالة حرب، فإن الجو العام متوتر للغاية. المختطفون لدينا لم يعودوا بعد، والشرطة منشغلة بمهامها. مطلوب من كل مواطن في دولة إسرائيل أن يحترم القانون ويستمع لتعليمات الشرطة. لن تسمح شرطة إسرائيل بأي محاولة لانتهاك النظام العام أو محاولة التحريض، وستتخذ إجراءات صارمة ضد كل من يحاول القيام بذلك".

بدوره، كتب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير على "فيسبوك" بعد تنفيذ الاعتقالات: "كل الاحترام لشرطة إسرائيل على اعتقالهم لثلاثة أعضاء كنيست سابقين، حنين زعبي وسامي أبو شحادة ومحمد بركة، إثر التحريض والمسّ بأمن الجمهور وسلامته، وذلك في التظاهرة التي كانوا ينوون إقامتها ضد الجيش الإسرائيلي الذي يحارب النازيين".

من جهته، استنكر "التجمع الوطني الديمقراطي" في بيان، "الاعتداء الوحشي وغير المبرر على الوقفة التي بادرت إليها قيادات المجتمع العربي في الداخل ولجنة المتابعة العليا ضد الحرب وسفك الدماء المستمر حتى يومنا هذا، حيث تستمر الشرطة بسياستها العدائية ضد أي موقف أو تعبير عن موقف أخلاقي وإنساني ضد الحرب ومع وقفها". وأكدّ التجمع أن "هذا الاعتداء سابقة خطيرة فيها رسالة سياسية واضحة لإسكات صوتنا الوطني والأخلاقي والإنساني ورفض أي صوت ضد الحرب وكمّ الأفواه في المجتمع العربي بالداخل". وأكد التجمع أن "حملة الإسكات والملاحقة وتكميم الأفواه التي تمارس تجاه مجتمعنا العربي في الداخل لا تعني تخلينا عن موقفنا الأخلاقي والإنساني والوطني ضد الحرب والجرائم المرتكبة بحق المدنيين والأبرياء".

التجمع الوطني: تستمر الشرطة بسياستها العدائية ضد أي موقف أو تعبير عن موقف أخلاقي وإنساني ضد الحرب ومع وقفها

واستنكرت مؤسسة "ميزان" لحقوق الإنسان (الناصرة) حملة الاعتقالات، مؤكدة أن "اعتقال القيادات العربية يحمل رسائل التخويف والتهديد لمجتمعنا عامة لمنعه من أي تضامن مع شعبنا الفلسطيني في غزة حتى لو كان مجرد وقفة صامتة".

وجاء الرفض للاعتقال أيضاً أمس، من منظمة العفو الدولية، التي شدّدت على اعتبار أن اعتقال قيادات في لجنة المتابعة العليا وقيادات الفلسطينيين في الداخل السياسية، "خطوة خطيرة ولا يجب أن تمر مرور الكرام، ومن الواضح أنها موجهة لمنع حرية التعبير والاحتجاج وكمّ أفواه وكتم أصوات لا ترغب السلطات الإسرائيلية في سماعها".

وعقب إطلاق سراحه، قال بركة: "واضح أن ماكينة الحرب تريد أن تسكت الأصوات ضد الحرب"، مشبّهاً اعتقاله بـ"عملية كوماندوس". وأضاف: "بعدما رأوا التضامن والوفود التي جاءت تستنكر هذا الاعتقال في مركز الشرطة، نقلوني إلى محطة الشرطة في بيسان"، لافتاً إلى عدم وجود أي مسوغ قانوني لاعتقاله، ولا اتهامات محددة ضده، بل "إنهم فقط يريدون إخماد الصوت، ونحن صوتنا لن نسمح لهم بإخماده". وأكد التزامه مع لجنة المتابعة "في موقفنا السياسي وفي قضية شعبنا وفي قضية الديمقراطية".

إخماد الأصوات العربية بذريعة "الطوارئ"

ويأتي اعتقال بركة والقيادات العربية كجزء من حملة القمع الإسرائيلية لإخماد الأصوات العربية الرافضة للحرب، التي طاولت كل من فكّر حتى بإعادة نشر صورة على وسائل التواصل، أو شارك في منشورات أو نشاطات تعبّر في معظمها عن موقف إنساني مطالب بوقف سفك الدماء غزة، أو المشاركة في تظاهرات دعت لوقف الحرب، وهو ما اعتبرته إسرائيل دعماً لـ"الإرهاب" وللمقاومة الفلسطينية. وأفرجت سلطات الاحتلال عن بعض الموقوفين منذ 7 أكتوبر، وقدّمت لوائح اتهام خطيرة بحق نحو 50 منهم حتى الآن.

ولسياسة كمّ الأفواه التي تمارسها المؤسسة الإسرائيلية ضد فلسطينيي الـ 48 الذين يشكّلون نحو 20 في المائة من المواطنين داخل الخط الأخضر، تاريخ حافل ليس منفصلاً عن الممارسات العنصرية والتمييز ومحاولات التهجير ومصادرة الأراضي والملاحقات السياسية وغيرها، على مرّ عقود مضت، لكنها شهدت المزيد من التصعيد خلال الشهر الأخير.

وسبّب ذلك فصل طلاب جامعيين وعمّال عرب، وعمليات اعتداء على العرب في الأماكن العامة وتشريع قوانين عنصرية تبيح سفك دمائهم وأخرى تسلبهم حرياتهم وتضع قيوداً على ما يشاهدونه عبر شاشاتهم. حتى إن المفتش العام للشرطة كوبي شبتاي لم يخجل من التصريح بأنه سيحمّل من يريد التظاهر في حافلات ويرسله إلى غزة.

يستمر تصيّد منشورات فلسطينيي الداخل على مواقع التواصل

وشهدت مدينة أم الفحم تظاهرة دعت لوقف الحرب، وهوجمت بشراسة من قبل الشرطة التي اعتقلت عدداً من المشاركين فيها وقدّمت لوائح اتهام ضدهم، بزعم دعم الإرهاب. كذلك رفضت الشرطة الأسبوع الحالي منح تصاريح لتنظيم تظاهرتين في أم الفحم وسخنين، وزعمت في القضية التي وصلت إلى المحكمة العليا بهذا الشأن أن لا قوات كافية لديها لضمان الأمن العام بسبب الحرب.

في غضون ذلك، يستمر تصيّد منشورات فلسطينيي الداخل على مواقع التواصل من قبل جهات إسرائيلية متطرفة، من بينها مجموعة تطلق على نفسها اسم "صيادو النازية"، تُبلغ الشرطة عنهم أو تتواصل مع أماكن تعليمهم أو عملهم وتضغط لفصلهم ومحاسبتهم، بزعم دعم الإرهاب، وقد رضخت العديد من المؤسسات لهذه التوجهات. ولا يستثني التحريض أحداً، فقد فُصل ولوحق محاضرون في جامعات وأطباء ومحامون وسياسيون وغيرهم، حتى سُجّلت ملاحقة طفل لا يتجاوز عمره 10 سنوات وفصله من مدرسته بشبهة دعم الإرهاب، ليتبين أنه مصاب بالتوحّد. ومن الفئات التي تعرضت لتحريض كبير فئة المحامين العرب.

وإن لم يكن التهديد كافياً لردع فلسطينيي الداخل، فإن الحكومة الإسرائيلية تبحث قراراً جديداً طرحته الشرطة الإسرائيلية ووزارة الأمن القومي يتيح إطلاق الرصاص الحيّ على من يُغلقون الطرق ومداخل البلدات في أوقات الطوارئ. ويستهدف القانون بالأساس المواطنين العرب، ويأتي استعداداً لاحتمال اندلاع مواجهات، وتكرار أحداث هبّة الكرامة (مايو/أيار 2021) التي اندلعت إثر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة حينها.

تضاف إلى ذلك مبادرة بن غفير لتسليح الإسرائيليين والإقبال الكبير عليها. ودفعت حالة الهستيريا الإسرائيلية الكنيست، أول من أمس الأربعاء، إلى تشريع قانون "لمكافحة الإرهاب"، يحظر استهلاك المواد التي تنشرها "حماس" أو تنظيم "داعش"، في خطوة أخرى للتضييق على فلسطينيي الداخل.