فريق بايدن الخارجي... من "أميركا أولاً" إلى "أميركا أولاً وأخيراً"

فريق بايدن الخارجي... من "أميركا أولاً" إلى "أميركا أولاً وأخيراً"

25 نوفمبر 2020
بايدن عين فريقه للسياسة الخارجية والأمن القومي (مارك ماكيلا/Getty)
+ الخط -

بعد ثلاثة أسابيع من الانتظار المشوب بالقلق والمخاوف، تدفق الانفراج اليوم مرة واحدة على الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن. بدأ رسمياً عملية التسلم والتسليم، وأعلن عن أول دفعة في تشكيل إدارته، في وقت تواصل فيه الولايات الهامة تصديق نتائج انتخاباتها لمصلحته وذلك بالترافق مع توالي إشارات الارتياح السياسي للمباشرة بعملية الانتقال واجتياز البورصة لحاجز 30 ألف نقطة لأول مرة في تاريخها.

المفتاح كان في التراجع الاضطراري، أول من أمس الإثنين، للرئيس دونالد ترامب والذي انعكس بإعطائه الضوء الأخضر لوكالة "إدارة الخدمات العامة" لفتح الخط مع فريق الرئيس المنتخب جو بايدن والبدء بتزويده بالامكانيات والمعلومات اللازمة وإطلاعه على المعطيات والمستجدات وبما يضعه على طريق الانتقال الميسور إلى البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني المقبل بصوررة تضمن الاستمرارية للعمل الحكومي. 

خطوة الرئيس ترامب هذه جاءت نتيجة لعدّة عوامل شملت نصائح المقربين وتزايد الخروج عن حبل الطاعة في صفوف الجمهوريين، إضافة إلى انسداد طريق القضاء لغياب الأدلة على "التزوير" وفشل محاولات الإطاحة بعملية تصديق بعض الولايات على حصيلة التصويت فيها. ميشيغن صدّقت الإثنين، والثلاثاء لحقت بها بنسلفانيا. وبذلك نفدت الأسلحة في ترسانة ترامب للانقلاب على معادلة الانتخابات وبما فرض عليه فتح باب التسلّم الرسمي للرئيس المنتخب ولو من دون التسليم بفوزه والإصرار على مواصلة "الطعن برئاسة مسروقة" منه. لكنه إصرار لا يتعدى المكابرة بغرض التغطية على اعترافه الاضطراري المبطّن بفوز بايدن، حيث وعد بعدم التنازل له والاعتراف العلني برئاسته "لا اليوم ولا غداً"، كما قال.

وبهذا انتقلت الولايات المتحدة الأميركية عملياً إلى عهد بايدن الذي تعمّد أن يكون تعيين فريقه للسياسة الخارجية والأمن القومي، المدماك الأول والرئيسي في تركيبة إدارته، على أن تكون مهمته الأساسية نسف شعار ترامب "أميركا أولاً " في المجال الخارجي.

بديله أن تكون أميركا على النقيض صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة على الساحة الدولية، عبر العودة إلى إحياء ونسج التحالفات الكفيلة بترجمة هذه السياسة التي "لا تقوى واشنطن لوحدها" على وضعها موضع التنفيذ؛ كما أثبتت حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى مجيء ترامب، بحسب ريتشارد هاس، رئيس "مجلس العلاقات الخارجية".

أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الجديد (إذا ما وافق مجلس الشيوخ على تعيينه)، هو من أبرز رموز هذه المدرسة. وكذلك مستشار الأمن القومي الجديد جاك سوليفان، وجون كيري المبعوث الخاص بدرجة وزير لشؤون سخونة المناخ ومدير وكالة الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز. ورشة متكاملة في هذا الاتجاه، لا يستهين العارفون بثقل المهة الملقاة على عاتقهم في ضوء ما تعاني منه المصداقية الأميركية خاصة لدى الحلفاء، من ضمور وعدم اطمئنان للركون إليها بعد الذي عايشته في زمن ترامب. 

ويضيف هؤلاء أن استعجال الرئيس المنتخب على تعييناته الخارجية يعكس حرصه على التحضير المبكر لمواجهة عدة أزمات خارجية تنتظر إدارته فور تسلمها لمقاليد الحكم، كي لا تنعكس سلباً على أولوياته. وبالتحديد الأزمات مع إيران وأفغانستان والصين.

في هذا الصدد ثمة محاذير من محاولات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تسخين الوضع مع إيران في سورية بهدف استدراج طهران لرد يستهدف قوات أو مصالح أميركية في المنطقة، وبما يحمل إدارة ترامب على اتخاذ خطوات قد تؤدي إلى تفجير أزمة يجري توريثها لإدارة بايدن مع ما قد تتسبب به من إرباكات وورطات. مثل هذه السيناريوات جزء من توقعات المراقبين الذين يحذرون من أن ترامب لن يغادر سواء في العشرين من يناير/ كانون الثاني المقبل أو قبله، وهذا غير مستبعد، من دون أن يترك ما أمكن من المتاعب لخلفه.

بكل حال يبقى هذا اليوم نقطة مفصلية بين إدارة بدأ يخبو وهجها من دون استبعاد مفاجآتها المربكة ولو غير الانقلابية وبين إدارة تبشّر بالتغيير، من غير المبالغة في قدرتها على ترجمة وعودها ومسح آثار السنوات الأربع الماضية، ناهيك بالتصدي للمعضلات والتحديات الصحية والاقتصادية والاجتماعية والمالية القائمة، خصوصاً إذا ما تمخضت انتخابات ولاية جورجيا في الخامس من يناير/ كانون الثاني المقبل، لمقعديها في مجلس الشيوخ عن فوز الجمهوريين بحيث تصبح الأغلبية بيدهم مع ما يعكسه ذلك من قيود على حركة وتوجهات وسياسات الرئيس المنتخب، الداخلية منها والخارجية.

إذا تواصل إسعاف الحظ لبايدن وفاز حزبه بالمقعدين بحيث يصير صاحب الأكثرية في هذا المجلس ولو بصوت واحد، عندئذ تتغير دينامية المعادلة السياسية لصالحه بحيث تعطيه المزيد من حرية الحركة لتمرير سياساته المتوقع أن لا تغادر الوسط التقليدي المعتدل، بالمعايير الأميركية.