فرنسا تتقرب من المغرب وتفاوض الجزائر

فرنسا تتقرب من المغرب وتفاوض الجزائر

22 مارس 2024
ماكرون ومحمد السادس في طنجة، نوفمبر 2018 (كريستوف أرشامبو/Epa)
+ الخط -
اظهر الملخص
- وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه يزور المغرب في فبراير 2024، معلنًا عن بداية جديدة للعلاقات بين فرنسا والمغرب، في ظل توتر العلاقات الفرنسية الجزائرية وضغوط لتقارب أكبر مع المغرب.
- الزلزال في المغرب بسبتمبر 2023 يكشف عن توترات بين البلدين بعد رفض المغرب للمساعدة الفرنسية، لكن فرنسا تظهر استعدادها للمساعدة، مشيرة إلى رغبتها في تجاوز الخلافات.
- فرنسا تعلن دعمها لمخطط الحكم الذاتي المغربي في نوفمبر 2023، مما يمثل تحولًا في موقفها تجاه قضية الصحراء، وتعتزم الاستثمار في منطقة الصحراء، مؤكدة على أهمية الشراكة مع المغرب.

قد يؤدي ذوبان الجليد في العلاقات بين الرباط وباريس إلى زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب. يحدث هذا الدفء في الوقت الذي وصلت فيه العلاقات الفرنسية الجزائرية إلى طريق مسدود، وتضغط العديد من القوى السياسية الفرنسية المعارضة من أجل هذا التقارب مع المغرب.

في أول رحلة رسمية له إلى المنطقة المغاربية، توجه ستيفان سيجورنيه إلى المغرب في 25 فبراير/شباط 2024. وقد حرص وزير الخارجية الفرنسي على التحديد، على حسابه على منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، أنه مكلف من قبل إيمانويل ماكرون بـ"فتح فصل جديد" في العلاقات بين البلدين.

يتعلق الأمر بوضوح بإرادة في إنهاء سلسلة من الأزمات التي بدأت في ديسمبر/كانون الأول 2020، عندما أعلن الرئيس الأميركي في ذلك الحين دونالد ترامب اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء، مقابل تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل. بالنسبة للرباط، كان على فرنسا، الحليف غير المشروط والداعم المستمر، أن تسير على خطى الولايات المتحدة. لكن هذا الانحياز إلى الموقف الأميركي لم يحدث.

اضطراب على الخط

توترت العلاقة أكثر قليلاً في سبتمبر/أيلول 2021، عندما قررت باريس خفض منح التأشيرات للمغربيين إلى النصف، بينما قرر إيمانويل ماكرون في نفس الوقت الاقتراب من الجزائر. تشهد على ذلك الزيارة "رسمية وصداقة" التي قام بها الرئيس الفرنسي، مرفقاً بجزء كبير من حكومته، في أغسطس/آب 2022، والتوقيع على إعلان مشترك يدعو إلى "ديناميكية جديدة لا رجعة فيها".


بعد زلزال سبتمبر 2023 ركز المغرب على قضية الصحراء

كان لدى فرنسا آنذاك بعض أسباب الابتعاد عن المغرب، إذ لم يعجبها ما كشفه الاتحاد الإعلامي في ملف "قصص محرمة"، والذي جاء فيه أن العديد من الهواتف، بما في ذلك هاتف رئيس الدولة وبعض وزرائه، قد تم استهدافها باستخدام برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي.

وقد نفت الرباط ذلك، لكن الثقة تضررت. شهد النزاع تصعيداً في يناير/كانون الثاني 2023، عندما أصدر البرلمان الأوروبي قراراً يدين فيه تدهور حرية الصحافة في المغرب، والاستخدام التعسفي لمزاعم الاعتداء الجنسي كوسيلة لردع الصحافيين. وعبّر القرار من جهة أخرى عن قلق المؤسسة الأوروبية بخصوص تورط المغرب المفترض في فضيحة الفساد داخلها.

تصويت البرلمان الأوروبي

وردّ المغرب بشدة على هذا الاتهام، خصوصاً أنه يرى أن هذا التصويت، الذي يعتبره جزءاً من حملة معادية مفترضة ضد المغرب في بروكسل، قد حظي بدعم كبير من قبل أعضاء البرلمان الأوروبي الفرنسيين من مجموعة النهضة (التجديد) الأوروبية، ولا سيما من قبل زعيم هذه المجموعة آنذاك، ستيفان سيجورنيه.

لم يخفت غضب الرباط ولم تغير في الأمر شيئاً مرافعة السفير الفرنسي في المغرب كريستوف لوكورتييه، الذي أكد أن "هذا القرار لا يلزم فرنسا بأي شكل من الأشكال1". كما لم يشفع اعتراف فرنسا بالذنب الذي عبر عنه نفس السفير بشأن قرار بلاده تخفيض التأشيرات.

وعلى الرغم من هذا التوتر الشديد والاتهامات التي وجهتها الصحافة المغربية المقربة من النظام للرئيس ماكرون، ما انفك رئيس الدولة الفرنسية طوال سنة 2023 يظهر تصميمه على تجاوز هذا التسلسل من التوترات والأزمات والعداوات. هو يعلم أن سياسة فرنسا تجاه المنطقة المغاربية لا يمكن أن تسمح بتكريس خلافات على المدى الطويل مع إحدى الدول المغاربية أو غيرها.

فالقرب الجغرافي والتاريخ الاستعماري ووجود جالية كبيرة من شمال أفريقيا في فرنسا، ناهيك عن التبادلات الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية، كل هذا يملي أن تكون العلاقات هادئة.

بدا وكأن الطبقتين السياسيتين اختارتا الانفراج الذي يمكن قراءته من خلال استئناف التعاون. لكن الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز في الأطلس الكبير في 8 سبتمبر 2023 أظهر أن كل العلاقات الخارجية للمغرب صارت ترتكز على قضية الصحراء.

تقارير عربية
التحديثات الحية

أشار المغرب من خلال عدم استجابته لعرض المساعدة الفرنسي، بينما قبل عروض إسبانيا وبريطانيا والإمارات العربية المتحدة وقطر، إلى فرنسا بأنها لم تعد تُحسب من بين الدول الصديقة.

في 12 سبتمبر 2023، قرر إيمانويل ماكرون مخاطبة المغاربة مباشرة، في مقطع فيديو نشر على منصة "إكس"، ذكر فيه باستعداد فرنسا، مشيراً إلى أن الأمر يعود "لجلالة الملك وحكومة المغرب، بطريقة ذات سيادة كاملة، لتنظيم المساعدات".

وقد لاقت هذه المبادرة استقبالاً سيئاً جداً في المغرب، حيث ساد شعور بأن رئيس الدولة الفرنسية سعى عمداً إلى تجاوز الملك محمد السادس. وبالتالي ترك الانفراج، الذي بدأ يترسخ، المجال لمرحلة جديدة من التوتر.

يدرك إيمانويل ماكرون أن الرباط تنتظر من فرنسا اعترافاً واضحاً بمغربية الصحراء، وأن هذا الاعتراف هو الشرط الذي يضبط العلاقة بين البلدين. وكان قد سبق أن أوضح الملك في أغسطس 2022، أن "ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات2".

تجلى انعطاف موقف فرنسا بشأن هذه القضية بوضوح في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، عندما أعلن نيكولا دي ريفيير، مندوب فرنسا الدائم لدى الأمم المتحدة3، خلال جلسة لمجلس الأمن: "أتذكر دعم فرنسا التاريخي، الواضح والمستمر لمخطط الحكم الذاتي المغربي. هذه الخطة مطروحة4 على الطاولة منذ عام 2007. لقد حان الوقت للمضي قدماً".


أكد سيجورنيه رغبة فرنسا في التوصل إلى حل عملي لمسألة الصحراء

لم تكن المهمة التي أوكلت إلى ستيفان سيجورنيه خلال هذه الرحلة سهلة. فقد كان عليه إجراء اتصال بنظيره ناصر بوريطة، الذي لم يسبق أن التقى به، وإعادة ترميم العلاقات بين البلدين، وعلى الخصوص إعطاء تطمينات للمغربيين بشأن الصحراء. سيجورنيه الذي كان يعلم أنه جد منتظر بشأن هذه المسألة، بادر إلى القول إنها "مسألة وجودية بالنسبة للمغرب والمغربيين، وفرنسا تعرف ذلك5".

دعم لخطة الحكم الذاتي

ومع ذلك، وعلى الرغم من الانتظار، كان الوزير غير قادر على الإدلاء بتصريح مهم بخصوص هذه القضية الحساسة للغاية. حجم الرهان يجعله يعود فقط إلى رئيس الدولة، الذي تُعتبر الدبلوماسية مجال صلاحياته المحجوز، التصريح به في الإطار الرسمي لزيارة الدولة المقرر إجراؤها من الآن وحتى الصيف.

ومع ذلك، أكد ستيفان سيجورنيه من جديد أن "فرنسا تريد حلاً سياسياً عادلاً ودائماً ومقبولاً للطرفين، وفقاً لقرارات مجلس الأمن"، وأن باريس، التي كانت أول من دعم خطة الحكم الذاتي لعام 2007، "ترغب في المضي قدماً بهدف التوصل إلى حل عملي وواقعي ومستدام يقوم على التَراضي".

بهذه الملاحظات، يُظهر رئيس الدبلوماسية الفرنسية أن بلاده تريد، مع رغبتها في المضي قدماً، الحفاظ على علاقتها مع الجزائر، ولكن من دون أن تختار تقرير المصير الذي تسعى إليه جبهة البوليساريو والجزائر.

وبذلك، فإن فرنسا لا تحيد عن خياراتها السابقة، وهي موجودة بالفعل في الصحراء، كما يشير ستيفان سيجورنيه، حيث ذكر وجود مدرستين فرنسيتين في العيون والداخلة، ومركز ثقافي متنقل في العيون والداخلة وبوجدور، أي في المدن الرئيسية في الصحراء. يعد ذلك اعترافا فعليا من فرنسا بمغربية هذا الإقليم الذي لم تفصل فيه الأمم المتحدة.

لا تكتفي فرنسا بهذا الحضور في مجالي التعليم والثقافة. وقد أوضح الوزير أن باريس تعتزم الاستثمار في هذه المنطقة، في مجالات مختلفة، سواء الطاقات المتجددة أو السياحة أو حتى الاقتصاد الأزرق المرتبط بالموارد المائية.

لكن سيجورنيه بقي حذراً، فهو يعلم أن استغلال وتسويق موارد هذه المنطقة، التي لا تزال من الأقاليم "غير المتمتعة بالحكم الذاتي" بالنسبة للأمم المتحدة، قد يكون موضوع شَكْوَى جديدة من جبهة البوليساريو أمام محكمة عدل الاتحاد الأوروبي. كما حرص على الإشارة إلى أن هذه الاستثمارات ستتم "لصالح السكان المحليين".

ستندرج الاستثمارات المعلن عنها ضمن شراكة وصفها الوزير بـ"الطليعية6" والتي ستمتد على مدى الثلاثين سنة المقبلة. لقد طُويت صفحة: لم تعد فرنسا تتحدث عن الصحراء من منظور الماضي، بل تتطلع إلى المستقبل، من خلال مشروع يمكن اعتباره استباقاً فرنسياً لدمج الصحراء في المغرب.

في هذا الموقف الفرنسي الجديد من الصعب عدم رؤية نتيجة خيبة الأمل في التقارب الذي باشره إيمانويل ماكرون مع الجزائر ما بعد الحراك. ففي عام 2022، وفي سياق الحرب في أوكرانيا، شهدت الجزائر تودداً كبيراً من أجل غازها.

ربما تكون فرنسا، التي يأتي 11 في المائة فقط من استهلاكها من الغاز من الجزائر، قد بالغت في تقدير قدرة البلاد على توريد الغاز إلى الدول الأوروبية. ففي غياب الاستثمار، فإن قدرة الجزائر على تصدير الغاز لا يمكن أن تتجاوز الكميات المصدرة اليوم، والتي تعادل 5 في المائة من الغاز الذي تحتاجه أوروبا.



يدرك إيمانويل ماكرون أن الرباط تنتظر من باريس اعترافاً واضحاً بمغربية الصحراء

على المستوى الإقليمي، تشهد الجزائر، التي تم الترويج لعودتها إلى الساحة الدولية في 2022، تراجعاً في منطقة الساحل. في مالي، ألغى المجلس العسكري الحاكم اتفاق الجزائر للسلام والمصالحة الموقع في عام 2015. تلاحظ فرنسا، التي اعتقدت أن بإمكانها الاعتماد على الجزائر بعد انسحاب قواتها من الساحل، أن المغرب هو المستفيد من فقدان نفوذها في مالي، وكذلك في النيجر، وأن المغرب ينوي استغلاله بالفعل.

في 23 ديسمبر 2023، استقبل المغرب أربعا من دول الساحل في مراكش وعرض عليها منفذاً إلى المحيط الأطلسي عبر الداخلة. من المرجح أن هذا المشروع المكلف وغير المجدي إلى حد ما لن يرى النور، لكن التقارب بين هذه الدول والمغرب واضح.

الزيارة المعلنة للرئيس تبون

لفترة طويلة ظلت الزيارة التي سيقوم بها الرئيس عبد المجيد تبون إلى فرنسا، والتي تم الإعلان أنها ستكون في الخريف المقبل، مشروطة بقضايا لا تزال تلقي بثقلها على العلاقة بين البلدين، مثل مسائل الذاكرة، أو التعاون الاقتصادي، أو التجارب النووية في الصحراء الجزائرية، أو إعادة سيف وبرنوس الأمير عبد القادر.

وقد أظهر تقرير النائب فريديريك بيتي7، المتعلق بالعلاقات بين فرنسا والجزائر، أن لا شيء بسيط في العلاقة بين البلدين. وذكر على وجه الخصوص أن "التعاون بين الدولتين يظل مهدداً بالعداء لفرنسا"، وهو ما يمكن رؤيته، على سبيل المثال، في الميل إلى اختزال اللغة الفرنسية في لغة المستعمر. وعلى الصعيد الاقتصادي، أبرز التقرير أيضاً صعوبات التعاون، إذ تواجه الشركات الفرنسية العاملة في الجزائر قيود مراقبة الصرف، وهو أمر ليس جديداً.

من المرجح أن تكون هذه الصعوبات هي التي دفعت إيمانويل ماكرون إلى الشروع في كتابة فصل جديد في العلاقات مع المغرب، من خلال إعادة النظر في ملف الصحراء. ويلاحظ قادة حزب رونيسانس (النهضة) أن هناك استعدادا، على يمينهم وعن يسارهم، للسير على خطى الولايات المتحدة في الاعتراف بمغربية الصحراء.

خلال زيارتهما إلى المغرب، في مايو/أيار 2023، أعلن إريك سيوتي ورشيدة داتي، التي كانت لا تزال عضوة في حزب الجمهوريين، ولم تصبح بعد وزيرة للثقافة، أنه "نحن نعترف بسيادة المغرب على الصحراء"، معبرين في نفس الوقت عن دهشتهم من "الانتحاء الجزائري لإيمانويل ماكرون8".

بعد زلزال أكتوبر/تشرين الأول 2023، نفى جان لوك ميلانشون، أثناء رحلة إلى المغرب9، وجود أي صلة بين حركة فرنسا غير الخاضعة وقوى أخرى غير الأحزاب السياسية، الأمر الذي بدا وكأنه يستبعد أي اتصال مع جبهة البوليساريو، مع التأكيد أن الموقف الذي اتخذته إسبانيا والولايات المتحدة وإسرائيل (اعترافها بالسيادة المغربية على الصحراء) قد "غيّر نظرة العالم إلى هذه القضية"، وأعرب عن أمله في أن "تتفهم فرنسا ذلك".

من المرجح أن ينضم الرئيس ماكرون إلى هذه المواقف. لكن بالنسبة له، فإن الأمر لا يتعلق باتباع النموذج الأميركي، بل بالمضي قدماَ في دعم بلاده للمغرب. إنها طريقة للبقاء مخلصاً لخيارات فرنسا الدبلوماسية، وأن يكون، مرة أخرى، هو "سيد الساعات".

[1] الاتحاد الأوروبي والمغرب: تصريح السفير الفرنسي يثير رد فعل المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان - "UE-Maroc : la déclaration de l’ambassadeur de France fait réagir les ONG des droits humains ", RFI, 6 février 2023.
[2] فرانس 24 "العاهل المغربي يؤكد أن ملف الصحراء هو معيار تقييم "صدق الصداقات ونجاعة الشراكات"
[3] أول خطاب للسفير نيكولا دي ريفيير أمام مجلس الأمن

[4] Le360.ma, 15 mars 2024
[5] نفس المصدر
[6] تغريدة من الوزير، 26 فبراير 2024
[7] دبلوماسية الثقافة والتأثير. الفرنكوفونية -
Diplomatie culturelle et d’influence. Francophonie, Assemblée nationale, 11 octobre 2023

[8] 8Tel Quel, 5 mai 2023

[9] Le360.ma, 5 octobre 2023


ينشر  بالتعاون مع "أوريان 21"
https://orientxxi.info/ar

 

المساهمون