غوتيريس يفعّل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة: ماذا تعني؟

غوتيريس يفعّل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة: ماذا تعني؟

نيويورك

العربي الجديد

سيف الخزاعي
العربي الجديد
العربي الجديد
08 ديسمبر 2023
+ الخط -

دفعت الأوضاع الكارثية التي يعيشها أهالي قطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من شهرين، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس للجوء إلى المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، للمرة الأولى منذ توليه منصبه عام 2017، وذلك للتنبيه من خطر انهيار النظام الإنساني في غزة.

تفعيل هذه السلطة التي وُصفت بـ"الخطوة الدستورية الكبرى"، عبر لجوء غوتيريس إلى واحدة من أقوى الأدوات التي يمتلكها الأمين العام في إطار ميثاق الأمم المتحدة، جلب على غوتيريس غضباً إسرائيلياً ومطالبات متجددة له بالاستقالة، وذلك لمجرد تنبيهه من كارثية الأوضاع الإنسانية في القطاع.

تفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة

وفي رسالة غير مسبوقة إلى مجلس الأمن مساء الأربعاء، لجأ غوتيريس إلى المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة للفت انتباه المجلس إلى "مسألة يمكن أن تؤدي إلى تفاقم التهديدات القائمة لصون السلم والأمن الدوليين"، وفق ما تنص عليه المادة.

وجاء في الرسالة "إننا نواجه خطراً شديداً يتمثل في انهيار النظام الإنساني. إن الوضع يتدهور بسرعة ليتحول إلى كارثة ذات آثار محتملة لا رجعة فيها بالنسبة للفلسطينيين ككل وللسلام والأمن في المنطقة. ويجب تجنب مثل هذه النتيجة بأي ثمن". ولفت غوتيريس الانتباه إلى أن هناك مسؤولية "تقع على عاتق المجتمع الدولي لاستخدام كل نفوذه لمنع المزيد من التصعيد وإنهاء هذه الأزمة".

وحث أعضاء مجلس الأمن "على ممارسة الضغط من أجل تجنب وقوع كارثة إنسانية"، مكرراً نداءه "بإعلان وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية. هذا عاجل. ويجب تجنيب السكان المدنيين ضرراً أكبر. ومن خلال وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية".

غوتيريس: الوضع يتدهور بسرعة ليتحول إلى كارثة ذات آثار محتملة لا رجعة فيها بالنسبة للفلسطينيين ككل وللسلام والأمن في المنطقة

وأشار الأمين العام في رسالته لتسلسل الأحداث منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بما فيها قتل أكثر من 15 ألف فلسطيني، 40 في المائة منهم من الأطفال جراء الهجمات العسكرية الإسرائيلية. ولفتت الرسالة كذلك إلى "التهجير القسري لـ80 في المائة من السكان البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة داخل القطاع ولجوء 1.1 مليون شخص إلى مرافق أونروا في جميع أنحاء غزة، "مما أدى إلى خلق ظروف مكتظة ومهينة وغير صحية. وهناك آخرون ليس لديهم مكان يحتمون به ويجدون أنفسهم في الشارع"، مضيفاً أنه "لا توجد حماية فعالة للمدنيين". وأشار إلى "شبه انهيار نظام الرعاية الصحي وتحول المستشفيات إلى ساحات قتال ونفاد الامدادات الأساسية كالوقود".

وشدد على أنه "لا يوجد مكان آمن في غزة". وأشارت الرسالة كذلك إلى أن القرار 2712 الذي يدعو مجلس الأمن "إلى توسيع نطاق توفير هذه الإمدادات لتلبية الاحتياجات الإنسانية للسكان المدنيين، وخاصة الأطفال". وقال غوتيريس إن الظروف الحالية تجعل من المستحيل إجراء عمليات إنسانية ذات معنى، لكنه أضاف أن الأمم المتحدة وعلى الرغم من ذلك ستحاول مراقبة تنفيذ القرار.

خطوة دستورية كبيرة

ورداً على أسئلة الصحافيين حول معنى ومغزى الخطاب، قال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوغاريك، إن الأمين العام يُفعّل بذلك السلطة التي يمنحها له الميثاق فيما يمكن أن يُوصف بـ"الخطوة الدستورية الكبرى". وقال إن تلك المادة تعد "أقوى أداة يمتلكها الأمين العام في إطار ميثاق الأمم المتحدة". وأضاف دوغاريك أن "الأمم المتحدة تقترب من نقطة الشلل التام لعملياتها الإنسانية في غزة". وتحدث عن "خطوة ذات دلالة كبيرة" لأنه لم يتم اللجوء إلى المادة 99 "منذ عقود". وأضاف "نريد أن نرى مجلس الأمن يدعو إلى وقف إنساني لإطلاق النار".

وتنص المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة على أنه "للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين". وتسمح هذه المادة للأمين العام ببدء مناقشة في مجلس الأمن حول قضية معينة، وهي العدوان على غزة هذه المرة، وذلك للضغط على الأعضاء لاتخاذ إجراءات لحفظ الأمن والسلم الدوليين. ومن المتوقع أن يعقد مجلس الأمن خلال الأيام المقبلة اجتماعاً حول الموضوع.

تنص المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة على أنه للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين

ويعني تفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة إطلاق إنذار مبكر بأزمة دولية وشيكة، كي تنصبّ مهام مجلس الأمن على الوقاية أكثر من التعامل المتأخر مع المشاكل التي تهدد الأمن والسلم الدوليين. ومن بين عشرات الصراعات التي تدخّل فيها الأمناء العامون للأمم المتحدة منذ تأسيس المنظمة، فإنه تم فقط اللجوء للمادة 99 بشكل صريح في ثلاث دعوات اعترفت بها الأمم المتحدة وهي الحرب في الكونغو عام 1960، وأزمة احتجاز الرهائن الأميركيين في طهران 1979، إضافة إلى تصاعد الحرب في لبنان عام 1989، في وقت هناك أكثر من 12 استدعاء ضمنياً في مجلس الأمن من دون اعتماد هذه المادة رسمياً.

وكان الأمين العام الراحل خافيير بيريز دي كوييار، آخر من لجأ رسمياً إلى المادة 99 في رسالة لرئيس مجلس الأمن عام 1989، قال فيها إن العنف في بيروت وما حولها "تصاعد إلى مستوى غير مسبوق خلال 14 عاماً من الصراع".

غضب إسرائيلي على غوتيريس

لجوء غوتيريس لهذه المادة زاد غضب إسرائيل عليه، التي اتهمته بدعم حركة "حماس". وقال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في منشور على "إكس" إنّ "ولاية غوتيريس تمثّل تهديداً للسلام العالمي. إنّ مطالبته بتفعيل المادة 99 والدعوة لوقف لإطلاق النار في غزة يشكّلان دعماً لمنظمة حماس الإرهابية".

كما اتهم السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان، غوتيريس بأنه بلغ "انحطاطاً أخلاقياً جديداً" بإرسال الرسالة إلى مجلس الأمن، مضيفاً أن "دعوة الأمين العام لوقف إطلاق النار هي في الواقع دعوة لإبقاء حكم حماس الإرهابي في غزة". وأشار إردان إلى أن "هذه المادة (99) لا يمكن الاحتكام إليها إلا في حالة تهديد السلم والأمن الدوليين". واعتبر أن غوتيريس قرر "تفعيل هذه المادة النادرة فقط من أجل السماح بالضغط على إسرائيل التي تقاتل إرهابيي حماس". وختم إردان: "أدعو الأمين العام مرة أخرى إلى الاستقالة فوراً، الأمم المتحدة بحاجة إلى أمين عام يدعم الحرب على الإرهاب".

كوهين: مطالبة غوتيريس بتفعيل المادة 99 والدعوة لوقف لإطلاق النار في غزة يشكّلان دعماً لمنظمة حماس

في المقابل، رحب مسؤول السياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بموقف غوتيريس، ودعا "الأعضاء الأوروبيين وشركاءنا في مجلس الأمن لدعم دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن غزة". ولفت إلى أنه يتعين "على مجلس الأمن الدولي التحرك فورا للحيلولة دون انهيار الوضع الإنساني في غزة بشكل كامل".

السعودية بدورها أشادت بتفعيل المادة 99. وقالت وكالة الأنباء السعودية (واس) إن وزير الخارجية فيصل بن فرحان "تلقى اتصالاً هاتفياً من الأمين العام للأمم المتحدة، تناول قرار الأخير تفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة". وأشارت إلى أن وزير الخارجية، عبّر عن "تقدير ودعم المملكة البالغ للخطوة المبررة والهامة التي قام بها غوتيريس بتفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة".

كما أعرب رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز عن "دعمه الكامل" للرسالة غير المسبوقة التي أرسلها غوتيريس إلى مجلس الأمن الدولي. وكتب على منصّة "إكس" (تويتر سابقاً) أنّ "الكارثة الإنسانية في غزة لا تطاق. أعبّر عن دعمي الكامل للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في تفعيله المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة".

ذات صلة

الصورة
مظاهرة في برلين بعد منع مؤتمر فلسطين 13 إبريل 2024

سياسة

خرجت مظاهرة، ظهر السبت، في برلين احتجاجاً على قيام الشرطة الألمانيّة بمنع انعقاد مؤتمر فلسطين، أمس الجمعة، إضافة لمنع الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة
الصورة
اختاروا النزوح من مخيم النصيرات جراء القصف (فرانس برس)

مجتمع

الاستهداف الإسرائيلي الأخير لمخيم النصيرات جعل أهله والمهجرين إليه يخشون تدميره واحتلاله إمعاناً في تقسيم قطاع غزة إلى قسمين، في وقت لم يبق لهم مكان يذهبون إليه
الصورة
مسيرة المسجد الحسيني

سياسة

شارك اردنيون في مسيرة شعبية حاشدة في وسط العاصمة الأردنية عمان تحت عنوان: "عيدنا بانتصار المقاومة"، مطالبين بوقف العدوان المتواصل على قطاع غزة
الصورة
الصحافي بيتر ماس (Getty)

منوعات

كتب الصحافي المخضرم بيتر ماس، في "واشنطن بوست"، عن "شعوره كمراسل جرائم حرب وابن عائلة مولت دولة ترتكب جرائم حرب"، في إشارة إلى الإبادة الجماعية في غزة.