غضب ليبي من لقاء مدعي محكمة الجنايات الدولية خليفة حفتر في بنغازي

غضب ليبي من لقاء مدعي محكمة الجنايات الدولية خليفة حفتر في بنغازي

10 نوفمبر 2022
لم يكشف بعد عن فحوى مباحثات خان وحفتر في بنغازي (تويتر)
+ الخط -

استنكرت شخصيات ومنظمات حقوقية ليبية لقاء مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان، باللواء المتقاعد خليفة حفتر، في بنغازي، ومصافحته. وجددت منظمات مطالبة "الجنائية الدولية" بمساءلة حفتر واتخاذ الإجراءات التأديبية اللازمة في حقه. 

وكان خان قد زار حفتر في مقره العسكري بالرجمة، شرقي البلاد، الثلاثاء الماضي، بعد سلسلة من زيارات التقى فيها مسؤولين آخرين في غرب البلاد. وقد نشرت قيادة حفتر صورا تجمع الأخير بكريم خان وهو يصافحه، من دون الكشف عن فحوى اللقاء. 

وطالبت منظمات "محامون من أجل العدالة في ليبيا" ومنظمة "رصد الجرائم الليبية" و"حركة النساء الأمازيغيات" و"المركز الليبي لحرية الصحافة" المحكمة الجنائية بـ"التحقيق في أفعال المدعي العام، وضمان خضوعه للمساءلة، من خلال "الإجراءات التأديبية اللازمة". 

واعتبرت المنظمات، في بيان مشترك ليل الأربعاء، لقاء المدعي العام بحفتر "مسيئا للغاية"، ليس فقط بحق ضحايا جرائم حفتر المزعومة، ولكن بحق "جميع الضحايا والمجتمعات المحلية المتضررة من الجرائم التي أنشئت المحكمة للتحقيق فيها ومقاضاة مرتكبيها".

وأكدت المنظمات أن افتقار المدعي العام الحساسية حيال الوضع على الأرض كان بمثابة "إهانة صادمة بالنسبة إلى المدافعين عن حقوق الإنسان، والجهات الفاعلة من المجتمع المدني"، الذين يعملون على حساب سلامتهم وأمنهم لدعم عمل المحكمة. 

ولفتت المنظمات إلى أن حفتر "هو المسؤول، وفق ما تفيد الإدعاءات بحقه، عن ارتكاب عدد كبير من الجرائم الدولية الخطيرة، وانتهاكات حقوق الإنسان، وقد وجهت إليه تهم بارتكاب جرائم حرب من قبل محكمة أميركية، كما أنه موضع تحقيق جنائي في فرنسا". 

وأوضحت المنظمات الأربع أنه "سبق لحفتر أن رفض التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية من خلال الامتناع عن تسليم متهم مطلوب"، وذكّرت خان بفحوى تقريره الذي قدمه إلى مجلس الأمن في إبريل/نيسان 2022، أشار فيه الى أن مكتبه جمع أدلة على قيام قوات حفتر بارتكاب جرائم دولية خطيرة. 

كما عبّر ليبيون وغير ليبيين مهتمين بالشأن الليبي، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن استهجانهم لقاء خان كريم بحفتر. 

وقالت الحقوقية وعضو ملتقى الحوار السياسي الليبي إلهام السعودي إن المصافحة غير مفهومة، إلا إذا مرر خان لحفتر من خلالها مذكرة توقيف بحقه، معتبرة اللقاء "إهانة للضحايا والناشطين". 

وأضافت عبر حسابها في "تويتر": "لا يمكن أبدا الزعم مرة أخرى أن مكتب المدعي العام ليس مسيسا". 

وبعد تقديم خان إحاطته إلى مجلس الأمن أمس الأربعاء، دعا مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة، السفير الطاهر السني، المحكمة الجنائية الدولية إلى المسارعة في إعلان نتائج تحقيقاتها في كل القضايا التي تتحقق فيها في ليبيا، وتسمية المتورطين، "سواء كانوا أفراداً أو كيانات أو حتى دولا".

وفيما اتهم السني، خلال كلمته بعد إحاطة خان، دولا لم يسمّها، بــ"تسييس" ملف الانتهاكات في ليبيا، أكد ضرورة أن يدعم المجتمع الدولي سلطات القضاء الليبي لحسم الملف الجنائي.

وأكد السني أن ليبيا تتعاون مع محكمة الجنايات الدولية، وفقا لمذكرة التفاهم الموقعة بين مكتب النائب العام الليبي ومكتب المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، "كدور مساعد ومكمل للقضاء الليبي"، وأصدر مكتب النائب العام أوامر قبض على عدد من المطلوبين في قضايا جنائية وجرائم.

وقال السني: "يبقى التحدي الأبرز هو القبض على المختبئين والفارين خارج البلاد، لذا ندعو السيد خان إلى التعاون مع مكتب النائب العام لإصدار أوامر قبض بحق هؤلاء، ومن يدعمهم أو يؤويهم أو يرفض تسليمهم للعدالة".

وتتهم قطاعات واسعة من الليبيين حفتر بالتورط في جرائم المقابر الجماعية في ترهونة، التي ارتكبتها مليشيا الكانيات التابعة له، بالإضافة إلى جرائم أخرى في بنغازي، يخضع حفتر بسببها للمساءلة أمام محكمة فرجينيا الأميركية.

وعبر الناشط السياسي والحقوقي الليبي خميس الرابطي عن استغرابه من طريقة تعامل خان مع حفتر، متسائلاً: "هل نسي خان أن حفتر رفض تسليم قائد الإعدامات محمود الورفلي للمحكمة بعد أن كررت مطالبتها له بتسليمه مرات عدة؟! أوليست طريقة قتل الورفلي الغامضة سببا على الأقل يجعل خان متحفظا من جهة حفتر، بدلا من أن يظهر في صور وهو يصافحه ويبتسم لليبيين؟".

وأضاف الرابطي لــ"العربي الجديد": "ولنسلم جدلا بعدم ثبوت تورط حفتر في جرائم الورفلي والكانيات، ولكن ماذا عن خضوعه للتحقيق والمساءلة أمام محكمة فرجينيا الأميركية، ألا يكون داعيا مقعنا للمدعي العام بأن يتجنب الإساءة لمشاعر الليبيين على الأقل؟".

وقبل أربعة أيام، خضع حفتر للاستجواب من بنغازي، عبر تقنية "زووم"، أمام محامي الضحايا، في ثلاث قضايا مرفوعة ضده في محكمة "فرجينيا" الفدرالية بالولايات المتحدة الأميركية.

وجاء استجواب حفتر بعد محاولات عديدة من قبل محاميه للتنصل من الإفادة بشهادته أمام المحكمة، بحجة أن محاكمته قد "تحمل آثار سلبية على مجرى الأوضاع في ليبيا"، وبداعي "ترشح حفتر للانتخابات الرئاسية" المؤجلة منذ العام الماضي. 

وفي تصريح سابق لـ"العربي الجديد، أفاد مستشار ضحايا جرائم الحرب الليبية، ورئيس مؤسسة الديمقراطية وحقوق الإنسان، عماد الدين المنتصر، بأن "المحكمة هددت بجعل إدانة حفتر السابقة إدانة نهائية إذا لم يتجاوب مع التحقيق أو ارتكب أية مخالفات أو قام بمماطلة أو تأخير"، موضحا أن على حفتر "الالتزام بالإجابة عن أسئلة المحامين، وعن مسؤوليته عن الجرائم المرتكبة في مختلف مناطق ليبيا، حسب مذكرات الإدعاء المرفوعة ضده".

 وتترافع محكمة فرجينيا المدنية في قضية يتهم فيها خليفة حفتر بالتعذيب وارتكاب جرائم حرب خلال الفترة من 2016 إلى 2017. وقد حملت القضية اتهامات بإشرافه على حملات قصف متهورة ومذابح متعمدة للمدنيين، وتعذيب سجناء. 

وتعقد المحكمة في "فرجينيا" لإقامة حفتر فيها قبل عودته الى ليبيا عام 2012، وامتلاكه أصولا هناك.

وفي نهاية يوليو/تموز الماضي، نطقت القاضية ليونا بيرنكما، المسؤولة عن المحكمة الفيدرالية لشرق ولاية فرجينيا الأميركية، بالإدانة الغيابية، وتحميل حفتر المسؤولية التامة عن جرائم قتل وتعذيب ضد ليبيين.

ويعلق الناشط المدني المهجّر من بنغازي عقيلة الأطرش بالقول: "خلال ساعات فقط، انهارت ثقتنا بنزاهة المحكمة، فبعد أن زار المدعي العام مقابر ترهونة وصرح بكلمات كلها تضامن إنساني مع أسر ضحايا المقابر، وبعضهن نساء يبكين أولادهن، ذهب في اليوم التالي لمصافحة حفتر". 

ويتساءل الأطرش في حديثه لــ"العربي الجديد": "حديث خان في إحاطته يشير إلى أنه زار حفتر كقائد من ضمن القادة الليبيين، وأنه جاء لاستئذانه في جمع أدلة حول جرائم في شرق ليبيا، فهل سيكون بمقدوره مساءلة حفتر عن اختفاء عضو مجلس النواب سهام سرقيوة، والتثبت من عشرات التصريحات التي نشرتها منظمات دولية، كمنظمة العفو الدولية، تثبت تورط حفتر في جرائم تعذيب وإخفاء، وتهجير عشرة آلاف أسرة من بنغازي".

وضمن إحاطته أمام مجلس الأمن، كشف خان عما دار خلال لقاءه حفتر، حين قال: "كنت شديد الوضوح معه بشأن حصول المحكمة الجنائية على أدلة حول مزاعم انتهاكات ارتكتبها قوات تابعة له، وقلت له: إننا سنركز عملنا في ليبيا على تدابير تؤدي إلى نتائج ملموسة، سواء كان الأمر يتعلق بقائد عسكري أو فرد مدني، كما أوضحت أن القيادات العسكرية مسؤولة عن منع الجرائم والمعاقبة عليها عندما ترتكب". 

وأرفق خان مع الإحاطة "ملفات سرية للقضاة المستقلين بالمحكمة الدولية"، من أجل البت فيها وإصدار "مذكرات توقيف" بشأن المجرمين.

ومع أن خان رفض الإفصاح عن الملفات، إلا أنه أكد أن المجرمين في ليبيا "سيعاقبون"، وأن هناك "تسريعا في وتيرة العمل، وإضفاء لمزيد من المتانة على التحقيقات وجمع البيانات، من أجل إصدار مذكرات التوقيف"، مضيفا "لا يمكن أن نسمح لظاهرة الإفلات من العقاب أن تنتشر، وهذا ما تريده أسر ضحايا الانتهاكات في ليبيا".