غزة تلملم جراحها بعد عدوان الـ56 ساعة.. والحياة تعود إلى شوارعها

غزة تلملم جراحها بعد عدوان الـ56 ساعة.. والحياة تعود إلى شوارعها

08 اغسطس 2022
شوارع مخيم جباليا الأكثر اكتظاظاً بالسكان (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

 

يمُر عدد من الأطفال والنساء بجوار منزل تعرّض لقصف إسرائيلي في ساحة مسجد الشهيد أنور عزيز، وسط مخيم جباليا للاجئين، شمالي قطاع غزة، ينظرون إلى الخراب الذي حل فيه، بعد توقف العدوان الإسرائيلي الذي استمر من عصر الجمعة إلى منتصف ليل الأحد/الاثنين.

يسترق المارون من المكان الذي تكتسي جدرانه ومحيطه بالفقر والعوز النظر إلى الدماء والدمار، اللذين أحدثتهما الغارة الإسرائيلية التي أدت إلى استشهاد اثنين من الفلسطينيين، وإصابة آخرين، صباح الأحد، أحدهم يدعى ضياء البرعي، الذي كان يعمل في بيع الخضار والفاكهة بالقرب من المنزل الذي تعرض للقصف.

ومخيم جباليا للاجئين هو واحد من أكبر التجمعات السكانية المكتظة في قطاع غزة المحاصر، وتعرض أطفال وفتية يلهون وسطه إلى قصف إسرائيلي مساء السبت، ما أدى إلى استشهاد تسعة منهم بالقرب من مسجد الشهيد عماد عقل، إضافة إلى تضرر سيارات متوقفة في المكان ومنازل السكان.

ورغم بعض الخروقات لوقف إطلاق النار الذي بدأ فعلياً عند الساعة 11:30 ليلاً بالتوقيت المحلي، فإنّ الأوضاع عادت للهدوء، مع كثير من القلق لدى الفلسطينيين من تجدد القتال إذا لم يستطع الوسيط المصري إلزام إسرائيل بما تعهدت به، بعد أنّ وجدت مصر صعوبة في إقناع حركة "الجهاد الإسلامي" بوقف إطلاق النار، والذي تأخر عن موعده الأول لساعات.

واستُشهد 44 فلسطينياً، من بينهم 15 طفلاً و4 سيدات، وأصيب 360 آخرين، جراح بعضهم خطيرة في العدوان الذي استمر 56 ساعة، ومن بين الشهداء ثلاثة أطفال من عائلة النباهين في مخيم البريج وسط القطاع، و4 أقرباء من عائلة نجم في شمال القطاع، وشقيقان من عائلة النيرب. وقالت سرايا القدس الذراع العسكرية لحركة "الجهاد الإسلامي" إنّ من بين الشهداء 12 من قادتها وعناصرها.

وليس ببعيد عن وسط مخيم جباليا، وإلى الغرب منه نُصبت خيمة عزاء لأربعة من أطفال عائلة نجم، الذين استشهدوا قبل ساعات قليلة من وقف إطلاق النار. فقد الشاب نجم نجم (36 عاماً) ابنه جميل (5 سنوات) الذي جاء بعد ثلاث بنات، في القصف الذي استهدف أطفالاً في مقبرة الفالوجا، وأدى أيضاً لاستشهاد ابن شقيقه والذي يحمل الاسم ذاته جميل، واثنين من أبناء عمه وطفل من الجيران.

وبدأت مع انقشاع غبار العدوان الإسرائيلي تُروى قصص أخرى عن الصعوبات التي عاشها الفلسطينيون خلال ساعات العدوان، وتفاصيل عن المقاومة والشهداء، وتفاصيل الخوف من تجدد القتال، والسؤال الدائم: متى الحرب القادمة؟

عاش قطاع غزة أربع حروب كبرى في الأعوام (2008-2009 و2012، و2014، و2021)، وبين هذه التواريخ عاش أكثر من مليوني فلسطيني تصعيدات عسكرية. وترافقت هذه الحروب مع حصار إسرائيلي مشدد، منع كل مناحي الحياة من التقدم، حيث لا كهرباء طبيعية ولا مياه نظيفة، ولا بنية تحتية يمكن الركون عليها للأجيال القادمة، ولا وظائف لشبابها، وبات الموت وحده عنوانها رغم محاولات التغلب على ذلك بوسائل عدة.

عادت الحياة إلى شوارع غزة مع انتهاء العدوان الإسرائيلي، وفي الساعات الأولى من وقف إطلاق النار خرج الفلسطينيون يتفقدون جيرانهم وأقاربهم، وسار آخرون رغم تأخر الوقت وحلول ساعات المساء إلى منازل الشهداء لمواساة ذويهم.

لم تفتح للشهداء بيوت عزاء خلال العدوان الإسرائيلي خوفاً من استهدافها من قبل الاحتلال الإسرائيلي كما في مرات سابقة. بدأ ذوو الشهداء استقبال المعزين لعلهم يخففون عنهم جزءاً من ألم الفقد ووجعه، وبدأت في منازلهم تفتح أوجاع أخرى وأسئلة عن حروب لم تُبقِ في غزة فرصة للحياة.

يأمل فلسطينيو قطاع غزة أنّ تكون هذه الحرب الأخيرة، يرغبون في الحياة كما الآخرين، رغم احتضانهم المقاومة في أوقات كثيرة، والتفافهم حولها في الحروب والاعتداءات الإسرائيلية، إلا أنهم يطمحون لحياة كريمة تعينهم على ما تبقى من أعمارهم.