عندما تدخل لغة "الانقلاب العسكري" إلى السياسة الأميركية

عندما تدخل لغة "الانقلاب العسكري" إلى السياسة الأميركية

02 يونيو 2021
فلين صاحب إضبارة دسمة في التطرف وخرق القواعد والقوانين (Getty)
+ الخط -

في ندوة الإثنين سئل الجنرال المتقاعد مايكل فلين: "لماذا لا يحصل عندنا انقلاب كما جرى مؤخراً في ميانمار؟"، فقال: نعم، "يجب أن يحصل ذلك هنا". جوابه نزل كالصاعقة على عموم الساحة باستثناء المحافظين المتشددين، الذين كان يتحدث إليهم، والمتشبثين بأن الانتخابات "سُرقت"، ورئاسة بايدن "غير شرعية".

فالانقلاب عبارة غريبة عن التجربة الأميركية. وكان يمكن أن تمر بدون هذه الضجة لو أن مروّجها غير عسكري، وغير فلين بالذات. فالجنرال الذي شغل منصب مستشار الرئيس ترامب لمدة أسابيع فقط، هو صاحب إضبارة دسمة في التطرف وخرق القواعد والقوانين. صدر بحقه حكم بجريمة الكذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" في قصة علاقته مع الروس أثناء حملة ترامب الانتخابية في 2016، والتي كان أحد أبرز العاملين فيها. أنقذه ترامب من السجن بعفو رئاسي عشية انتهاء رئاسته. ودعا بعد إعلان فوز بايدن إلى إعلان حالة الطوارئ وإعادة إجراء الانتخابات. وما زال من الناشطين في فريق الرئيس السابق، والمحرضين على رفض التسليم بفوز بايدن، والذي كان محور ندوته هذه.

ومع أن فلين سارع بعد الهزة إلى التنصل من كلامه؛ فإن نفيه لم يفلح في إزالة الهواجس. فإشارته إلى الانقلاب جاءت في سياق ردود وخطوات وإجراءات كانت ذروتها في اقتحام مبنى الكونغرس في السادس من يناير/ كانون الثاني الماضي.

 

وحسب الدوائر الأمنية، وعلى رأسها "إف بي آي"، فإن خطر تجدد العنف ما زال قائماً. وفي آخر الاستطلاعات ظهر أن 56% من قواعد ترامب والجمهوريين تواصل رفضها لمشروعية الانتخابات، و20% من هذه النسبة تؤيد اللجوء إلى العنف والقوة لتغيير المعادلة. ومن بين هؤلاء من يتحدث عن احتمال "تنصيب" ترامب رئيساً في أغسطس/آب المقبل، بعد الانتهاء من إعادة فرز الأصوات في عدد من الولايات، مع أن المحاولة لم تفضِ إلى شيء حتى الآن، والأمر لا يبدو أكثر من وهم.

ولا تقف تداعيات الانتخابات عند هذا الحد، بل امتدت لتشمل إعادة النظر بتنظيم العملية الانتخابية، وبما يؤسس لأزمة انتخابية طاحنة في 2024. فمحاولات الجانب الجمهوري، وخصوصاً مؤيدي ترامب، جارية على وجه السرعة في أكثر من 40 ولاية، لاستصدار قوانين من الكونغرس المحلي، تقضي بتغيير الأصول المرعية في تنظيم العملية الانتخابية في الولاية، وبما يجعل من الصعب أو في أحسن الأحوال، من غير الميسور على قسم مهم من الأقليات، المشاركة في الاقتراع. والهدف من ذلك وضع العراقيل أمام هذه الفئات التي تصوت عادة للديمقراطيين، وبما يحملهم على عدم الاقتراع، أو تقليل عددهم قدر الإمكان على الأقل، وذلك من خلال وضع شروط تعجيزية للتصويت بالبريد، أو للتصويت المبكر، وإقفال أقلام الاقتراع قبل انتهاء الدوام في أماكن العمل، بحيث لا يتيسر للناخبين من هذه الفئات الوقت الكافي للإدلاء بأصواتهم.

الأخطر من ذلك أن التعديلات تشمل منح صلاحية البت بنتائج الانتخابات للكونغرس المحلي، بدلاً من الجهاز الإداري المنوطة به هذه المهمة في كل ولاية. وهذا الكونغرس يسيطر عليه الجمهوريون في هذه الولايات. وصفة لمشكلة كبيرة قادمة إذا لم يبادر الكونغرس الفيدرالي ويسن قانوناً انتخابياً مغايراً. حتى الآن لا يؤيد الجمهوريون في مجلس الشيوخ مثل هذا التوجّه، خشية من ترامب، وقد امتنعوا حتى اللحظة عن الموافقة على تكليف لجنة محايدة للتحقيق في اجتياح السادس من يناير/ كانون الثاني، بعد أن حذرهم الرئيس السابق من الإقدام على مثل هذا الخطوة التي يمكن أن تطاله تحقيقاتها.

 

في خطابه الإثنين في الذكرى المئوية لمجزرة مدينة تلسا بولاية أوكلاهوما، التي سقط فيه حوالي 300 من الأميركيين السود؛ قال الرئيس بايدن: "إن الديمقراطية في خطر". تحذير تردد كثيراً في الآونة الأخيرة، بعد التطورات التي أعقبت الانتخابات التي انتهت من غير أن تنتهي مضاعفاتها، التي تركت علامات تآكل في أعمدة هيكل التجربة الأميركية، والتي "باتت في (دائرة) الخطر"، على حدّ تعبير المؤرخ الرئاسي جون ميتشوم. 

لقد تعرضت أميركا في الماضي لزلازل قوية، مثل الحرب الأهلية والانهيار الاقتصادي في الثلاثينيات، وقد وفّرت تركيبتها المتماسكة لها الصمود والخروج السالم. ولكن في الوقت الحاضر اختلت التركيبة، وبات المحافظ الأبيض يخشى من التغيير القادم في المعادلة، إلى حد أن بعض منظريه صاروا يتحدثون من منطلق عمّا "إذا كان تنوعنا ينذر بالتفكك"، كما يتساءل المخضرم باتريك بيوكانن.

المساهمون