عمدة نيويورك الجديد: داعم وفي لإسرائيل

عمدة نيويورك الجديد: داعم وفي لإسرائيل

03 نوفمبر 2021
أدامز مؤيد معروف لإسرائيل (Getty)
+ الخط -

لم يكن الإعلان عن فوز إريك أدامز بمنصب عمدة نيويورك مفاجئاً، لأنه كان مرشحاً عن الحزب الديمقراطي، وهو في العادة الحزب الذي يفوز مرشحه بمنصب أكبر وأهم مدينة أميركية (أكثر من ثمانية ملايين نسمة) اقتصادياً وثقافياً. ولكن ترشحه رسمياً عن الحزب في يوليو/تموز الماضي وإعلان فوزه فجر اليوم في الانتخابات لا يروق للكثيرين من المحسوبين على الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي في نيويورك، حيث يمثل أدامز الجناح المحافظ داخل الحزب على الرغم من وصفه لنفسه بأنه "وسطي".

وعلى الرغم من ذلك، فإن فوز أدامز أمر مهم ومؤثر وله رمزية لا يستهان بها. ذلك أنه من خلفية فقيرة، حيث ولد في جنوب منطقة كوينز لعائلة من الطبقة العاملة، كما كونه ثاني أميركي من أصول أفريقية يفوز بهذا المنصب خلال أكثر من مئة عام، منذ عقد الانتخابات للمدينة بمناطقها الخمس لأول مرة عام 1897. مع ذلك فإن سياساته وتطبيقها ستكون هي المقياس الأهم خلال السنوات الأربع القادمة للكثير من الأقليات كما الفقراء وحتى الطبقة المتوسطة في هذه المدينة، إذ إن تفاصيل وطريقة تطبيقه لوعوده غير واضحة.

ومن المتوقع أن يواجه أدامز تحديات كثيرة فيما يخص سياساته الاقتصادية والأمنية ومحاربة الجريمة وعلاقة الشرطة بالأقليات، وخاصة أن الكثير من أعضاء مجلس المدينة يميلون في سياساتهم للجناح اليساري فيما يخص إصلاح نظام العدالة الجنائية وقضية أجور السكن العالية جداً وقضايا التشرد والضرائب والعلاقة مع الشركات الكبرى. وزادت جائحة كورونا من تعقيدات القضايا الاقتصادية. فبحسب إحصائيات رسمية، فإن عدد المشردين حالياً في مدينة نيويورك يصل إلى قرابة 80 ألف شخص، بمن فيهم العائلات والأطفال، وينام أغلبهم في الملاجئ المخصصة للمشردين وقرابة 4 آلاف من البالغين المشردين ينامون كل ليلة في الشوارع. ويعيش واحد من كل خمسة نيويوركيين في فقر، كما يدفع واحد من كل أربعة نصف معاشه على إيجار سكنه. وهناك قرابة 50 ألف شخص معرضون لخطر الطرد من سكنهم حالياً، بسبب تداعيات جائحة كورونا والبطالة وغيرها.

عدد المشردين حالياً في مدينة نيويورك يصل إلى قرابة 80 ألف شخص، بمن فيهم العائلات والأطفال، ويعيش واحد من كل خمسة نيويوركيين في فقر

كل هذا في الوقت الذي تفوق فيه ميزانية المدينة ميزانية بعض الدول، حيث وصلت رسمياً إلى أكثر من 97 مليار دولار للسنة المالية 2021-2022. وقد ركز أدامز كثيراً على قضية الأمن في حملته الانتخابية وكذلك بعد فوزه. لا سيما أنه ضابط سابق (كابتن)، في شرطة نيويورك، ويريد أن يعيد إدراج بعض السياسات التي أثبتت عدم نجاعتها في محاربة الجريمة وكانت عنصرية حيث استهدفت الأقليات من السود والأقليات الأخرى. وواحدة من هذه السياسات هي المعروفة "بالتوقيف والتفتيش"، ويدعي أدامز أن استخدامها بطريقة حذرة قد يأتي بمنفعة. كما يريد أدامز محاربة نسبة الجريمة المرتفعة في المدينة، وخاصة بعد انتشار جائحة كورونا، عن طريق تقديم دعم أكبر للشرطة.

ويرى المنتقدون لهذا التوجه أن الدعم يجب أن يصب في تخصيص موارد وفرص عمل وتعليم أفضل للمناطق الفقيرة. كما يتناقض الدعم الذي يتحدث عنه مع علاقات الكثير من الأقليات في نيويورك مع الشرطة، والمعروفة بممارسات عنصرية ضد الأقليات للكثير من أعضائها واستخدامها للعنف واستهداف المتظاهرين اليساريين. وهذا الدعم للشرطة وعملها والثناء عليها يقابله حديثه عن ضرورة محاسبة المخالفين بشكل أكبر. ومن غير الواضح كيف يريد التوفيق بين السياستين. ويذكر أن جهاز الشرطة في مدينة نيويورك هو الأكبر في الولايات المتحدة. ويصل عدد موظفيه إلى قرابة 55 ألفاً، بمن فيهم حوالي 36 ألف شرطي. أما ميزانيته للعام الماضي فوصلت إلى قرابة ستة مليارات في حين يفوق إنفاقه تلك الميزانية بكثير.

وعلى الرغم من أن منصب عمدة نيويورك هو منصب يتعلق في غالبه بالسياسات الداخلية، إلا أن السياسات الخارجية مهمة وخاصة فيما يتعلق مثلاً بالعلاقات التي تربط أقسام الشرطة المختلفة في الولايات المتحدة مع شرطة دول أخرى بما فيها شرطة دولة الاحتلال الإسرائيلي. وفتحت شرطة نيويورك عام 2012 فرعاً لها في مدينة "كفار سابا" الإسرائيلية. وهناك تعاون قوي بينها وبين الشرطة الإسرائيلية بما فيها تدريبات وتبادل معلومات وغيرها. وشرطة نيويورك ليست وحدها في هذه الممارسة فهناك غيرها من أقسام الشرطة لمدن مركزية في الولايات المتحدة كلوس أنجلس وشيكاغو، على سبيل المثال، لها اتفاقيات وتدريبات مشتركة مع الشرطة الإسرائيلية ودول أخرى.

ومن المتوقع أن يزداد هذا التعاون تحت حكم أدامز المعروف بدعمه الشديد لإسرائيل. بل إن الرجل صرح أنه يريد أن يتقاعد في إسرائيل وتحديداً الجولان السوري المحتل. وجاءت تصريحاته آنذاك خلال حملته الانتخابية في شهر مايو/ أيار في مقابلة مع صحيفة محلية. ثم تراجع عن القسم الأخير، أي اختيار الجولان السوري المحتل كمكان لتقاعده، مدعياً أنه كان يمزح وليس جدياً.

 لكنه تمسك ببقية تصريحه الذي قال فيه لصحيفة "ميشباخا" اليهودية النيويوركية "لقد زرت إسرائيل مرتين، وسأعود مرة أخرى، وسأحاول العثور على قطعة أرض لتكون مكاناً لتقاعدي. أنا أحب شعب إسرائيل، الطعام، الثقافة، الرقص، كل شيء عن إسرائيل". وجاءت تصريحات أدامز بعد الحرب الإسرائيلية على غزة. وكان قد غرد قبل ذلك بأسابيع على حسابه دعماً لـ "يوم القدس"، وهو يوم تحتفل فيه الحكومة الإسرائيلية باحتلالها بقية فلسطين والقدس و"توحيدها". وكتب في تغريدته آنذاك في الـ 10 من أيار/ مايو "تعرضت إسرائيل اليوم، في "يوم أورشليم" (القدس) لهجوم من صواريخ أطلقتها حماس في غزة. يعيش الإسرائيليون تحت تهديد الإرهاب والحرب المستمرة، ولا تزال علاقة مدينة نيويورك بإسرائيل غير قابلة للكسر. أقف كتفاً إلى كتف مع الشعب الإسرائيلي في وقت الأزمة هذا".

لا شك أن فوز أدامز المنحدر من عائلة فقيرة وعانى من صعوبات وعسر في التعلم، كما تعرض للتوقيف وعنصرية الشرطة بسبب بشرته وانحداره من أصول أفريقية ذات أهمية كبيرة. ركز أدامز خلال حملته الانتخابية على ذلك كثيراً وسوق نفسه كدليل على نجاح "الحلم الأميركي". لكن الكثيرين يدركون اليوم أن "الحلم الأميركي" بعيد المنال لأغلبية الفقراء في الولايات المتحدة. وسيتقلد أدامز منصبه في أوقات عسيرة ومن المتوقع أن تكون مهمته الصعبة أصلاً أكثر تعقيداً.