عقد على بدء تمدد الوحدات الكردية بسورية: تجربة مهددة

عقد على بدء تمدد الوحدات الكردية بسورية: تجربة مهددة

20 يوليو 2022
لا تحظى الوحدات برضا كل الشعب الكردي (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

قبل عقد من الزمن، ظهرت "وحدات حماية الشعب" الكردية إلى العلن بعد تسلّمها من النظام السوري مناطق يشكّل الأكراد غالبية سكانها، في شمال وشمال شرقي سورية، بهدف "ضبط الشارع" في هذه المناطق التي كانت منخرطة في الحراك الثوري. غير أن هذه الوحدات القتالية التي شكلها حزب الاتحاد الديمقراطي، توسعت لاحقاً، لتسيطر على نحو ثلث مساحة سورية.

وفي 19 يوليو/تموز من عام 2012، ظهرت "وحدات حماية الشعب" للعلن مع دخولها مدينة عين العرب (كوباني)، في ريف حلب الشمالي الشرقي، ثم سيطرتها على كل البلدات ذات الغالبية الكردية بدءاً من عفرين غرباً، إلى القامشلي وعامودا والمالكية (ديريك) شرقاً.

وانسحبت قوات النظام من هذه المناطق التي تسلمتها الوحدات الكردية بهدف "ضبط الشارع الكردي الذي كان منخرطاً في الثورة ضد النظام، وكي تكون خنجراً في خاصرة تركيا"، وفق ما نقل رئيس مجلس الوزراء المنشق رياض حجاب عن رئيس النظام بشار الأسد أثناء اجتماع في منتصف عام 2012 لأعضاء القيادة القطرية في حزب البعث الحاكم في سورية.

وفي بيان أصدرته القيادة العامة لوحدات حماية الشعب أمس، في ما قالت إنها "الذكرى السنوية العاشرة لثورة 19 تموز"، اعتبرت أن "الثورة وصلت إلى ما هو أبعد من التوقعات، وحققت خلال أعوامها الأولى الطابع الأممي وكسبته". لكنها لفتت إلى أن "هناك مشاكل تحتاج للحل"، مضيفة أن "منجزاتنا أصبحت هدفاً للدولة التركية المحتلة والقوى التي لا تريد بناء حياة سلمية مستقرة في منطقتنا منذ بداية ثورتنا".

"الإدارة الذاتية" لتثبيت الوجود

وكانت هذه الوحدات، ولتثبيت أقدامها في المشهد الكردي السوري، قد ارتكبت أواخر يونيو/حزيران 2013 مجزرة بحق متظاهرين في بلدة عامودا في ريف الحسكة أقصى الشمال الشرقي من سورية طالبوا بإطلاق سراح معتقلين، لتقوم الوحدات بإطلاق النار عليهم ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات. واعترفت عام 2020 بارتكاب المجزرة واعتبرت ما جرى "خطأ كبيراً وفاجعة تسببت بضرر كبير لأهلنا"، وفق بيان.

ارتكبت الوحدات الكردية مجزرة عام 2013 في عامودا أدت لسقوط عشرات القتلى والجرحى

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2013 أُعلن عن تأسيس "الإدارة الذاتية" للإشراف الإداري والخدمي على المناطق التي وقعت تحت سيطرة الوحدات الكردية، والتي امتدت لتشمل أحياء داخل مدينة حلب يقطنها أكراد.

وواجهت الوحدات الكردية عام 2014 التحدي الأول الذي هدد وجودها، وهو تنظيم "داعش"، الذي شن هجوماً في ذاك العام على معقل الوحدات الأهم وهو مدينة عين العرب، إلا أنه لم يستطع السيطرة عليها بسبب القصف الجوي من طيران التحالف الدولي.

كما هاجم التنظيم خلال العام 2015 محافظة الحسكة السورية التي تضم العدد الأكبر من أكراد سورية، وكاد أن يستولي على العديد من بلداتها، وهو ما دفع التحالف الدولي إلى تأسيس "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) من تحالف فصائل عدة، أبرزها الوحدات الكردية، التي تولت قيادة وتوجيه هذه القوات، التي باتت الذراع البرية للتحالف لمواجهة "داعش".

وخاضت هذه القوات حرباً طويلة الأمد استمرت سنوات ضد التنظيم، فطردته من منطقة شرقي الفرات ومنبج غربي الفرات، وباتت تسيطر على مساحة تعادل ثلث مساحة سورية. ويُنظر إلى "شرقي الفرات"، التي يشكل العرب غالبية سكانها، على أنها "سورية المفيدة"، كونها تضم ثروات البلاد خصوصاً الزراعية والنفطية.

ورأى المحلل السياسي الكردي فريد سعدون، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الإدارة الذاتية "حققت شيئاً ما"، مضيفاً: "هناك استقرار ونسبة أمان جيدة في شمال شرقي البلاد بعكس مناطق أخرى". ولفت إلى أن "جسور التواصل الاجتماعي بين مكونات المنطقة ما تزال موجودة، كما أن الرواتب التي تعطيها الإدارة الذاتية أعلى بكثير من بقية المناطق السورية وهذا ينعش المنطقة اقتصادياً".

غير أن سعدون رأى أن الإدارة "لم تحقق سياسياً ما هو مطلوب منها"، مضيفاً: "كان يجب أن تؤسس لحكومة محلية تشاركية. حزب الاتحاد الديمقراطي هو الآمر الناهي في الحكومة الراهنة والمجالس المحلية".

وتحوّلت هذه القوات التي تتلقى دعماً كبيراً من الولايات المتحدة إلى سلطة أمر واقع في شمال شرقي سورية، لها قوانينها الخاصة، ما جعل منها رقماً مهماً في معادلة الصراع.

هدف مستمر للجيش التركي

غير أن الوحدات الكردية واجهت تحديين كادا يعصفان بها، من قبل الجيش التركي، الأول مطلع عام 2018 حيث طردها هذا الجيش من منطقة عفرين الكردية شمال غربي حلب، والثاني أواخر عام 2019 حين سيطر على شريط حدودي داخل الأراضي السورية شرقي نهر الفرات بطول 100 كيلومتر، وبعمق 33 كيلومتراً.

يلوّح الجيش التركي بشن عملية ثالثة ضد الوحدات الكردية التي تعتبرها أنقرة نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني

وتواجه قوات "قسد" هذه الأيام تحدياً ثالثاً، فالجيش التركي يلوّح بشن عملية ثالثة ضد هذه القوات التي تعتبرها أنقرة نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني "تسعى إلى إقامة إقليم يحمل صبغة كردية في شمال شرقي سورية"، وهو ما يعد خطاً أحمر لا يسمح الأتراك بتجاوزه. وهي النظرة نفسها من المعارضة السورية إلى هذه القوات التي كانت خاضت عبر "الإدارة الذاتية" و"مجلس سورية الديمقراطية" (الذراع السياسية لقسد) جولات حوار مع النظام السوري، بيد أنها فشلت على الرغم من الرعاية الروسية لها.

ويُنظر إلى "الاتحاد الديمقراطي" على أنه امتداد لحزب العمال الكردستاني، والمصنف لدى العديد من دول العالم في خانة التنظيمات الإرهابية، والذي يرتبط معه بعلاقات تُوصف بـ "المميزة" منذ تأسيسه في تركيا في ثمانينيات القرن الماضي.

وتطالب "قسد" بأن تكون ضمن المنظومة العسكرية والأمنية للنظام، شرط المحافظة عليها كجسم عسكري مستقل، وتطالبه بالاعتراف بـ"الإدارة الذاتية"، إلا أن النظام يرفض ويعوّل على التهديد التركي للحصول على تنازلات من "قسد" تسمح له بالعودة مرة أخرى إلى شرقي الفرات.

انقسام في الشارع الكردي السوري

ولا تحظى الوحدات الكردية برضا كامل الشارع الكردي السوري المنقسم اليوم سياسياً إلى العديد من الأحزاب والمجالس والروابط، خصوصاً أن حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يتخذ من الوحدات الكردية ذراعاً عسكرية وأمنية ضاربة، يحتكر القرار الكردي في سورية بالقوة.

وفشلت كل المحاولات التي بذلتها واشنطن لردم الهوة بين هذا الحزب ومن معه من أحزاب في "الإدارة الذاتية"، وبين المجلس الوطني الكردي الذي يحظى بتأييد قطاع واسع من الشارع الكردي.

ورأى الناشط السياسي المقرب من "الإدارة الذاتية" إبراهيم مسلم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "وحدات حماية الشعب منظّمة بشكل جيد واستقطبت كل مكونات الشعب السوري". وتابع: "شكلت قوات سورية الديمقراطية كي تُبعد عنها تهمة التبعية لحزب العمال الكردستاني، إلا أنها لم تنجح في ذلك لأن الكثير من مكونات هذه القوات ما تزال ترفع صورا وأعلاما تشير إلى هذا الحزب".

وتابع: "كان للوحدات الكردية الدور الرئيسي على الأرض في هزيمة تنظيم "داعش" في كوباني (عين العرب) قبل تأسيس قوات قسد". ورأى أن للوحدات الكردية حضوراً في الشارع السوري الكردي "كونه قدّم شهداء في صفوفها"، مضيفاً: "هناك مؤيدون للوحدات من أنصار المجلس الوطني الكردي على الرغم من معارضتهم لحزب الاتحاد الديمقراطي".

وفي المقابل، رأى رديف مصطفى، وهو نائب رئيس "رابطة الكرد السوريين المستقلين"، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "حزب العمال الكردستاني وأذرعه السياسية والعسكرية في سورية نجح خلال السنوات العشر الماضية، وبالشراكة مع النظام وبدعم من نظام ولاية الفقيه في إيران والروس، في تحييد الغالبية العظمى من السوريين الأكراد من الثورة، ما أسهم في إطالة عمر النظام".

مصطفى: القائمون على تجربة الإدارة الذاتية يعلمون أنها مؤقتة منذ البداية، لذا لم يقوموا ببناء نموذج قريب للحكم الرشيد

وأشار مصطفى إلى أن القائمين على تجربة الإدارة الذاتية "يعلمون أنها مؤقتة منذ البداية، لذا لم يقوموا ببناء نموذج قريب للحكم الرشيد، بل ركزوا على نهب خيرات المنطقة"، مضيفاً: "على الرغم من الموارد والدعم الهائل الذي تلقوه بعيد التدخّل الغربي لمحاربة داعش، إلا أن مناطق الإدارة الذاتية تعاني من الفقر وسوء الأوضاع المعيشية والخدمية".

وتابع: "هناك أيضاً سوء في الأوضاع التعليمية والتنموية، فضلاً عن السجل السيئ لحقوق الإنسان. هناك فشل سياسي مطلق لتجربة الإدارة على الصعد المحلية والإقليمية والدولية، وربما نتحدث عن فشل عسكري في ظل العمليات العسكرية الحدودية المتتالية".

ورأى مصطفى أن تجربة الإدارة الذاتية "أساءت للأكراد السوريين وسبّبت لهم الكثير من الألم والضحايا، وساهمت في تهجير أعداد كبيرة منهم، خصوصاً من فئة الشباب، كما أنها أساءت إلى العلاقة بين أطياف الشعب السوري وبشكل خاص العلاقة بين الأكراد والعرب". وأضاف: "المناطق التي تقع تحت سيطرة قوات "قسد" اليوم كان النظام قد سلّمها بشكل جزئي أو كلي لأهداف وغايات سياسية وأمنية وعسكرية وسيستعيدها حين يأتي الوقت المناسب له".

المساهمون