طارق أحمد لـ"العربي الجديد": المستوطنات تشكل عائقاً أمام السلام

اللورد طارق أحمد لـ"العربي الجديد": المستوطنات تشكل عائقاً أمام السلام

07 أكتوبر 2023
أحمد: هناك الكثير من الصراعات والألم حول العالم (Getty)
+ الخط -

ترفض "طالبان" الاعتراف بأكثر من خمسين في المائة من الشعب

نحتاج إلى مزيد من الممرات الإنسانية في سورية

في مقابلة مع "العربي الجديد" على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك تحدث اللورد طارق أحمد، وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا والأمم المتحدة في وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية، الممثل الخاص لرئيس الوزراء البريطاني لمنع العنف الجنسي في النزاعات، عن عدد من القضايا المتعلّقة بفلسطين ومصر وأفغانستان والمساعدات الإنسانية لسورية.

*يشهد الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس تصعيداً قوياً، بما في ذلك مقتل أكثر من 150 مدنياً فلسطينياً منذ بداية السنة على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، والتوسع الاستيطاني وغيرها... كنتم في زيارة هناك بداية العام الحالي، وكانت أول زيارة رسمية لكم. ما هي انطباعاتكم، وتعليقاتكم؟
ترتبط المملكة المتحدة بصداقة طويلة الأمد مع إسرائيل والفلسطينيين. وأقول دائماً إن لدينا مسؤولية تاريخية، ويحضرني أحد وزرائنا السابقين الذي لفت الانتباه إلى وعد بلفور، وكان يقول إن هناك عنصرين له، أحدهما وطن للجالية اليهودية، لكنه يعترف كذلك بوطن للفلسطينيين. وما زالت لدينا مسؤولية في هذا الصدد ونعترف بها.
وخلال زيارتي، التي صادفت بعد تولي حكومة بنيامين نتنياهو لمهامها، التقيت بساسة إسرائيليين وبالقيادة الفلسطينية في رام الله. كما زرت مناطق مختلفة من الضفة الغربية للوقوف على التحديات بنفسي، بما فيها إحدى المدارس في قلب مدينة الخليل، ورأيت بعيني التحديات الحادة التي يواجهها طلاب المدرسة الفلسطينيون بخصوص أمور أساسية، كالوصول إلى المدارس. وذهبت إلى الجامع وصلّيت هناك... موقفنا واضح، وقلنا إن المستوطنات تشكل عائقاً أمام السلام، ونرى تمددها، ونريد التأكد من وجود إجراءات دولية، تتخذ على أرض الواقع وليس على الورق فقط، لتحقيق حل دولتين قابل للديمومة.

طارق أحمد: ما يحدث في أوكرانيا يضعف بشكل واضح المعايير والأعراف الدولية

تطرقت في سؤالك إلى قضية العنف. إذا نظرنا إلى عدد الضحايا والوفيات فإن الأرقام على الجانب الفلسطيني قياسية، ولكن بالمثل، رأينا شيئاً مشابهاً على الجانب الإسرائيلي من حيث وقوع ضحايا، ولكن أقل منه فيما يخص الأعداد الفعلية. نرى وقوع الكثير من الضحايا وهذا مأساوي، ولكل ضحية هناك عائلة تتأثر بتبعات خسارة هذه الحيوات، سواء كانت عائلات فلسطينية أو إسرائيلية، لذلك علينا التأكد من أننا الآن نبذل كل ما في وسعنا لضمان وجود مسار حقيقي للمفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين. والمملكة المتحدة ما زالت عند موقفها المبدئي بأننا بحاجة إلى حل الدولتين، مع القدس كعاصمة مشتركة لكليهما. يتطلب تحقيق ذلك مفاوضات صعبة.
ونرحب بما رأيناه أخيراً مع بعض دول الخليج من تطورات و"اتفاقات أبراهام". ولكن يجب علينا الآن أن ننتقل إلى ما يعنيه الفصلان الثاني والثالث، هناك الكثير من التكهنات حول التطبيع مع السعودية. ونحن نرحب بمزيد من التطبيع الذي نراه بين إسرائيل والدول العربية والعالم الإسلامي، ولكن في الوقت نفسه، يجب علينا التأكد من معالجة السؤال الكبير، وهو مستقبل الدولة الفلسطينية، بشكل كامل ومباشر. وآمل أن نتمكن الآن، على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، من المضي قدماً مع رغبة حقيقية في تحقيق ذلك، لأن الكثير من الأرواح أزهقت حتى الآن. فما يحدث هناك يؤثر على بقية المنطقة.

* ولكن أنتم لا تضغطون بما يكفي على الجانب الإسرائيلي، باعتباره القوة القائمة بالاحتلال لكي يتوقف عن خروقاته لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها والقانون الدولي، بما فيه بناء المستوطنات وغيرها. وإذا رأينا طريقة تعاملكم مع الموضوع كدول غربية، وهذا يشمل المملكة المتحدة، وتعاملكم مع الاجتياح والاحتلال الروسي لأجزاء من أوكرانيا، فإنكم تكيلون بمكيالين. ما ردكم؟
لا يوجد أي حديث بين وزير إسرائيلي وآخر بريطاني من دون أن نركز فيه على التحديات المستمرة وقضية الفلسطينيين. وقلنا بشكل واضح للإسرائيليين إن المستوطنات تشكل عائقاً (أمام السلام)، وإنه لا يمكن الاستمرار بتقليص وحصر الفلسطينيين بشكل متزايد في مناطق محدودة للغاية. لقد مرت ثلاثة عقود منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو، ولم نكن الوحيدين الذين رأينا فيها فكرة عظيمة. ونذكر أصدقاءنا الإسرائيليين باستمرار، أنهم وقّعوا على هذه الالتزامات... ومن الواضح أنه لم يتم الوفاء بهذه الالتزامات.
تحدثت عن المقارنات (مع أوكرانيا)، وإذا نظرنا حولنا في العالم نرى أرقامل قياسية من الصراعات، ولا يوجد حل واحد يناسب الجميع... وما تعلمته في منصبي، ومن تجربتي، أنه علينا أن نبقي قنوات الحوار دائماً مفتوحة. ونحن، المملكة المتحدة، نقف على أهبة الاستعداد وننخرط (مع الأطراف).
ودبلوماسيتنا، في بعض الأحيان متكتمة، وهذا هو المطلوب الآن، لكنه يحتاج في نهاية المطاف إلى رغبة من جانب الإسرائيليين والفلسطينيين لكي يتم تحقيق ذلك. وأنا مقتنع كليّاً أنه من الضروري أن يحدث (هذا الأمر) بأسرع وقت ممكن، ولا أريد أن تتحدث الأجيال القادمة، بعد 30 سنة من الآن، عن هذه المسألة كما نتحدث الآن. نحن مطالبون (بحل المسألة) للإسرائيليين والفلسطينيين والمنطقة برمتها. هناك الكثير من الصراعات والألم حول العالم، ونحن نجلس هنا في الأمم المتحدة. ما هو الغرض من هذه المنظمة؟ أولاً الحيلولة دون وقوع الصراعات، ولكن إن وقعت، نحتاج حقاً إلى بذل كل ما في وسعنا لإنهاء تلك الصراعات وبناء السلام المستدام.

* في سياق الحديث عن الصراعات، الوضع الإنساني والاقتصادي في أفغانستان صعب للغاية. بما في ذلك حقوق المرأة وحقوق أساسية كالتعليم. ما هو المخرج، وكيف يمكن التوفيق بين التعامل مع "طالبان" والحفاظ على حقوق أساسية للأفغان، والنساء خاصة، للحيلولة دون انهيار تام للبلاد في ظل الحاجة الماسة اقتصادياً وإنسانياً؟
جزء من المأساة التي حدثت خلال الانسحاب هو أنه أصبح واضحاً أن "طالبان" ظلت قوية جداً. والمأساة الأخرى التي تكشفت بعد ذلك بسرعة كبيرة، هي عدم قدرة (الجيش الأفغاني) على الصمود والتصدي، بالرغم من التدريب والدعم الذي قدمناه. وعندما قرر الرئيس (الأفغاني السابق) أشرف غني المغادرة، وإذا غادر شخص ما على رأس منظومة ما، فمن الصعب أن تستمر بناها بالعمل. والكثير من الأفغان تساءلوا ما جدوى بقاء الوزير، أو حارس الأمن أو الشرطي (إذا غادر رأس المنظومة)، وبالتالي ما رأيناه مأساة حقيقية تتكشف أمام أعيننا... وندرك مسؤوليتنا، وأعطينا الأولوية لهؤلاء الذين عملوا مع المملكة. ووصل الكثيرون إلى المملكة والولايات المتحدة إلخ...، ولكن هذا ليس حلاً، لا يمكن نقل 30 مليون شخص إلى بلد آخر.
ولهذا من الضروري تقديم الدعم الإنساني، وكانت هناك إشارات (بعد الانسحاب) أنه ستكون هناك مجاعة في أفغانستان، ناهيك عن الشتاء القاسي، وقدّمنا على مدار عامين دعماً مباشراً بقيمة أكثر من نصف مليار جنيه إسترليني، للمساعدات الإنسانية. كما نعمل مع برنامج الغذاء العالمي، ومع وكالات محلية على الأرض، لن أذكرها بالاسم لأسباب عديدة. والتقيت بقيادات دولية وأفغانية، ومنها قيادات نسائية تعيش في المملكة أو داخل أفغانستان، من أجل التأكد أننا لا نفقد الأمل لهؤلاء الذين كانوا يقودون أفغانستان لتكون بلداً يعترف بحقوق الجميع.

طارق أحمد: عند الحديث عن سورية، فإن القصد هو خلق سورية تعكس القوة والانفتاح والتقدم لجميع مواطنيها

وفي الوقت ذاته نعمل على التأكد من أن تتحمل "طالبان" مسؤوليتها. وعلى هامش أعمال الجمعية العامة في نيويورك، التقيت بالأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي (حسين إبراهيم طه)، وكشخص مسلم أتساءل لماذا نسمح لـ"طالبان" بالسيطرة على الرواية. كانت كلمة "مدرسة" تعني في الماضي مكاناً لتلقي العلم، اليوم ينظر إليها في عيون الغرب على أنها مدرسة للتطرف. لماذا لم يعد الجهاد سموّ الروح وأصبح يعني "الحرب المقدسة؟ ماذا عن جهاد القلم؟ ومن أين يأتي (قادة) "طالبان" بهذا الإسلام؟ أول من آمن برسالة الرسول امرأة، وهي السيدة خديجة. وكان الرسول يعمل لديها، بل هي التي خطبته. وأول وحي نزل على النبي محمد كان كلمة "اقرأ". لم يقل اقرأ فقط للرجال والصبيان. ويقولون امنحونا الوقت إلى آخره، وقدمنا مساعدات إنسانية، ولكن كلما مر وقت أطول ترفض فيه "طالبان" الاعتراف بأكثر من خمسين في المائة من شعبهم، أي النساء والفتيات والأقليات، فإن ما يحدث في المستقبل سيعكس أولوياتهم هم.

* لم يجدد مجلس الأمن الدولي لآلية المساعدات العابرة للحدود للشمال الغربي السوري عبر باب الهوى في يوليو/تموز الماضي بسبب فيتو روسي. في العادة كانت روسيا تعود لطاولة المفاوضات، ويتم التجديد لاحقاً. ولكن هذه المرة لم يحدث هذا وتم ترك قضية الآلية للمفاوضات بين الأمم المتحدة والنظام السوري. هل تعتقدون أنكم أسأتم التقدير في المفاوضات وكان من الممكن القبول بستة أشهر عرضتها روسيا بدلاً من إعادة الأمر بشكل كامل لسيطرة النظام؟ وهل ستحاولون العودة للآلية عبر مجلس الأمن مجدداً؟
الأمر متعدد الأوجه، وما حدث في سورية مأساوي، وأقول هذا لأنه لو سألت أي لاجئ سوري موجود حالياً في لبنان أو الأردن أو تركيا وغيرها، فسيعبر عن رغبته بالعودة لدياره. كان بشار الأسد مسؤولاً عن العديد من الجرائم، عندما انقلب ضد شعبه. ما تلى ذلك كان استهداف نظامه بشكل مباشر، وظهور تنظيمات متطرفة، مثل "داعش" من العراق إلى سورية. نحتاج إلى المزيد من الممرات الإنسانية. عندما تم التفاوض على الأمر في مجلس الأمن قلت بوضوح إننا بحاجة إلى ممارسة أقصى قدر من الضغط لضمان إمكانية فتح أكبر عدد ممكن من الممرات، وليس واحداً فقط.
أنا فخور بأننا على الرغم من الزلازل التي ضربت تركيا وسورية، أكنا قادرين على تقديم الدعم لأصدقائنا الأتراك، ولكن أيضاً باستخدام طرق مختلفة لضمان فتح الممرات ودعم الأشخاص الأكثر احتياجاً (في شمال غرب وشرق سورية). لذا فإن الإجابة المختصرة هي أنني أعتقد أنه يجب أن يكون هناك نهج أممي (عن طريق الأمم المتحدة ومجلس الأمن للتجديد للآلية). لم نسئ تقدير الروس، وروسيا من الدول الخمس دائمة (العضوية في مجلس الأمن الدولي). لم نتطرق للوضع في أوكرانيا في هذه المقابلة، لكن ما يحدث في أوكرانيا يضعف بشكل واضح المعايير والأعراف الدولية. ونحن بحاجة إلى أن تدرك روسيا فعلياً أنها يمكن أن تكون شريكاً في السلام وإنهاء الصراع. وأول ما يمكنهم فعله هو إنهاء الصراع في أوكرانيا. ومن ثم يمكننا أن نتحدث بجدية. عند الحديث عن سورية، فإن القصد هو خلق سورية تعكس القوة والانفتاح والتقدم لجميع مواطنيها.

* مصر هي واحدة من حلفائكم في المنطقة. ولكن خروقات حقوق الإنسان كثيرة وزُج بالكثير من المصريين والنشطاء بالسجون، بعضهم يحمل جنسية بريطانية كذلك. ما تعليقكم على خروقات حقوق الإنسان هناك؟ وهل تثيرون هذا الموضوع مع الجانب المصري؟
على غرار ما قلته سابقاً حول القضية الفلسطينية، أؤكد للمعتقلين في مصر أن قضية حقوق الإنسان هي جزء منتظم من خطابنا. أنا وزير حقوق الإنسان في المملكة المتحدة، وأقول دائماً إن هذا هو الجزء الأكثر تحدياً في مهامي، ولكنه أيضاً مجزٍ أكثر من غيره. وبخصوص الحالات الفردية أؤكد لك أنني أجتمع بشكل منتظم مع أفراد العائلات، للتأكد من أننا نفهم أي تقدم تم إحرازه وبشكل مباشر، ولإبلاغهم حول بعض الاتصالات المباشرة والحساسة التي نجريها مع السلطات المصرية، ونوضح تماماً أن هذه القضايا بحاجة إلى حل.
لقد تحركت مصر في بعض النواحي. عندما أنظر إلى حقوق الإنسان، أقول إنه يجب علينا النظر إلى الحقبة (التاريخية). لقد واجهنا تحديات في المملكة المتحدة فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحقوق المرأة، فقبل 100 عام لم يكن بإمكان النساء التصويت وكان عليهن خوض معارك مؤلمة للحصول على ذلك. يمكنك إضافة قضية حرية الأديان، هناك بعض التقدم الذي أحرز. عندما زرت مصر، على سبيل المثال، رأيت حوالي 13 كنيساً يهودياً في القاهرة. بالنسبة لي، هذا هو نصف الكوب الممتلئ، بأن صمود الشعب المصري نفسه، هو اعترافهم بأن حماية تلك المعابد اليهودية جزء من تراثهم. لذلك أعتقد أن هناك قوة حقيقية في البنية التحتية لشعوبنا، ومصر ليست استثناءً. ولكنني أؤكد لك أن لدي علاقات قوية جداً مع مصر، وأكن احتراماً كبيراً لوزير خارجية مصر (سامح شكري)، ونحن نناقش هذه القضايا بانتظام مع ممثلهم في لندن، وكذلك نطرحها مباشرة في القاهرة أو من خلال محادثاتنا الثنائية المباشرة أيضاً.

سيرة اللورد طارق أحمد
ولد اللورد طارق أحمد عام 1968 في لندن لوالدين هاجرا من باكستان إلى المملكة المتحدة. تلقى تعليمه في مدرسة روتليش وجامعة لندن ساوث بانك بالإضافة إلى المعهد القانوني للخدمات المالية. عمل لأكثر من عشرين عاما في المجال المصرفي وتقلد هناك مناصب رفيعة المستوى قبل الانتقال للعمل السياسي والدبلوماسي.

يشغل اللورد طارق أحمد منصبه الحالي كوزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا والأمم المتحدة في وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية كما الممثل الخاص لرئيس الوزراء البريطاني لمنع العنف الجنسي في النزاعات منذ عام 2022. وشغل العديد من المناصب الإضافية رفيعة المستوى، بما فيها ما بين 2020 و2022 إذ شغل منصب وزير لجنوب ووسط آسيا وشمال أفريقيا والأمم المتحدة والكومنولث. عين لأول مرة ممثلاً خاصاً لمنع العنف الجنسي في حالات النزاع ووزير دولة للكومنولث والأمم المتحدة في يونيو 2017. كما شغل منصب المبعوث الخاص لرئيس الوزراء البريطاني لحرية الدين والمعتقد (2018- 2019) ، ووزير الطيران والتجارة في وزارة النقل (2016- 2017).