طوت الأمم المتحدة في أدراج أرشيفها، نتائج تحقيق فريق خبرائها في قضية شراء أصوات بعض أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي من أجل "التصويت لمرشح معين لمنصب رئيس الوزراء"، بعد أن أعلن الفريق أنه "لا يعتزم التوقف أكثر عند هذه المسألة"، وتضمين النتيجة في ملحق سري، من دون شرح أسباب التكتم على نتائج التحقيق، لتبقى عاصفة التكهنات تضرب بمصداقية العملية السياسية التي أنتجت أول سلطة موحدة لليبيا بعد سنوات من الانقسام والاحتراب.
لكن مقابل فضيحة شراء الأصوات، لا ينتبه الكثير من المراقبين لعملية أخرى تتجه إلى شراء من نوع آخر، وهو شراء "الصمت". وعلى الرغم من أن تسريبات وكالة الأنباء الفرنسية أشارت إلى أنه عرض اثنان من المشاركين "رشى تتراوح بين 150 ألف دولار و 200 ألف دولار لثلاثة أعضاء على الأقل في منتدى الحوار السياسي الليبي، إذا التزموا بالتصويت لعبد الحميد دبيبة كرئيس للوزراء"، والذي طالب بضرورة نشر كامل التحقيق لتبرئة ساحته، إلا أن تكهنات أخرى تشير إلى ارتباط شراء الأصوات بقائمة منافسة تصدرها عقيلة صالح.
منذ أن اتفق النواب على عقد جلسة موحدة في مدينة سرت لتتمكن الحكومة من عرض تشكيلتها والحصول على ثقة مجلس النواب، غُيّبت الأصوات المنادية بأهم استحقاق يمكّن السلطة الجديدة من ممارسة مهماتها بدون تهديد أو عرقلة، ويتعلق بضرورة تضمين خريطة الطريق التي أنتجها ملتقى الحوار السياسي، في الإعلان الدستوري، والتي تحدد صلاحيات المجلس الرئاسي والحكومة الجديدين، بل وتعد أساساً لشرعيتهما.
وبطريقة لا تخفي السعي للالتفاف على هذا الاستحقاق، لا يزال صالح يستفيد من "الصمت" المطبق لدى الطبقة السياسية، سواء في مجلسي النواب والدولة، أو لدى قادة السلطة الجديدة أيضاً، مدعياً أن هذا الاستحقاق أحيل للجنة التشريعية التي ستعد قانوناً خاصاً بتضمينه في الإعلان الدستوري من عدمه "بعد دراسة الآثار المترتبة عليه"، وفق تصريح لصالح.
وعلى الرغم من مطالب عدد من أعضاء ملتقى الحوار السياسي والنواب بضرورة تضمين خريطة الطريق قبل منح الحكومة الثقة، لتتسلم مهماتها بشكل قانوني، إلا أن صالح قرر إحالة الأمر إلى اللجنة التشريعية في مجلس النواب، التي لا يُعرف أنها انتهت من أي مشروع أحيل إليها طيلة عمر مجلس النواب. ويهدف صالح للمماطلة وإبقاء المجلس في الواجهة السياسية، لأنه بمقتضى خريطة الطريق سيفقد المجلس أغلب صلاحياته. شراء "الصمت" بعد محاولات شراء "الأصوات"، وجهان لعملة واحدة تتداولها سوق الطبقة السياسية العتيدة المصرة على البقاء، بعد أن خبرت دهاليز المناورات السياسية.