زيارة رئيس إيران إلى الصين: أبعاد سياسية واقتصادية

زيارة رئيس إيران إلى الصين: أبعاد سياسية واقتصادية

14 فبراير 2023
وصل رئيسي الثلاثاء إلى بكين في زيارة رسمية تستغرق ثلاثة أيام (Getty)
+ الخط -

قال الرئيس الصيني شي جين بينغ، اليوم الثلاثاء، إن بلاده تدعم الجانب الإيراني في ما يتعلق بحماية حقوق إيران المشروعة، وتشجع على التوصل إلى حل سريع ومناسب للقضية النووية الإيرانية.

وأضاف شي للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الزائر "ستواصل الصين المشاركة البناءة في المفاوضات بشأن استئناف الاتفاق النووي الإيراني"، بحسب ما أوردت وكالة "رويترز".

ووصل رئيسي، اليوم الثلاثاء، إلى بكين في زيارة رسمية تستغرق ثلاثة أيام، لتعزيز التعاون بين البلدَين، وسط التوترات مع الغرب. 

وينتظر أن يوقع الجانبان، خلال زيارة رئيسي العديد من اتفاقيات التعاون في مجالات عدة، أهمها: الطاقة والأمن والبنية التحتية والاتصالات، وذلك لمواصلة تعميق وتوسيع الشراكة الاستراتيجية الشاملة.

وكانت الصين قد وقعت في عام 2021 اتفاقية استراتيجية واسعة النطاق لمدة 25 عاماً مع إيران، التي تفرض عليها الولايات المتحدة عقوبات قاسية تخنق اقتصادها.

ويجب أن تغطّي الشراكة الرئيسية مجالات متنوعة، مثل الطاقة والأمن والبنية التحتية والاتصالات. وكان الرئيسان قد التقيا للمرة الأولى في سبتمبر/ أيلول، خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي نُظمت في سمرقند في أوزباكستان. 

وتتهم الدول الغربية إيران بتقديم الدعم لروسيا في غزوها أوكرانيا الذي بدأ قبل حوالي عام، عبر تزويدها بطائرات بدون طيار مسلّحة، الأمر الذي تنفيه إيران.

ووصل إبراهيم رئيسي إلى بكين في ساعة مبكرة من صباح الثلاثاء، وفق صور التلفزيون الحكومي الإيراني التي ظهر فيها وهو ينزل من الطائرة.

وتأتي زيارة الرئيس الإيراني إلى الصين في الوقت الذي تشهد فيه إيران حركة احتجاجية اندلعت إثر وفاة الشابة مهسا أميني في 16 سبتمبر/ أيلول، بعد أيام على توقيفها من قبل شرطة الأخلاق لانتهاكها قواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية. 

"النفط والطاقة والنقل والزراعة والتجارة والاستثمار"

ودعا الرئيس الإيراني خلال هذه القمة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع بكين، خصوصاً في مجالات "النفط والطاقة والنقل والزراعة والتجارة والاستثمار".

من جهتها، تسعى بكين منذ وقت طويل إلى تعزيز علاقاتها مع طهران. وكان الرئيس شي جين بينغ قد وصف إيران بأنها "الشريك الرئيسي للصين في الشرق الأوسط"، خلال زيارة نادرة إلى البلاد في عام 2016.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وينبين للصحافة الإثنين إن بكين تريد "لعب دور بنّاء في تعزيز الوحدة والتعاون مع دول في الشرق الأوسط، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة"، بحسب ما أوردت وكالة "فرانس برس".

كذلك، سيلتقي إبراهيم رئيسي رجال أعمال صينيين ومواطنين إيرانيين يعيشون في الصين، وفقاً لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا". 

وتعدّ الصين أكبر شريك تجاري لإيران، كما كانت أحد أكبر مشتري النفط الإيراني، قبل أن يعيد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فرض العقوبات على طهران في عام 2018، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم عام 2015.

زيارة غير مسبوقة منذ عام 2000  

وكانت إيران والدول الكبرى قد بدأت محادثات في إبريل/ نيسان 2021 في فيينا، بهدف إحياء هذا الاتفاق الدولي الذي يضمن الطبيعة المدنية لبرنامج إيران النووي، في الوقت الذي تُتهم فيه طهران بالسعي إلى امتلاك سلاح نووي، الأمر الذي تنفيه. غير أن هذه المحادثات وصلت إلى طريق مسدود.

وبكين عضو في المجموعة الساعية إلى إعادة إحياء هذا الاتفاق بين طهران والدول الست الكبرى (الصين، روسيا، الولايات المتحدة، فرنسا، ألمانيا، المملكة المتحدة). 

ويرافق كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري، الرئيس إبراهيم رئيسي إلى الصين. كذلك، يرافق الرئيس الإيراني وزراء الخارجية والاقتصاد والمالية والنفط، وفقاً للتلفزيون الحكومي الإيراني. 

وتعتبر هذه أول زيارة لرئيس إيراني إلى الصين منذ عام 2018، وتأتي في وقت يواجه فيه البلدان تحديات وضغوط داخلية وخارجية.

وأفردت وسائل إعلام رسمية صينية مساحة كبيرة للحديث عن أهمية الزيارة وأبعادها السياسية والاقتصادية. وذكرت صحيفة غلوبال تايمز الحكومية، في افتتاحيتها يوم الثلاثاء، أن تعميق تعاون الصين مع إيران له ميزة مناهضة للهيمنة والبلطجة، خصوصاً أن الطرفين يتمسكان بسياسات خارجية مستقلة، ويدافعان بحزم عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية في المناسبات الدولية، ويحافظان على المصالح المشتركة للدول النامية، مما يساعد على تعزيز التعددية القطبية والتنمية المتنوعة والمتحررة في العالم.

خفض التوتر

في تعليقه على الزيارة، قال الخبير في الشؤون الدولية بمعهد شيامن للدراسات والأبحاث، لي وان تسي، لـ"العربي الجديد"، إن "الزيارة تأتي في وقت حساس لكلا البلدين، فالصين تواجه تحديات كبيرة بسبب توتر العلاقات مع الولايات المتحدة على جميع الصعد، التجارية والتكنولوجية والأمنية والعسكرية، ولعل آخر فصول التوتر أزمة المنطاد التي تسببت في إرجاء زيارة مقررة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى بكين".

وأضاف موضحاً "أما بالنسبة لإيران، فهي تعاني تحت وطأة العقوبات والضغوط الغربية، بسبب تعاملها الصارم مع الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد العام الماضي، فضلاً عن تعليق المحادثات النووية مع القوى العالمية".

واستدرك قائلاً "لكن في المقابل، شهدت أيضاً العلاقة بين بكين وطهران توتراً خلال الشهرين الماضيين، بسبب الإعلان المشترك الصادر عن قمة الرئيس الصيني وقادة دول الخليج في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والذي نص على أن تستخدم دولة الإمارات، المفاوضات لحل نزاعاتها الإقليمية مع إيران بشأن الجزر المتنازع عليها في مضيق هرمز، ما أثار الإحباط في طهران"، حسب قوله.

وأضاف أن "إيران استدعت بعد القمة سفير الصين لديها،  كما أعربت في اجتماع لاحق مع نائب رئيس مجلس الدولة الصيني خو تشون خوا، في طهران، عن استيائها من البيان المشترك".

وخلص إلى أن "الزيارة التي دعا لها الرئيس الصيني، تأتي لخفض التوتر وتنقية الأجواء، وتأكيد موقف بكين الداعم بقوة للجهود الإيرانية في الدفاع عن سيادة وسلامة أراضيها، إلى جانب تعزيز التعاون الثنائي، وتحصين الجبهة المناهضة لسياسات وإملاءات الولايات المتحدة".

مصالح اقتصادية

من جهتها، لفتت الخبيرة في المركز الصيني للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية بمدينة شانغهاي، لي كون، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الزيارة تكتسي بطابع اقتصادي بارز، بعيداً عن دلالاتها السياسية، موضحةً أن "الصين تخلت للتو عن ضوابضها الصارمة الخاصة بسياسة صفر كوفيد، والتي أثرت بصورة كبيرة في النمو الاقتصادي للبلاد على مدار الثلاث سنوات الماضية. كما أن تعليق المحادثات النووية، بدد الآمال بالنسبة للحكومة الإيرانية في تصدير المزيد من الغاز لإنعاش الاقتصاد المنهك بفعل العقوبات".

وأضافت "لذلك هناك مصالح مشتركة بين الجانبين لتعزيز العلاقات ودفع مسيرة التنمية". لافتة في الوقت ذاته إلى أن الصين هي أكبر شريك تجاري لإيران ومصدر مهم للاستثمار، كما أنها المشتري الرئيسي للنفط الإيراني.

وذكرت أنه في عام 2021، وقع الجانبان اتفاقية تعاون استراتيجي مدتها ربع قرن تغطي مجالات عدة، من بينها: صادرات النفط والبنية التحتية والتعدين والنقل والزراعة.

وأوضحت، في أعقاب توقيع الاتفاق واجهت طهران ضغوطاً شعبية، بسبب الاعتقاد العام بأن إيران لا تكسب من الصفقة بالقدر ذاته الذي يخدم المصالح الصينية، لذلك من المتوقع، حسب قولها، أن ينقل الرئيس الإيراني هذه المخاوف إلى نظيره الصيني، وقد نشهد إعادة هيكلة لبعض الاتفاقيات بما يخدم مصالح الطرفين، فضلاً عن توقيع اتفاقيات جديدة لم يعلن عنها بعد.

ولفتت إلى أن "التحدي الأكبر بالنسبة للجانب الصيني والذي يثير أيضاً مخاوف طهران، هو كيف يمكن للشركات الصينية أن تتجنب مخاطر الالتفاف على العقوبات الأميركية التي تقيد استخدام الدولار الأميركي في التعاملات التجارية مع الدولة الإسلامية".

وأشارت في هذا الاتجاه، إلى أن الرئيس إبراهيم رئيسي، قد يسعى إلى الحصول على دعم بكين في استخدام العملة الصينية (اليوان) في التبادلات التجارية، كخطوة التفافية على العقوبات الأميركية.

أيضاً توقعت أن يجري التوافق  بين الجانبين على خطة لوضع آليات عمل مشتركة لتنفيذ الاتفاق الاستراتيجي الموقع عام 2021، خصوصاً بعد فترة من القطيعة، بسبب أزمة الوباء وتداعياتها على اقتصاد البلدين.

وكان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، قد صرح بأنه سيوقع ما يصل إلى عشرين اتفاقية مع الصين خلال زيارته الأولى لبكين.

وقال عشية مغادرته إلى العاصمة الصينية، إن إيران تهدف أيضاً إلى دفع تنفيذ اتفاقية التعاون الاستراتيجي التاريخية التي مدتها 25 عاماً والتي وقعها البلدان قبل عامين.

وأضاف أنه من الضروري تكثيف الجهود لدفع التعاون قدماً في المجالات الاقتصادية والطاقة والمالية والنقدية. ولفت إلى أن إيران والصين تشتركان في المصالح في المنطقة، وعلى الصعيد العالمي، وينبغي أن يتفهم كل منهما الآخر بشكل أفضل، خاصة فيما يتعلق بالتبادلات التجارية والاقتصادية.