روسيا تستخدم الفيتو لعرقلة مشروع قرار يدين غزوها لأوكرانيا

مجلس الأمن يفشل في اعتماد مشروع قرار يدين الاجتياح الروسي لأوكرانيا

26 فبراير 2022
امتنعت الهند والإمارات والصين عن التصويت لمصلحة مشروع القرار (Getty)
+ الخط -

أفشلت روسيا تبني مجلس الأمن الدولي مشروع قرار أميركي يدين عدوانها العسكري على أوكرانيا. وحصل مشروع القرار على تأييد 11 دولة، فيما امتنعت الصين والهند والإمارات عن التصويت، وعارضته روسيا (فيتو). وأجرت الولايات المتحدة تغييرات مهمة على مسوَّدة المشروع في اللحظات الأخيرة، بعد أن أجّلت التصويت لساعتين (مرتين كل مرة لساعة إضافية) لتجنب فيتو صيني، في محاولة لحثّ كل من الإمارات والهند على عدم الامتناع عن التصويت، بحسب مصادر دبلوماسية غربية لـ "العربي الجديد" في نيويورك.

ولم يقدّم مشروع القرار تحت البند السابع، كما كان النص الأولي. كذلك  استُبدِلَت كلمة "إدانة" بـ"استهجان" في موضعين (الفقرتان الثانية والخامسة)، بحسب المسوَّدات التي اطلعت عليها مراسلة "العربي الجديد" في الأمم المتحدة في نيويورك. ولكن يبدو أن المجهودات الأميركية التي آتت ثمارها بدفع الصين إلى عدم استخدام الفيتو، لم تتمكن من تغيير موقف حليفتَي الولايات المتحدة، الإمارات والهند، بالتصويت لتأييد المشروع، على الرغم من تخفيف لغته.

الصيغة الأصلية للمشروع التي جاءت تحت الفصل السابع (الصيغة التي جرى التصويت عليها لا تذكر الفصل السابع) ووزعتها الولايات المتحدة على الدول الأعضاء نصّت على "إدانة" (أصبحت "استهجان") "العدوان الروسي الذي ينتهك سيادة أوكرانيا بأشد العبارات، كما يؤكّد مجلس الأمن على سيادة أوكرانيا واستقلالها ووحدة أراضيها وسلامتها، ويطلب من الاتحاد الروسي سحب قواته على الفور ودون قيد أو شرط".

ونص المشروع كذلك على أن المجلس "يدين" (أصبحت "يستهجن") "القرار الروسي في 21 فبراير/شباط المتعلّق بوضع مناطق معينة في دونيتسك ولوغانسك في أوكرانيا، كانتهاك لسلامة الأراضي الأوكرانية ووحدتها، بما يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة".

وينص مشروع القرار على أنّ "على روسيا التراجع عن قرارها المتعلق بوضع مناطق معينة في دونيتسك ولوغانسك". كذلك يدعو "الأطراف إلى التزام اتفاقيات مينسك والعمل بشكل بنّاء في الأطر الدولية ذات الصلة، بما في ذلك في النورماندي والتنسيق ومجموعة الاتصال الثلاثية، نحو التنفيذ الكامل لتلك الاتفاقيات"، ودعا المشروع أيضاً إلى "تسهيل تقديم المساعدة الإنسانية السريعة والآمنة دون عوائق إلى المحتاجين في أوكرانيا، وحماية المدنيين، بمن فيهم العاملون في المجال الإنساني"، ونص على الحث "على استمرار الجهود التي يبذلها الأمين العام للأمم المتحدة والدول الأعضاء والمنظمات الإنسانية للاستجابة للإجراءات الإنسانية وأزمة اللاجئين". كذلك "يؤيد دعوة الأمين العام للأمم المتحدة روسيا لوقف عدوانها على أوكرانيا".

ويحتاج أي قرار إلى تسعة أصوات لتبنيه إذا لم تستخدم أي من الدول دائمة العضوية الفيتو (روسيا والصين والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا). وبعد التصويت قالت المندوبة الأميركية إن بلادها تعمل على مسوَّدة مشابهة للتصويت عليها وعرضها للتصويت في الجمعية العامة تحت بند "متحدون من أجل السلام".

وفي مستهل الاجتماع (قبل التصويت) حثّت مندوبة الولايات المتحدة للأمم المتحدة في نيويورك، ليندا توماس غرينفيلد، الدول الأعضاء على التصويت لمصلحة القرار، وقالت: "اسمحوا لي بأن أقولها بصراحة، صوِّتوا بنعم إذا كنتم تؤمنون بإعلاء ميثاق الأمم المتحدة وتدعمون أوكرانيا، أو أي حق لدولة في السيادة والسلامة الإقليمية. صوِّتوا بنعم إذا كنتم تؤمنون بأن روسيا يجب أن تخضع للمحاسبة على إجراءاتها. وصوِّتوا بكلا أو امتنعوا إذا لم تقوموا بإعلاء الميثاق أو تضموا صوتكم إلى مَن يقوم بالعدوان أو تلك الإجراءات غير المبررة. كان أمام روسيا خيار، وأنتم أيضاً أمامكم خيار".

وبعد التصويت قالت السفيرة الأميركية: "دون مفاجأة، مارست روسيا حق النقض (الفيتو)، وذلك لحماية الحرب التي بدأتها بسابق إصرار وترصد ولم يكن لها من مبرر".

أما السفير الهندي، تي إس تيرومورتي، فعلّل امتناع بلاده عن التصويت قائلاً: "نشعر بانزعاج شديد إزاء تطور الأوضاع، وقلقون إزاء أوضاع الطلاب الهنود في أوكرانيا". وأضاف: "الحوار هو الرد الوحيد لتسوية الخلافات والنزاعات مهما كانت صعبة ومعقدة".

أما السفير الصيني، تسانغ يون، فعبّر عن دعم بلاده للاتحاد الروسي وأوكرانيا في سعيهما لتسوية الوضع من خلال التفاوض. وأضاف: "نحن الآن بصدد وضع بالغ التعقيد وحساس، ويجب على مجلس الأمن أن يرد... وكل الإجراءات يجب أن تفضي إلى نزع فتيل الأزمة... وإن لم نعالج الأمر بشكل ملائم وواصلنا الضغط وفرض الجزاءات، فقد يؤدي ذلك إلى سقوط ضحايا أكثر وخسارة أكبر، وزيادة تعقيد الوضع، وسنجد صعوبة في تجسير الخلافات، وقد يغلق ذلك الباب أمام أي حل سلمي".

وحول أوكرانيا قال السفير الصيني: "يجب أن تكون أوكرانيا جسراً ما بين الشرق والغرب، لا بؤرة للصدام ما بين القوى العظمة، ونحث جميع الأطراف المعنية على ممارسة ضبط النفس بأعلى درجاته ونزع فتيل التوتر وتجنب سقوط الضحايا من المدنيين".

أما سفيرة الإمارات، لانا نسيبة، فعللت امتناع بلادها عن التصويت بقولها: "دعت بلادي إلى التهدئة والحوار. وكانت لدينا آمال كبيرة (بنجاح) الكثير من المبادرات والقنوات السلمية لتسوية هذه الأزمة وتلك النداءات، أكدت قلقنا من تبعات هذه الأزمة على المدنيين في أوكرانيا". وأضافت: "بما أننا من الشرق الأوسط، فنحن على دراية واسعة بالأهمية القصوى للأجواء الإقليمية الهادئة والآمنة. والحوار والدبلوماسية هي الأساس لهذا الأمن". ولم تعطِ السفيرة الإماراتية، وبلادها حليفة للولايات المتحدة، تعليلاً واضحاً لماذا لم تصوت بتأييد المشروع وقررت الامتناع.

من جهته وصف السفير الروسي المشروع بأنه معادٍ لروسيا وأوكرانيا، وادعى أنه "يديم نظام سلطة وصلت بأوكرانيا إلى مأساة مستمرة منذ ثماني سنوات. ونشكر الذين لم يؤيدوا مشروع القرار هذا". ووصف المشروع بأنه غير متوازن. وقال إنه أغفل عدداً من الأمور من بينها "تلك التي تتعلق بكيفية سيطرة البعض على السلطة نتيجةً لانقلاب، وهذه الطبقة كانت قد شنّت حرباً على المقيمين في المناطق الشرقية في البلاد وتعرضوا للقصف". وتحدث السفير الروسي طويلاً عن موقف بلاده، وادعى حرق بعض المتظاهرين السلميين أحياء. وأدعى أن بلاده لا تقصف المدن الأوكرانية، وأنه لا يوجد قتلى من المدنيين. ثم ختم حديثه برده على اتهامات السفيرة الأميركية بأن بلاده قصفت حضانة، قائلاً: "في ما يتعلق بمزاعم قصف الحضانة، فهي مغلوطة. ويصعب علينا منافسة الولايات المتحدة في عدد الاجتياحات واستهداف الدول، وسأمتنع عن سرد أسماء كل العمليات العدائية التي شنتها الولايات المتحدة على مدى تاريخها. وأنتم لستم في موقع يسمح لكم بأن تعطونا دروساً في الأخلاق".

ثم طلب مندوب أوكرانيا الحديث، واستهل حديثه بالقول: "لن أرد على مندوب الاتحاد الروسي الذي حجز له مقعداً في جهنم". ثم شكر جميع الدول التي أيدت مشروع القرار بالاسم. وانتقد ترؤس روسيا للمجلس في الوقت الذي يُنظَر فيه بانتهاكاتها ضد بلاده. ثم توجه بطلب مباشر للدول الأعضاء في مجلس الأمن "بالصمت لدقيقة من أجل السلام وأرواح من قتلوا ومن أجل أرواح مَن قد يُقتَلون. وأدعو سعادة السفير الروسي إلى أن يصلي من أجل خلاصه". وجاء ذلك على عكس بروتوكولات عمل مجلس الأمن، حيث يجب أن تكون تلك الخطوات منسقة مع الرئيس، وهو الذي يطلبها. ثم قاطعه السفير الروسي قائلاً: "قبل أن نبدأ لحظة صمت، علينا كذلك أن نشمل مَن قُتلوا في دونيتسك في السنوات الأخيرة. هؤلاء أيضاً أرواح بشرية ويجب ألّا ننساهم".

ومن المتوقع أن تقدم الولايات المتحدة مسوَّدة مشروع للتصويت في الجمعية العامة مشابهة لتلك التي صُوِّت عليها اليوم، الأسبوع المقبل.

المساهمون