أصدر القضاء الروسي، اليوم الإثنين، حكماً بالسجن لمدة 25 عاماً بحق المعارض السياسي فلاديمير كارا-مورزا مع تنفيذ العقوبة في إصلاحية ذات نظام مشدد، بتهم "خيانة عظمى" و"نشر أخبار كاذبة" حول الجيش الروسي.
وعلاوة على ذلك، حكم القضاء بتغريم المعارض 400 ألف روبل (5 آلاف دولار تقريبا وفقا لسعر الصرف الحالي)، مع منعه من مزاولة العمل الصحافي لمدة سبع سنوات بعد الإفراج عنه. ونظرا لاحتوائها على مواد سرية، جرى النظر في القضية بنظام مغلق.
تنديد أميركي
ونددت واشنطن اليوم بما سمّتها "حملة قمع متصاعدة" في روسيا، عقب صدور هذا الحكم. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل في بيان، وفق "فرانس برس": "نجدد دعوتنا للإفراج عن كارا-مورزا، بالإضافة إلى إطلاق سراح 400 سجين سياسي في روسيا"، معتبراً أن الحكم له "دوافع سياسية".
من هو هذا المعارض الروسي؟
ويُعدّ هذا الحكم هو الأشد بحق المعارضين الروس، ويفوق حتى الحكم بحق المعارض الروسي الأبرز، مؤسس "صندوق مكافحة الفساد" أليكسي نافالني، الذي يقضي عقوبة السجن المشدد لمدة تسع سنوات.
وحتى صدور الحكم غير المسبوق بحقه اليوم الاثنين، لإدانته بعدة تهم، بما فيها "خيانة عظمى" ونشر "أخبارك كاذبة" حول الجيش الروسي، قطع كارا مورزا (41 عاماً)، وهو نجل الإعلامي المعارض الروسي فلاديمير كارا مورزا (الأب)، مسيرة سياسية حافلة تراوحت بين الترويج لعقوبات أميركية بحق من لهم ضلوع في انتهاكات حقوقية في روسيا، وصولاً إلى معارضته العلنية من الداخل الروسي للحرب على أوكرانيا منذ أيامها الأولى في بداية العام الماضي.
ويرجح عضو المجلس الإقليمي لحزب "يابلوكو" ("تفاحة") الليبرالي المعارض في موسكو أليكسي كرابوخين، أن يكون الحكم غير المسبوق الصادر بحق كارا مورزا انتقاماً على مساهمته في إدراج أسماء شخصيات بعينها على قوائم العقوبات الغربية، دون أن يستبعد احتمال استبداله كونه يحمل الجنسية البريطانية.
ويقول كرابوخين، في حديث لـ"العربي الجديد": "يذكّر الحكم غير المسبوق في قسوته، والصادر بحق كارا مورزا، بالأحكام في عهد الدكتاتور جوزيف ستالين، وأعتقد أنه يندرج ضمن الانتقام من كارا مورزا، بسبب مساهمته في إعداد قوائم العقوبات، بما فيها (قائمة ماغنيتسكي) التي شملت قاضيه، وهدمت أحلام المدرجة أسماؤهم عليها في ملاذ آمن في الغرب، في حال تغير الوضع في روسيا".
ومع ذلك، لا يستبعد احتمال مبادلة كارا مورزا الذي يحمل الجنسيتين الروسية والبريطانية، قائلاً: "لقد تمكنت روسيا من الإفراج عن سجينها الأهم في الولايات المتحدة، رجل الأعمال فيكتور بوت، ولكنها الآن تحتجز مراسل صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية وكارا مورزا، ربما لاستبدالهما بشخصيات روسية محتجزة في الخارج".
إلا أن كرابوخين يقرّ بأن هذا لن يحدث على وجه السرعة، مستشهداً في ذلك بواقعة مبادلة المخرج الأوكراني أوليغ سينتسوف، الصادر بحقه حكم بالسجن 20 عاماً بتهمة "الإرهاب" بعد مرور خمس سنوات على حبسه، ضمن عملية تبادل الأسرى مع أوكرانيا في عام 2019.
وفلاديمير كارا مورزا (الابن) هو صحافي تلفزيوني ومخرج وكاتب، ورئيس سابق لـ"صندوق بوريس نيمتسوف من أجل الحرية"، الذي يحمل اسم المعارض الروسي المغتال على بعد أمتار من الكرملين في عام 2015. وفي عامي 2015 و2016، شغل منصب نائب رئيس حزب "بارناس" الليبرالي المعارض.
وخلال الفترة من سبتمبر/أيلول 2019 وإلى فبراير/شباط 2022، قدّم برنامجين بإذاعتي "إيخور موسكفي" ("صدى موسكو")، ذات التوجهات الليبرالية والمغلقة حالياً، و"راديو سفوبودا" ("راديو الحرية")، الممولة أميركياً، وشارك في الحركة الديمقراطية "التضامن" والمجلس التنسيقي للمعارضة الروسية.
وعُرف كارا مورزا كأحد رواد الترويج للعقوبات الغربية ضد روسيا، بما فيها "قانون ماغنيتسكي" الذي تبنته واشنطن في عام 2012، وشمل عقوبات على مجموعة من الشخصيات الروسية ممن لهم ضلوع في الانتهاكات الحقوقية.
وكان طرف الادعاء العام الروسي قد طلب في وقت سابق من إبريل/نيسان الجاري، إصدار حكم بالسجن المشدد لمدة 25 عاماً بحق كارا مورزا الخاضع للحبس الاحتياطي منذ عام بتهم "خيانة عظمى"، ونشر "أخبار كاذبة" حول الجيش الروسي، وترؤس منظمة "غير مرغوب فيها".
ويُعدّ كارا مورزا من أشد معارضي الكرملين ممن بقوا في الداخل الروسي، وشكّل مع غيره من الشخصيات المعارضة "اللجنة الروسية لمناهضة الحرب"، التي طالبت المجتمع الدولي بتصنيف القيادة السياسية الروسية كـ"مجرمي حرب"، على أثر الحرب الروسية على أوكرانيا التي بدأت في 24 فبراير/شباط 2022.
ومنذ بدء الحرب المفتوحة، أصدر القضاء الروسي أحكاماً بالسجن لفترات طويلة بحق عدد من معارضيها، ولعلّ أشهرهم النائب المحلي السابق، السياسي المعارض إيليا ياشين، المحكوم عليه بالسجن لمدة ثماني سنوات ونصف السنة، بتهمة نشر أخبار كاذبة حول الجيش الروسي.