رسائل من وراء الامتناع عن الزيارة في السجون المصرية

رسائل من وراء الامتناع عن الزيارة في السجون المصرية

02 اغسطس 2022
يقضي علاء عبد الفتاح عقوبة بالسجن 5 سنوات (Getty)
+ الخط -

في فبراير/شباط الماضي، قرر السياسي المصري البارز ورئيس حزب مصر القوية والمرشح الرئاسي السابق، عبد المنعم أبو الفتوح، الامتناع عن الخروج للزيارات الرسمية في محبسه.

ولم يكن قرار أبو الفتوح يهدف إلى قطع الاتصال بأسرته والعالم الخارجي، بل لأنه كان له مطلب أساسي وجوهري من وراء هذا الأمر، وهو المطالبة بعودة الزيارة إلى وضعها الطبيعي، وليس من وراء حاجز زجاجي، لحاجته النفسية إلى القرب من أسرته وأحفاده خلال مدة الزيارة المحدودة.

اتخذ أبو الفتوح قرار الانقطاع عن الزيارة، بعدما أبلغ أسرته وطلب موافقتها، لإدراكه حقها في الاطمئنان عليه. وكانت الوسيلة الوحيدة للتواصل بينهما هي الخطابات.

امتناع إدارة السجن عن تحرير محاضر

وحتى مع امتناع إدارة السجن عن تحرير محضر إثبات امتناعه عن الزيارة بهدف محدد، استمر أبو الفتوح في تنفيذ قرار الامتناع عن الخروج للزيارات، حتى 23 مارس/آذار الماضي، عندما أصر بعد انتهاء مدة التريض المسموحة له يومياً (ساعة ونصف الساعة) ألا يعود للزنزانة إلا بعد لقاء مأمور السجن، أو من ينوب عنه، لعمل محضر امتناعه عن الزيارة بعد مطالبات كثيرة تم تجاهلها.


رامي حسنين: السجين يلجأ للامتناع عن الزيارة، لإيصال رسالة بأن أزمة كبرى حدثت بينه وبين إدارة السجن

حينها، انتهى إصراره على عدم دخول الزنزانة حتى موعد غلقها في الخامسة مساءً، بالاعتداء عليه بالقوة ودفعه لدخولها. وقد تعرّض لأزمة قلبية بسبب هذا الاعتداء.
وإمعاناً في عقاب أبو الفتوح، قطعت إدارة السجن الخطابات المرسلة إليه أو التي يكتبها لأسرته. فانقطعت أخباره تماماً، حتى قرر العدول عن قراره لطمأنة أسرته على صحته وحياته.

رسائل وراء الامتناع عن الزيارة

قرار الامتناع عن الزيارة، اتخذه أكثر من سجين سياسي خلال الفترة الماضية، من أجل إيصال رسالة محددة. منهم الناشط السياسي والمدون محمد إبراهيم محمد رضوان، الشهير بـ"أوكسجين"، الذي امتنع عن الزيارة بعد وفاة والدته وهو في السجن، في فبراير/شباط الماضي. وحينها كان هناك مخاوف جمة على صحته النفسية، خاصة أنه سبق وأن فكر في الانتحار داخل محبسه.

وقال السجين السياسي السابق رامي حسنين إن "السجين يلجأ إلى الامتناع عن الزيارة، لإيصال رسالة بأن أزمة كبرى حدثت بينه وبين إدارة السجن". وأضاف: "غالباً ما يلجأ السجين السياسي لهذا القرار إذا وقعت على أسرته إهانة أثناء التفتيش الذي يسبق الزيارة، أو قصر وقت الزيارة، أو عدم آدمية المعيشة داخل السجن أو تعرّضه لانتهاك ما". 

وتابع: "غالباً ما يكون هذا القرار إجراء جماعياً للضغط على إدارة السجن، وإيصال رسالة لأسرهم لتحرير محاضر وتلغرافات للنائب العام من أجل الاطمئنان عليهم".
وأوضح حسنين أنه "في أغلب الأحيان، يثمر قرار الامتناع عن الزيارة، عن اضطرار الإدارة للتفاوض مع السجين لتحقيق مطالبه أو حتى جزء منها". 

مطالب علاء عبد الفتاح

وعادت هذه القضية إلى الواجهة بعد إعلان إدارة سجن مركز الإصلاح والتأهيل في وادي النطرون أخيراً بأن الناشط السياسي البارز علاء عبد الفتاح يرفض الزيارة ويمتنع عنها.

وكانت والدة علاء توجهت، على مدار خمسة أيام متتالية، إلى سجن وادي النطرون لزيارة نجلها من دون أن تنجح في ذلك، وطالبت بسطر واحد مكتوب بخط يد علاء، يخطرها فيه أنه ممتنع عن الزيارة، فكانت الإجابة بالرفض في كل مرة، قبل أن تتمكن من زيارته أول من أمس، وذلك في وقت لجأت النيابة العامة المصرية أخيراً إلى إصدار بيان أعلنت فيه نتيجة التحقيق في الشكاوى المقدمة بشأن علاء عبد الفتاح.

وكتبت والدة علاء عبد الفتاح، ليلى سويف، على "فيسبوك" أمس، بعد زيارته أمس الأول في سجن وادي النطرون، أن وكيل النيابة وافق، خلال لقاء مع علاء في 27 الشهر الماضي، على أن يدوّن بخط يده ورقة حول مطالبه لإرفاقها بالمحضر حول إضرابه الجزئي عن الطعام. وأوضحت أنه يطالب بانتداب قاضي تحقيق للتحقيق في كافة الانتهاكات التي تعرّض لها، أو التي وقعت على آخرين وكان شاهداً عليها أثناء احتجازه في سجن طرة، وإعادة محاكمته أمام محكمة عادية في محاكمة تتوافر فيها ضمانات العدالة.

وأشارت إلى أنه "يطالب بتمكينه من الزيارة القنصلية (البريطانية) ومن التواصل مع محاميه الإنكليز للتباحث معهم فيما إذا كانت بعض الانتهاكات تخضع للرقابة والتقاضي الدولي". 

وتابعت: "في النهاية ذكر ما يشكو منه في سجنه الحالي أشياء بعضها بسيط، كحرمانه من الشطرنج وساعة اليد، وبعضها شديد الوطأة مثل حرمانه من حضن أمه لمدة ثلاث سنوات، وما بينهما من حرمانه من الراديو والجرائد (الصحف) وقصر مدة التريض (نصف ساعة)".

وكانت النيابة أفادت في بيانها بأنه "ورد للنيابة العامة عدد من العرائض المقدمة من محامي المسجون علاء عبد الفتاح وذويه، وآخرها في السادس والعشرين من تموز/يوليو (الماضي) والمقدمة من المحامي المذكور".

وأشارت إلى أن "مفادها جميعاً تعرّض المسجون سابقاً لتعذيب إبَّان تواجده في مركز الإصلاح والتأهيل في طُرة، فضلاً عن منع ذويه من زيارته بمركز الإصلاح والتأهيل في وادي النطرون، بدعوى رفض المسجون استقبال الزيارة يومي 24 و25 من ذات الشهر تحديدًا، وتخوفهم لذلك من صحة هذا الادعاء، وتعنت إدارة مركز الإصلاح بمنع الزيارة عنه. فاتخذت النيابة العامة كافَّة إجراءات التحقيق في تلك الشكاوى". 

النيابة العامة لم تتثبت من تعذيب عبد الفتاح

وأشارت النيابة إلى أن "التحقيقات التي تجريها النيابة العامة في الشكاوى المذكورة حتى تاريخه لم يثبت منها صحة ما تضمنته من تعرّضه لأي تعذيبات بدنية أو سوء معاملته".

طالب علاء عبد الفتاح بانتداب قاضي تحقيق للتحقيق في كافة الانتهاكات التي تعرض لها

وأضافت: "كما أنَّ النيابة العامة - في ذات الإطار- تُؤكد عدم صحة ما ادعته إحدى شقيقتي المسجون بمواقع التواصل الاجتماعي من وجود تعمُّد في حفظ العرائض الخاصة بالشكاوى المتعلقة به، فلقد تم تقديم العديد من تلك العرائض والتي تطابق بعضها في مضمونها، ومنها العريضة رقم 32427 والتي تحمل الرقم الكودي 179304، والمتبع بمكتب النائب العام هو حصر العرائض المتطابقة في الموضوع والتعامل معها كوحدة واحدة". 

واعتبرت أن "هذا هو سبب تلقي المذكورة رسالة إلكترونية تفيد بحفظ العريضة المشار إليها لتطابقها مع غيرها، والتي باشرت النيابة العامة التحقيقات فيها، وتلك هي الآلية المتبعة في نظر العرائض المقدمة لمكتب النائب العام دون استثناء أو تمييز". 

3 مخاوف لدى عائلة عبد الفتاح

الشطر الأخير من بيان النيابة العامة، يقصد به شقيقة علاء عبد الفتاح، المقيمة في لندن بعد حصولها على الجنسية البريطانية منى سيف، التي ظهرت من خلال بث حي عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، أكدت فيه قبل السماح مجدداً لوالدته بزيارته أن الأسرة لديها 3 مخاوف، وهي أن يكون علاء تعرّض لاعتداء مشابه للاعتداء الذي تعرض له الناشط أحمد دومة، بأن تم ضربه وتعذيبه بينما هو مقيد اليدين من خلاف.

والاحتمال الثاني، أن يكون علاء قد دخل في غيبوبة نتيجة تخطيه أكثر من 117 يوماً منذ بدء إضرابه عن الطعام في الثاني من إبريل/نيسان الماضي. والاحتمال الثالث أن يكون علاء غير موجود في السجن، وتم نقله للمستشفى بعد تدهور حالته الصحية نتيجة إضرابه عن الطعام الذي بدأه من أجل إنهاء علاقته بالسجن الممتدة منذ عام 2006 وحتى 2027، حيث موعد انتهاء الحكم بسجنه.

ويقضي علاء عبد الفتاح عقوبة بالسجن خمس سنوات، تنفيذاً للحكم الصادر بحقه في القضية التي تجمعه بالمحامي الحقوقي محمد الباقر، والمدون محمد إبراهيم "أوكسجين"، المحكومين بالسجن أربع سنوات، بتهم "نشر أخبار كاذبة من شأنها التأثير على الأمن القومي للبلاد".

المساهمون