حلم لم يتحقق لتوتو: إرساء المصالحة بين ضحايا الفصل العنصري ومرتكبيه

حلم لم يتحقق لديسموند توتو: إرساء المصالحة بين ضحايا الفصل العنصري ومرتكبيه

01 يناير 2022
توتو من أبرز رموز النضال ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا (Getty)
+ الخط -

16 نيسان/ إبريل 1996. في اليوم الثاني لجلسات لجنة الحقيقة والمصالحة المسؤولة عن التحقيق في الجرائم التي ارتكبت في ظل نظام الفصل العنصري، حنى رئيس أساقفة جنوب أفريقيا ديسموند توتو رأسه معتمراً قلنسوة أرجوانية وأجهش بالبكاء.

قبالته معتقل سياسي سابق في سجن جزيرة روبن الشهير اسمه سينغكوكوانا ارنست مالغاس، يجلس على كرسيه المتحرك ويروي لتوتو الذي يترأس اللجنة ضروب التعذيب التي تعرض لها بأيدي عناصر الشرطة.

للمرة الأولى والوحيدة في مسيرته كشخصية عامة انهار ديسموند توتو أمام الكاميرات، وقال في وقت لاحق "لم يكن ذلك عادلًا"، مضيفًا "ركّزت وسائل الإعلام عليّ بدلًا من أن تركّز" على الضحايا.

من عام 1996 إلى عام 1998 أثارت جلسات الاستماع أمام لجنة الحقيقة والمصالحة الرعب في كلّ أنحاء البلاد. فقد تابعت جنوب أفريقيا عبر التلفزيون أو الإذاعة كلّ ليلة أحد بين 1996 و1998 بثّ التقرير الأسبوعي لجلسات هذه اللجنة.

وتكشف لكثيرين رعب ووحشية النظام العنصري الأبيض الذي سقط في عام 1994 مع انتخاب نيلسون مانديلا رئيسًا.

طوال عامين، شارك ناشطون سود ومسؤولون بيض في جهاز الأمن وضحايا تعذيب وأقارب مفقودين في جلسات اللجنة.

"تنظيف للجروح حتى الشفاء"

كتب "الرئيس" توتو في تقرير من سبعة مجلّدات أنه يريد أن يجعل من تقريره "مساحة يمكن للضحايا عبرها أن يتقاسموا مع الأمة قصة صدمتهم".

عملت لجنة الحقيقة والمصالحة وفق مبدأ ثوري، فالمجرمون والمدبرون المستعدون للاعتراف بجرائمهم ينالون عفوًا في المقابل، لكن بشرط واحد، إذ يصرّ توتو على أن المصالحة والسماح لن يُمنحا إلا بعد الكشف الكامل عن الحقائق.

وعلى عكس من قاضوا النظام النازي، فإن قضاة نظام الفصل العنصري ليسوا هنا "للحكم على أخلاقيات الأفعال المرتكبة، بل للعمل كحاضنة بغية التعافي الوطني والمصالحة والتسامح"، بحسب توتو.

لم يكن سهلًا على عدد من المراقبين والضحايا التسليم بهذا الأمر. لكن توتو يرفض أي قضاء يعتبر "انتقامًا وعقابًا طبيعيًا"، ويحثّ على "قضاء لا يهتمّ بالعقاب بقدر ما يهتمّ بتصحيح الخلل وإحياء العلاقات المقطوعة".

ففي رأيه أنه "مهما كان مقدار الوجع الناجم عن تجربة ما، فإنّ جروح الماضي يجب ألا تظل نازفة (...) بل يجب أن تُفتح وتُنظّف وصولًا إلى الشفاء".

لكن قلائل يشاركونه هذه الرؤية.

وأعرب المفوض السابق للجنة الحقيقة والمصالحة دوميسا نتسبيزا المقرّب من توتو عن أسفه في مقابلة مع "فرانس برس" عام 2015، معتبرًا أن "البعض رأى أن ثمن العفو كان رخيصًا"، ومتسائلًا عن هذا الاعتقاد المبني ربّما على كون "الناس لا يدخلون السجن".

وقال "من أجل منح العفو، يجب أن تعترفوا بما قمتم به وبالتفاصيل. ما إن يخرج ذلك من أفواهكم، لا عودة إلى الوراء. هو إعدام مدى الحياة".

"فشل مأساوي"

نشر الأسقف تقريره، لكن الحكومة لم تطبق سوى بضع توصيات تضمنها.

ولم تتم مقاضاة أي من المستبعدين من نطاق العفو، بسبب عدم اعترافهم بجميع ارتكاباتهم أو الفشل في إثبات الدوافع السياسية للجرائم المُرتكبة.

ولم يمثل أمام القضاء الضباط والمديرون التنفيذيون الذين اختاروا عدم الاعتراف.

كذلك، لم تفرض السلطات ضريبة على الثروات اقترحتها لجنة الحقيقة والمصالحة بهدف الحدّ من التفاوت العميق الذي لا يزال يقوّض مجتمع جنوب أفريقيا حتى بعد ثلاثين عامًا من سقوط نظام الفصل العنصري.

وفي عام 2014 أعرب توتو عن أسفه لأداء السلطات قائلًا "إن طريقة التعامل مع الحقيقة لحظة التفوّه بها تُحدّد مدى نجاح العملية. في هذه النقطة بالذات كان فشلنا مأساويًا".

وكتب أن جنوب أفريقيا كانت أشبه بمريض رفضت حكومته أن تستخدم معه علاجًا أقوى قبل تعافيه بشكل كامل، ملاحظًا أن "روحنا تظل مضطربة" جراء ذلك.

وقال دوميسا نتسبيزا "لم تنجز لجنة الحقيقة والمصالحة عملها. ولكنني أطرح السؤال: هل يمكن تصور جنوب أفريقيا من دونها؟".

(فرانس برس)