حفتر وخطاب السلام

حفتر وخطاب السلام

16 يونيو 2022
رُفضت محاولات حفتر للمرور للسلطة عبر الانتخابات (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

كان لافتاً حديث اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، أخيراً، عن حرصه على استقرار البلاد ودعمه لاستحقاق إجراء الانتخابات، بل وتكراره العجيب الغريب بأن هدف كل عملياته العسكرية كان من أجل ذلك. فهذه النبرة واللغة المزدحمة بكل ما يمت للسلام بصلة، لم تُعهد عنه، وربما العبارة الوحيدة التي استجلبها من خطاباته السابقة هي ضرورة الحرب على الإرهاب. ولكن لماذا كل هذا التغيّر؟

قد توفر مشاهد البلاد، السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها، العديد من الإجابات، ومنها انكسار حفتر العسكري بعد خسارته الحرب على طرابلس، ومن ثم سقوطه السياسي، بعدما انكشف رفضه حتى من خلال محاولاته المرور للسلطة عبر الانتخابات، وتحوّله إلى شخصية جدلية في المشهد. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالهزات والعثرات التي واجهها حفتر في سيرته السياسية والعسكرية كثيرة جداً، ويمكن منها النفاذ للعديد من الإجابات.

ولكن هناك جانباً مهماً في خطاب حفتر، وهو أنه جاء في فعالية قبلية في الأبرق، في شرق البلاد، يبدو أنه تم تحضيرها على عجل، واستُدعي لها بضع أفراد من وجوه الصف الثاني، وربما الثالث، من أوساط بعض القبائل في شرق ليبيا، للاحتفال بالذكرى الثامنة لـ"ثورة الكرامة".

وجاء ذلك بعد يوم واحد من ملتقى قبلي في منطقة سلوق، غرب بنغازي، ضم أغلب الزعامات القبلية الفاعلة في شرق البلاد، وأوصى في بيان بضرورة إجراء انتخابات في ليبيا في عضون ستة أشهر، مهدداً بإعلان عصيان مدني شامل في البلاد.

لكن اللافت في بيان سلوق أنه لم يُشر لا من قريب ولا من بعيد إلى مسمى "الجيش الوطني"، الذي يطلقه حفتر على مليشياته، كما جرت العادة في كل البيانات الصادرة في شرق البلاد. وبدلاً من ذلك، ذهب ليؤكد تأييده لمخرجات لجنة "5+5" العسكرية المشتركة، والتأكيد على ضرورة دمج "التشكيلات المسلحة في البلاد" في المؤسسة العسكرية.

ما لا يدركه المتابع للشأن الليبي من الخارج، أن للقوة القبلية وللرباط الاجتماعي ثقلاً لا يمكن تجاوزه أو غض النظر عن اعتباره محركاً فاعلاً، وقد تزيد شرارته المتفرقة اشتعالاً لتتحول تحت رماد الصمت إلى بركان قد ينفجر في أي وقت، ومسار التاريخ يتوفر على شواهد على ذلك. وهو ما يدركه حفتر الذي اتجه لاستخدام خطاب السلام، والتماهي مع مطالب ملتقى سلوق، من خلال الحديث عن ضرورة دعم خيار الشعب ومطالبه عبر ضرورة إجراء انتخابات في أقرب وقت، وضرورة أن يأخذ الشعب بزمام المبادرة، في وقت قلل فيه من شأن المبادرات والحلول التي تقترحها الأجسام السياسية التي ملّها الليبيون.

ولم يكن من قبيل الصدفة أن يغيّر حفتر مسمى الاحتفال بذكرى "عملية الكرامة"، إلى الاحتفال بها كونها "ثورة الكرامة"، ويظهر في خطابه مرتدياً بزة مدنية، وفي الأبرق تحديداً، التي تمثل عاصمة وعمقاً لنفوذ أكبر قبائل الشرق الليبي، وهي قبيلة العبيدات.

كل هذا لم يكن من قبيل الصدفة، ولا من قبيل ألاعيب السياسة ومحاولة الحشد الشعبي، بل لضيق الخيارات المتاحة أمام حفتر ولاستباق أي مجاهرة شعبية في شرق البلاد برفض استمرار وجوده في المشهد.

المساهمون