تونس: "النهضة" من المواجهة إلى المناورة ثم المسايرة

تونس: "النهضة" من المواجهة إلى المناورة ثم المسايرة

25 اغسطس 2021
وصف البعض قرار الغنوشي بالمناروة (Getty)
+ الخط -

أقرّ رئيس حركة "النهضة" التونسية، راشد الغنوشي، أول من أمس الإثنين، حلّ المكتب التنفيذي للحركة الذي لم يمرعلى تشكيله سوى أشهر قليلة (ديسمبر/كانون الأول الماضي)، بعد الخلافات العميقة التي هزّت الحزب داخلياً بين الغنوشي ومجموعة المائة، المطالبين بإجراء المؤتمر العام للحزب، وتغيير قيادته. وللمرة الثانية، يحل الغنوشي المكتب التنفيذي لـ"النهضة"، بسبب تصاعد الخلاف الداخلي، حيث كان ذهب في خيار حلّه في مايو /أيار 2020 مشكلاً مكتباً لتصريف أعمال. كما يتزامن الاستغناء عن المكتب التنفيذي اليوم، مع انقضاء 30 يوماً على "المهلة الاستثنائية" للرئيس التونسي قيس سعيّد وإجراءاته التي اتخذها في 25 يوليو/تموز الماضي (تعليق عمل البرلمان وإقالة الحكومة)، وذهاب الأخير إلى تمديدها إلى أجل غير معلوم. ويمكن فهم قرار الغنوشي، في سياق تطور موقف "النهضة" من قرارات سعيّد، التي وصفتها بداية بـ"الانقلاب"، لتتخلى عن خيار المواجهة نحو تصحيح المسار، والبحث عن حلول تخفف من القطيعة والأزمة السياسية.

قرّر الغنوشي حلّ المكتب التنفيذي للحركة وإعادة تشكيله

وفسّر بيان "النهضة"، قرار حلّ المكتب التنفيذي، ثالث أعلى سلطة قرار في الحزب، بعد "الشورى" والمؤتمر العام، بقوله: "تفاعلاً مع ما استقر من توجّه عام لإعادة هيكلة المكتب التنفيذي، فقد قرر رئيس الحركة إعفاء كل أعضاء المكتب التنفيذي، وإعادة تشكيله بما يستجيب لمقتضيات المرحلة ويحقق النجاعة المطلوبة".

ويصب قرار الغنوشي في سياق داخلي وآخر وطني، وينطلق الأول من مطالبة أغلبية كبيرة من أعضاء مجلس شورى "النهضة" بحلّ المكتب التنفيذي وتحميل المسؤولية لعدد من القيادات التي قالت إنها قادت الحركة والبلاد إلى هذا الوضع المتأزم، داعية إلى استبعاد رئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني أيضاً، كما طالب جزء منهم باستقالة الغنوشي نفسه. كما يحاول القرار الانسجام مع غضب الشارع من الأحزاب الحاكمة، ومن بينها "النهضة" التي التقطت هذا الغضب من القيادة، فبادرت بتغيير جزء منها.

وتعيش حركة "النهضة" على وقع خلافات كبيرة تهدد وحدتها، في انتظار مؤتمرها العام الذي يفترض أن ينعقد نهاية العام الحالي. وزاد من تعقيدات هذه الخلافات، الضغط المسّلط على الحركة من قبل خصومها، وتراجع موقعها بعد منعطف 25 يوليو، بعدما كانت الحركة الحزب البرلماني الأول، وتترأس البرلمان، واللاعب الأقوى في المشهد الحزبي. شهد قرار الغنوشي حلّ المكتب التنفيذي مواقف متباينة، هناك من اعتبره في محلّه واستجابة لصوت الأغلبية داخل الحزب، في مقابل من صوّره على أنه مناورة جديدة من رئيس الحركة، الذي يتقن المناورات نحو امتصاص غضب الشارع وتغيير الواجهة التي تسببت في احتدام أزمة 25 يوليو، عبر ايجاد لاعبين جدد يسايرون المرحلة الجديدة.

يصب قرار الغنوشي في سياق داخلي وآخر وطني

وتعززت فرضيات التطور السريع في مواقف "النهضة" نحو تفادي أي صدام أو مواجهة مع سعيّد، من خلال تواتر البيانات والبلاغات وتصريحات المكلف بخلية الأزمة في الحركة، محمد القوماني، الذي أبقى الغنوشي على شرعيته بعد حلّ التنفيذي. وقال القوماني في تعليق على "فيسبوك" يوم الجمعة الماضي: "للعودة إلى مشهد ما قبل 25 يوليو ترذيلاً للبرلمان وتجاذباً بين رأسي السلطة التنفيذية. نعم لاستئناف المسار الديمقراطي المعطّل منذ 25 يوليو وتصحيحه، وإنهاء الوضع الاستثنائي". وأكد القوماني لاحقاً، في تصريحات صحافية، أن المكتب التنفيذي الجديد للحركة سيتم تشكيله خلال أسبوع، مشيراً إلى أن "ما حصل في تونس بعد 25 يوليو، كان زلزالاً سياسياً مسّ الحياة العامة بكل جوانبها وخصوصاً الأحزاب". ورأى أن "المكتب التنفيذي المنحل، فيه أكثر من 30 عضوا، تشكل في إطار توافق لحل مشاكل داخلية"، معتبراً أن الظرف اليوم "تغير والزمن أصبح سريعاً"، مشدداً على أن "مؤتمر النهضة يحتاج فاعلية وجدوى، وهذا يتطلب التقليص في عدد أعضاء المكتب التنفيذي، وهذا ما سينتهي اليه رئيس الحركة". وتختلف تعليقات القوماني عن دعاة مقارعة الانقلاب، والتصدي له داخل الحزب، وتنصلوا من البيانات التي أظهرت الحزب في شكل مهادن مساير للأحداث، ينتظر مرور العاصفة.

واعتبر القيادي في "النهضة"، والوزير السابق سمير ديلو، أن قرار حل المكتب التنفيذي للحركة، وإن كان في محله، إلا أنه جاء استباقياً، بعدما عبّر عدد من قياديي الحركة عن نيتهم الاستقالة. وأكد ديلو أن الشعب لم يعد يحتاج خطاباً جديداً، بل وجوهاً جديدة، خصوصاً أن القديمة معروفة بسياساتها وخطابها وتوتر علاقاتها بالمؤسسات الأخرى، وخصوصاً مؤسسة الرئاسة التونسية. من جهته، قال الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، إنه "لا يمكن للمرء إلا أن يصنف البيان الأخير الذي أصدرته حركة النهضة، سوى بالمناورة السياسية الجديدة، التي تحاول من خلالها بعث رسائل تهدئة، وربما بما هو أكثر من التهدئة، لعل ساكن قرطاج (مقر الرئاسة التونسية) يرق لحالها".