تهميش دور الأحزاب الدينية والقومية الباكستانية: أي تأثير لأفغانستان؟

تهميش دور الأحزاب الدينية والقومية الباكستانية: أي تأثير لأفغانستان؟

17 مارس 2024
بشتونيون يحتجون على الانتخابات بكويتا، فبراير الماضي (باناراس خان/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بعد الانتخابات الباكستانية في 8 فبراير، تم تشكيل البرلمان والحكومة الجديدة، لكن الأحزاب الدينية والقومية تعاني من التهميش، مما يؤثر على العلاقات بين باكستان وأفغانستان ويعكس توترات بسبب الضغوط الأمريكية.
- زعيم الجمعية الإسلامية يتهم المؤسسة العسكرية بتزوير الانتخابات، مما قلل من دور الجمعية في السياسة الباكستانية وأثر على الديناميكيات السياسية الداخلية وأدى إلى توجه الشباب نحو أيديولوجيات مختلفة.
- الأحزاب القومية، خصوصاً البشتونية، تواجه تهميشاً بعدم حصولها على مقاعد في البرلمان، مما يعكس النظرة السلبية للمؤسسة العسكرية تجاهها بسبب علاقاتها مع أفغانستان ويبرز التوترات الداخلية والخلافات حول الديمقراطية في باكستان.

بعد أكثر من شهر على إجراء الانتخابات الباكستانية في 8 فبراير/شباط الماضي، وتنصيب البرلمان وتشكيل الحكومة، إلا أن تداعيات ما جرى في الاستحقاق التشريعي لا تزال حاضرة، ولعل أبرزها إلى جانب ما جرى مع حزب "حركة الإنصاف" بزعامة عمران خان، تهميش كافة الأحزاب الدينية والقومية الباكستانية التي كان بإمكانها، بحسب مراقبين، أن تقوم بدور الجسر في المستقبل بين أفغانستان وباكستان، التي لا يزال التوتر سائداً في علاقاتهما.

من طرفها ترى الأحزاب الدينية والقومية أنها تدفع ثمن ارتباطها بأفغانستان، وأن الولايات المتحدة بسبب علاقات تلك الأحزاب بأفغانستان وبحركة طالبان على وجه التحديد، ضغطت على المؤسسة العسكرية الباكستانية لتهميش دور تلك الأحزاب في الانتخابات.

تزوير الانتخابات الباكستانية

في السياق، قال زعيم الجمعية الإسلامية، أكبر الأحزاب الدينية في باكستان، المولوي فضل الرحمن، في خطاب في مدينة لاهور في 7 مارس/آذار الحالي، إن التزوير حصل في تاريخ الانتخابات الباكستانية، ولكن ما حصل هذه المرة كان الأول من نوعه في تاريخ هذه البلاد.

وبرأيه، فقد جرى تزوير لم يكن يتوقعه أحد سوى من قام به، والمؤسسة العسكرية كانت تشرف على كل شيء وتراقب كل ما جرى، موضحاً أن الجمعية الإسلامية دفعت ثمن مواقفها الأخيرة.

فضل الرحمن: ثمة خشية كبيرة من توجه الشباب نحو أفكار وأيديولوجيات أخرى

كما أوضح فضل الرحمن أن الموقف إزاء القضية الفلسطينية، تحديداً ما يحصل في غزة، علاوة على زيارته الأخيرة إلى أفغانستان، في يناير/كانون الثاني الماضي، والارتباط بحركة طالبان الأفغانية (التي سماها إمارة أفغانستان الإسلامية) جعل الولايات المتحدة مستاءة.

واعتبر أنه "بلا شك أن القرارات في باكستان تصنع وتمرر حسب الرغبة الأميركية في أكثر الأحيان، وبالتالي ضغطت على المؤسسة العسكرية مما جعل الأخيرة تسحب حق الجمعية الإسلامية في الانتخابات (حصلت الجمعية على أربع مقاعد في البرلمان فقط)".

كما أكد الزعيم الديني، خلال مخاطبته عناصر وقيادات حزبه، أنه "حاولنا وما زلنا نحاول جعل الشعب الباكستاني متماسكاً موحداً، ولكن ثمة محاولات لتمزيقه وتوزيعه على أسس وحيثيات مختلفة، لقد حاولنا على مر العصور أن نقنع الشباب وأبناء هذه البلاد أن ترسيخ النظام الديمقراطي في البلاد حل وحيد، وذلك بالتزامن مع أفكار وأيديولوجيات أخرى كانت تحث الشعب على السير في منحى آخر. لكننا أقنعناهم في المضي قدماً في مساندة الأنظمة الديمقراطية في البلاد، غير أن ما حصل كان بيد القوة المتجذرة (الجيش والاستخبارات) مما خيّب أمل هؤلاء، من هنا ثمة خشية كبيرة من توجه الشباب نحو أفكار وأيديولوجيات أخرى".

وتوجه فضل الرحمن إلى المؤسسة العسكرية بالقول: "اسمعوا جميعاً، نحن لن نقبل الوصاية من مؤسسة واحدة، ولا ديكتاتوريتها، ولتفهم تلك المؤسسة أن لي صوتا ولحزبي صوتا ونفوذا، لا يمكن لأي جهة أن تعبث بها". وأكد أن "الولايات المتحدة تعرف أننا نعرقل خططها في باكستان وفي المنطقة، وبالتالي تقوم المؤسسة العسكرية الباكستانية بتهميش دورها وفق ما تقرره واشنطن".

أما الجماعة الإسلامية، ثاني أكبر جماعة دينية في باكستان، فلم تتحدث عن دوافع تهميشها مع الأحزاب الدينية، إلا أنها أكدت على لسان أكثر من مسؤول فيها، بمن فيهم زعيم الجماعة سراج الحق، أن ما جرى في الانتخابات كان مهزلة. واعتبر سراج الحق في تصريحات صحافية في 5 مارس الحالي أن البرلمان الحالي مزوّر، وأن الحكومة مزورة، وغير قادرة على إخراج البلاد من المآزق التي تواجهها.

وكشف أن الجماعة تعمل مع الأحزاب الأخرى لوضع استراتيجية مستقبلية لاسترداد الحقوق بحسب قوله. وقاطعت الجماعة الإسلامية عملية انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، رغم أنها لم تحصل على أي مقعد في البرلمان المركزي في الانتخابات الأخيرة.

تراجع الأحزاب البشتونية

أما بالنسبة إلى الأحزاب القومية، خصوصاً البشتونية المتمركزة على الحدود مع أفغانستان، فأبرزهما حزب عوامي القومي البشتوني، وحزب عوامي بقيادة محمود خان أجكزاي، الذي كان مرشح المعارضة لمنصب الرئيس الباكستاني، غير أن الحزبين لم يحصلا على أي مقعد في البرلمان. وهو ما جعل زعيم حزب عوامي القومي البشتوني إيمل خان ولي يحذر المؤسسة العسكرية من "مغبة ما فعلته".

وذكر في بيان في 8 مارس الحالي: "كل المؤسسات في باكستان عميلة تعمل تحت سيطرة المؤسسة العسكرية"، داعياً "المؤسسة القضائية إلى إجراء تحقيق في التزوير الذي حصل في الانتخابات".

وأوضح أنه على الرغم من أن "المؤسسة القضائية ليست مستقلة في قراراتها، بل تعمل تحت ضغط المؤسسة العسكرية، لكن مع ذلك نرى أن المخرج للأزمة السائدة حالياً، يتمحور حول تشكيل لجنة مستقلة يترأسها رئيس المؤسسة المحكمة العليا القاضي فائز عيسى من أجل التحقيق فيما جرى من التزوير في الانتخابات".

وبرأي خان ولي، فإن "هناك حقيقة يعرفها الجميع وهي أن مؤسسة واحدة تلعب على كل المحاور وتعبث بمن شاء ومتى شاء، إن ذنب الأحزاب القومية هو أن تلك الأحزاب تطلب حقوق القبائل وتسعى للحصول عليها من الموارد الطبيعية والوسائل الموجودة هناك، وهي ترفع ملف المختفين قسرياً من أبناء القبائل، ما جعل البعض يخشون منها، بالتالي هي لجأت إلى إغلاق أبواب البرلمان في وجهها".

وفي مهرجان شعبي، في شمال غربي باكستان في 3 مارس الحالي، اعتبر خان ولي أن الجيش الباكستاني "يعبث بإرادة أبناء الشعب، ولكنه لا يعي مغبة ذلك"، مؤكداً أن "عملية الانتخابات كان يديرها ضباط الجيش علناً، وهذا لا يخفى على أحد، لكني أحذر الجميع أن ما يحصل حالياً في باكستان مشابه للذي حصل في عام 1970، عندما سُلب حق البنغاليين، وهم كانوا حينها أبناء باكستان، ونجم عنها انفصال بنغلاديش. وأقول للجيش: لا تضربوا الناس، وإلا فإن النتائج ستكون وخيمة وقاسية".

تهميش دور الأحزاب الدينية والقومية الباكستانية

وفي تعليق له على تهميش دور الأحزاب الدينية والقومية الباكستانية، قال المحلل السياسي الباكستاني محمد عرفان في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إنه "بإمكاننا أن نقيم وضع الأحزاب الدينية والأحزاب القومية كل على حدة، وهناك دوافع مختلفة وراء تهميش دور كل منها".

وباعتقاده، فإنه "بما يخص الأحزاب الدينية، كانت هناك توقعات كبيرة لدى المؤسسة العسكرية والاستخبارات بأنها ستؤدي دوراً مهماً في ما يتعلق بعلاقة باكستان مع أفغانستان، خصوصاً بعد سيطرة طالبان على سدة الحكم هناك، وهي حاولت فعلاً ولكن من دون جدوى". وأضاف أن "هذه الأحزاب لم تحقق ما كانت تتطلع إليه المؤسسة العسكرية، إذ إنها لم تقنع طالبان الأفغانية بقبول مطالب باكستان".

محمد عرفان: كل من سافر من العلماء إلى أفغانستان تأثر بموقف طالبان

ووفقاً لعرفان، فإن ما أثار استغراب صنّاع القرار في باكستان، هو أن تلك الأحزاب بدأت تعتبر أن كابول على حق، وكانت تطلب من إسلام أباد أن تغير سياستها حيالها. من هنا حصل أمران، أولاً: أن إسلام أباد لم تستطع إقناع طالبان والأخيرة غير مستعدة لتغير موقفها. والأمر الثاني، هو أن الأحزاب الدينية والقومية، كانت مرتابة من مواقف باكستان، إذ إن كل من سافر من العلماء إلى أفغانستان تأثر بموقف طالبان، ودعوا إلى تغيير سياسات باكستان تجاهها، لذلك قرّر صنّاع القرار في باكستان إبعاد هذه الأحزاب.

وحول الأحزاب القومية، قال عرفان إن الأحزاب القومية لم تكن على صلة بطالبان، ولكن بحكم الأواصر القبلية لها جذور على الجانب الآخر من الحدود، وبالتالي فإن الزعم السائد لدى المؤسسة العسكرية وصنّاع القرار في باكستان، هو أن هذه الأحزاب تنشط في السياسة في باكستان لكن مصالحها الاجتماعية والاقتصادية والقبلية متصلة بأفغانستان، بالتالي فإن قوتها تضر بمستقبل باكستان.

وعن وضع الأحزاب الدينية والقومية، اعتبر المحلل السياسي محمد طاهر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن تلاعب المؤسسة العسكرية بجميع الأحزاب السياسية والدينية والقومية في باكستان ليس وليد اليوم، بل ظاهرة سائدة في باكستان تاريخياً، لكن هذه المرة كان وضع الأحزاب الدينية والقومية أسوأ في الانتخابات، ولعل السبب يعود إلى خسارتها قوتها ووزنها، وأن المؤسسة العسكرية والاستخبارات أدركت أن في الوقت الحالي تحتاج إليها.

وأوضح طاهر أن ما تقوم به تلك الأحزاب من تهديدات لا جدوى منها، إذ إنها تسعى بذلك إلى الحصول على بعض المناصب في الحكومة، لا أكثر.

أما الزعيم القبلي محمد أكرم، فقال لـ"العربي الجديد"، إن الأحزاب القومية والدينية خسرت قوتها ووزنها لدى القبائل أيضاً، بسبب تنفيذها أجندة المؤسسة العسكرية في السنوات الماضية، من دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح القبائل، وهو ما أدى إلى تدهور قوتها وعدم الاهتمام بها من قبل المؤسسة العسكرية.