تنامي الاعتراض على عدوان غزة يقلق الإدارة الأميركية.. وإسرائيل

تنامي الاعتراض على عدوان غزة يقلق الإدارة الأميركية.. وإسرائيل

01 نوفمبر 2023
%60 من الأميركيين مع وقف إطلاق النار في غزة (Getty)
+ الخط -

المشهد الذي ساد أمس الثلاثاء، في جلسة لجنة المخصصات بمجلس الشيوخ الأميركي لدى استماعها إلى وزيري الخارجية، أنتوني بلينكن، والدفاع لويد أوستن، يلخص إلى حد بعيد أجواء النقمة المتزايدة في الساحة الأميركية على دعم واشنطن العدوان الإسرائيلي على غزة.

قسم كبير من الحضور في القاعة قاطع الوزيرين خمس مرات بهتافات الإدانة والمطالبة بالعمل على وقف النار، مع رفع الأيدي المصبوغة باللون الأحمر كرمز لتلوث يد الإدارة بدم آلاف المدنيين الذين حصدهم القصف الإسرائيلي الأعمى للأحياء السكنية في القطاع.

 هذه الصورة الرمزية عكست حالة رفض تنامت بسرعة خلال الأيام الأخيرة بعد عودة الاتصالات مع غزة وتدفق صور وفيديوهات الخراب والموت والنزوح، خصوصاً مجزرة مخيم جباليا، وما سبقها من دمار وسقوط أبرياء من نساء وأطفال وشيوخ، وسط تحذيرات المؤسسات الدولية المعنية من قرب انهيارات في الأوضاع العامة، وخصوصاً الصحية والمعيشية.

ويبدو أن إسرائيل استدركت ذلك وقطعت الاتصالات من جديد ليل الثلاثاء، كما تردد، للتعتيم على العملية العسكرية. وقد أدت هذه المشهدية إلى احتقانات تفجرت على شكل مظاهرات وتهديدات وتوترات، منها ما استهدف اليهود خصوصاً في الجامعات وبعض مؤسساتهم الدينية، ومنها ما استهدف المسلمين والعرب بعودة الإسلاموفوبيا وتعبيراتها العنفية والتحريضية في أكثر من ولاية.

 وقد حذر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي أي) الثلاثاء، في جلسة مع إحدى لجان الكونغرس، من مخاطر وعواقب مثل هذه المناخات التي ولّدتها الحرب.

الإدارة الأميركية أخطأت التقدير في حساباتها المحلية، فحسبت أن ما جرى يوم 7 أكتوبر يسمح بإعطاء إسرائيل شيكاً على بياض، ولو مع تدوير زواياه، لاجتياح غزة. وقد رفضت البحث بأي وقف للنار بزعم أن ذلك "يمنع إسرائيل من ممارسة حقها في الدفاع والرد"، واكتفت بتذكيرها بواجب حماية المدنيين. وعندما تعاظم عدد الضحايا، شككت في صحته، بزعم أنه ليست هناك مرجعية موثوقة لتأكيده! لكن عندما كشفت الكاميرا عن حجم المجزرة، لم يكن لديها سوى التذرع بأن أية حرب من هذا النوع يصعب فيها ضمان سلامة المدنيين.

لكن الأسباب التخفيفية جاءت متأخرة. الآن 60% من الأميركيين مع وقف إطلاق النار، حتى الحديث الإعلامي انتقل نسبياً من مقاربة الصراع وكأنه بدأ في 7 أكتوبر إلى ربطه ولو بصورة مواربة بخلفياته وبأخطاء نتنياهو. طبعاً أصوات المؤسسة ومراجعها، ناهيك بالكونغرس، ما زالت تؤكد ضرورة استكمال إسرائيل لمهمتها المعلنة، التي غابت عنها عبارة "القضاء التام" على حماس واستبدالها بعبارة تحقيق "النصر وهزيمتها".

هذا التغيير في المزاج الأميركي من الحرب أثار قلق البيت الأبيض، الذي قرر أمس عودة الوزير بلينكن إلى المنطقة يوم الجمعة القادم، للبحث عن مخرج "لتبريد" الوضع، وإن بصورة مؤقتة، كأن يصار إلى ترتيب صفقة ما بخصوص الرهائن، أو هدنة للالتقاط الأنفاس من جهة، ولتنفيس التوتر على الجهات الأخرى.

 كذلك أثار قلق نتنياهو الذي سارع إلى نشر مقالة في جريدة وول ستريت جورنال بعنوان "معركة الحضارة"، يخاطب فيها الأميركيين، محذراً بأن ما يجري الآن "ليس حرب إسرائيل وحدها" وأن "حماس لو ربحت مع إيران ستكونون هدفها الثاني". فهو يعرف أن من شأن هبوط تأييد الحرب في صفوف الراي العام الأميركي، أن ينعكس على موقف الإدارة الأميركية، خصوصاً في عام انتخابي. وهو ربما أيضاً يخاطب الكونغرس المنقسم حول حزمة الدعم الخارجي التي طلبها الرئيس وربط المساعدة المخصصة فيها لإسرائيل (14.7 مليار دولار) بالمساعدة لأوكرانيا ولأغراض الحماية لتايوان وأزمة الحدود مع المكسيك.

البيت الأبيض مع أكثرية مجلس الشيوخ من الحزبين، مع تمرير الحزمة بكاملها، الغالبية الجمهورية في مجلس النواب تعارض الربط، وتصرّ على موافقة منفصلة على المساعدة لإسرائيل. وحتى الآن المشروع مجمد عند هذا الخلاف.

البيت الأبيض أراد عملياً ترك الحبل على غاربه لإسرائيل في غزة، وفي ذات الوقت، أبدى عتبه عليها في مأساة المدنيين الذين جرى التكرم عليهم بمساعدات تلقّوها بالقطارة في الأيام الأخيرة، وبعد أن ضجّ العالم بمحنتهم.

الإدارة الأميركية صرفت النظر عن كسر متواصل للقانون الدولي ولقانون الحروب، الذي شددت أكثر من مرة على وجوب التزام إسرائيل به، لكنها تقول إنه لم يسعها حتى الآن التأكد من هذا الانتهاك! وحتى الآن أيضاً لم يصدر عنها أي تعليق على الوثيقة المسربة أمس، التي أعدتها المخابرات الإسرائيلية في الشهر الماضي بشأن خطة ترحيل فلسطينيي غزة إلى سيناء.