تفسيرات متناقضة في مصر لدعوة تقنين الهجرة غير النظامية

تفسيرات متناقضة في مصر لدعوة تقنين الهجرة غير النظامية

12 سبتمبر 2023
مصريون من بين مهاجرين في المياه الدولية قبالة ليبيا، 2022 (فينسينزو سيركوستا/ الأناضول)
+ الخط -

تباينت ردود الأفعال في مصر حيال دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في 5 سبتمبر/ أيلول الحالي، لتنظيم الهجرة غير النظامية إلى بعض الدول التي تعاني نقصاً في القوى البشرية، ضارباً المثل بدولة صربيا التي تستقبل عمالة مؤقتة لتحقيق مكاسب مشتركة.

وقال السيسي، في جلسة حوارية ضمن فعاليات المؤتمر العالمي الأول للسكان والصحة، إن مصر لديها "فرصة كبيرة في تنظيم الهجرة الشرعية إلى الدول الأوروبية التي تعاني نقصاً في أعداد المواليد، لأنها طاقة عمل ستحقق عوائد للاقتصاد في هذه البلدان". وقال إن "الهجرة الشرعية هي الحل لمواجهة نقص العمالة في أي دولة، وسيكون ذلك بالتنسيق والتفاهم بين الدول، وتقديم العمالة لها لمدد محددة سلفاً".

تقنين الهجرة في مصر أمر جديد

وفي السياق، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصرية، السفير معصوم مرزوق، في حديث لــ"العربي الجديد" إن "أي تحرك قانوني للعمالة المصرية في الخارج، سواء في أوروبا أو خارجها، يعد أمراً إيجابياً، وهو أمر دأبت عليه وزارة الخارجية المصرية لعقود طويلة".

وأضاف أن الوزارة "كانت تبرم اتفاقيات لحماية حقوق العمالة المصرية سواء في أوروبا (مثل فرنسا وإيطاليا واليونان)، أو دول الخليج، باعتبار ذلك أفضل من ركوب البحر وصولاً للقارة العجوز، وهي مخاطرة شديدة تكلف الآلاف حياتهم، وهو أمر لا يختلف مع ما دعا إليه الرئيس إلا في مسمى الدعوة فقط".

معصوم مرزوق: كانت مصر تبرم اتفاقيات لحماية العمالة المصرية في أوروبا والخليج

وفي السياق، قال إن "إيطاليا سمحت بوصول أعداد من العمالة المصرية، إلا أن الأمر شابته سلبيات، في مقدمتها عدم تأهيل العمالة المصرية وتدريبها بشكل كاف لضمان تلبيتها لاحتياجات السوق الإيطالية".

ولفت مرزوق إلى أن "الحديث عن تقنين الهجرة إلى أوروبا، يجب أن يسبقه الوصول لاتفاقية قانونية ملزمة، تحدد شكل هذه الهجرة، وما إذا كانت مؤقتة أم دائمة، وعن حقوق هذه العمالة في التمتع بظروف عمل مناسبة وفقاً لمواثيق منظمة العمل الدولية". وأشار إلى أن "وصف الأمر بتقنين الهجرة قد يشعل مخاوف بلدان أوروبية من أن تكون هذه الهجرة دائمة".

وفي وقت اعتبر أن مشاكل مصر أعقد من أن تحلها قضية تقنين هجرة العمالة للخارج، رأى مرزوق أن المشاكل "تحتاج منظومة سياسية واقتصادية وتنموية كاملة، فضلاً عن الحاجة الشديدة لتأهيل الكوادر المهاجرة، خصوصاً أصحاب الشهادات المتوسطة، وتحديد احتياجات الدول الأوروبية".

عدة أبعاد لدعوة تقنين الهجرة في مصر

من جهته قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عصام عبد الشافي، في حديث لـ"العربي الجديد" إن الحديث عن تنظيم هجرة المصريين له العديد من الأبعاد، "أولها: الانتقال من التجارة غير المباشرة في ملف الهجرة غير النظامية إلى التجارة المباشرة".

وأوضح أن "عمليات تهريب كثيرة للبشر عبر الحدود المصرية كانت تتم من خلال شركات، تتورط فيها مؤسسات وشخصيات رسمية، تسبب الكشف عنها في إحراج للنظام، فلماذا لا يتم تقنينها وتكون رسمية للتحكم في عائدات هذه التجارة؟".

أما البعد الثاني بحسب عبد الشافي فيتمثل في "فرض القدرة على التحكم في مصادر دخل من هاجر، حيث يمكن فرض نسب من مدخولهم، وشروط لاستخراج أية وثائق أو تمديد الهجرة، وبالتالي تقنيين السيطرة على هذه المصادر".

وأضاف بالمقابل أنه لا يوجد قدرة على التحكم في دخل من هاجر بطريق غير نظامي، "خصوصاً أنه تُطرح دورياً العديد من المبادرات لاستنفاد قدرات المصريين في الخارج، لكنها من وجهة النظر الرسمية غير كافية".

عصام عبد الشافي: تُستخدم فكرة الإدارة بالفزاعات في موضوع تنظيم هجرة المصريين

كما اعتبر أن البعد الثالث "يتمثل في فكرة الإدارة بالفزاعات، والرسائل غير المباشرة"، موضحاً أنه "منذ سنوات كان يستخدم ملف الإرهاب، ثم ملف الهجرة غير الشرعية، والآن ملف الكثافة السكانية في مصر وعدم قدرة الدولة على التعاطي معها، باعتبارها سبب فشل السياسات الاقتصادية، وأن الحل المطروح هو تخفيف هذه الكثافة عبر هجرة البشر".

وبالتالي قال عبد الشافي إن ذلك "يحقق هدفين، عائدات تجارة البشر تحت مسمى تنظيم الهجرة واللجوء من ناحية، أو الحصول على منح وقروض لمواجهة الأزمة السكانية من ناحية ثانية".

بدورها، ذكرت أستاذة الاقتصاد والعميدة السابقة لكلية الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتورة عالية المهدي، في منشور على صفحتها على "فيسبوك" أنها كانت مدعوة كخبيرة اقتصادية في أسواق العمل للمؤتمر الوزاري بمالطا عام 2017.

وكان الهدف هو إعداد البيان الذي سوف يصدر عن دول الاتحاد الأوروبي في ما يخص تنظيم الهجرة، الذي يقصدون به الحد من الهجرة غير النظامية أو إيقافها تماماً.

وأضافت أن مقترحها كان تنظيم هذه العملية ليس باعتبارها هجرة، بل "على أساس توفير عقود عمل مؤقتة، مثلما هو الحال مع كل الدول العربية، وبانتهاء العقد، يعود العامل أو الموظف إلى بلده، وبذلك تتحقق مصلحة للطرفين، البلد الأوروبي المحتاج لعمالة شابة والشباب الباحث عن عمل".

تقنين الهجرة في مصر ينهي ظاهرة قوارب الموت

بالمقابل لم تنف الأصوات التي انتقدت دعوة السيسي، وجود إيجابيات لها. فقد رأى المحامي أحمد بدوي المتخصص في شؤون الهجرة واللجوء، في تصريحات تليفزيونية أن "الدعوة لتقنين الهجرة تسدد ضربة قوية للهجرة غير النظامية، وتنهي ظاهرة قوارب الموت التي تستغل الراغبين في الوصول لأوروبا، وتعرض حياتهم للخطر، وبل تقلل احتمالات استغلال جماعات العنف والتطرف لهؤلاء المهاجرين".

واعتبر الدعوة لتقنين الهجرة "تطبيقا للاتفاقية العالمية للهجرة، الموقعة عام 2018، واستثماراً للقوى البشرية، وتحقيق مكاسب اقتصادية للطرفين، والتوازن بين الدول التي تتمتع بفائض من القوة البشرية، ومن يعانون من مشكلات النقص في هذه الكوادر".

وتشكل الدعوة، بحسب بدوي، "دفعاً للتنسيق الدولي لمواجهة الهجرة غير النظامية، وإيجاد آليات تحدد احتياجات الدول المستقبلة للمهاجرين، بشكل يتطلب من الدولة الموردة للعمالة تدريب وتأهيل كوادرها، لتكون قادرة على العمل في البلدان الأوروبية".