تعثّر جولة اللجنة الدستورية السورية: معضلة المكان والزمان

تعثّر الجولة التاسعة للجنة الدستورية السورية: معضلة المكان والزمان

29 فبراير 2024
بيدرسون يزور دمشق منتصف مارس (Getty)
+ الخط -

يبدو أن الطريق نحو عقد جولة تاسعة من اللجنة الدستورية السورية لا يزال غير واضح، على الرغم من دعوة المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، لانعقاد هذه الجولة المتعثرة في نهاية إبريل/ نيسان المقبل في جنيف، سويسرا. لكن ستتضح الأمور عندما يزور المبعوث الأممي دمشق في منتصف مارس/ آذار المقبل.

وعلى الرغم من إعلان المبعوث الأممي الموعد والمكان، إلا أنه أشار إلى رفض روسيا والنظام انعقاد الجولة المقبلة في جنيف. وطوال نحو أربعة أعوام من عمر اللجنة وثماني جولات من اجتماعاتها، لم تتمكن الأطراف الثلاثة (المعارضة، النظام، المجتمع المدني) من كتابة أي مادة من الدستور الجديد للبلاد بعد بدء الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد في ربيع عام 2011.

من جانبها، اعتبرت دمشق أن دعوة المبعوث الأممي لعقد الجولة في جنيف تعتبر "إحراجاً" لروسيا التي ترفض عقد اجتماعات اللجنة، التي يفترض أن تكون سورية – سورية في جنيف، مؤكدة عدم قدرة دبلوماسييها على الوصول إلى هناك، ومعتبرة أن سويسرا تتخذ موقفاً معادياً من موسكو.

وفي الشأن، أفادت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام بأنه "على الرغم من معرفة المبعوث الروسي بمكان انعقاد جلسات اللجنة الدستورية، وتأكيده الرسمي لذلك عبر وزير الخارجية سيرغي لافروف، إذ أشار إلى أن توقف أعمال اللجنة الدستورية يعود إلى وجود شكوك في نزاهة جنيف كمنصة محايدة، نظراً لاتخاذها علناً مواقف معادية لروسيا، فقد وجّه المبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسن دعوة لانعقاد جلسة جديدة للجنة الدستورية في جنيف".

ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمّها، أن "موقف بيدرسن جاء بشكل مفاجئ في ضوء التحركات الأخيرة التي قام بها واللقاءات التي عقدها مع مسؤولين ودول فاعلة، بالإضافة إلى التدخلات التي أبدتها عدة دول لتقديم عروض لاستضافة اجتماعات اللجنة الدستورية، ما دفع المبعوث الأممي إلى الإصرار على الخيار الأميركي ودعوة لعقد الجلسة التالية في جنيف. هذا الإجراء يبدو أنه يهدف إلى إحراج روسيا وإظهارها كمعارضة لهذه المحادثات".

وكشفت المصادر لصحيفة "الوطن" أن "بيدرسن طلب موعداً لزيارة دمشق خلال شباط/ فبراير الجاري، وأخيراً حُدِّد موعد للزيارة منتصف مارس/ آذار المقبل، دون أي مؤشر على أن هذه الزيارة ستكون خرقاً للاتفاق على انعقاد الجولة في جنيف".

وفي إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي حول سورية، يوم الثلاثاء الماضي، دعا بيدرسن رسمياً لعقد الدورة التاسعة للجنة الدستورية في جنيف في نهاية شهر إبريل، وناشد الأطراف السورية الرد بإيجابية، والدول الفاعلة دعم ما تقوم به الأمم المتحدة والامتناع عن التدخل في مكان انعقاد اللجنة.

وأشار المبعوث الأممي خلال الجلسة إلى أن "تعثر انعقاد الجولة يعود إلى عدم اعتبار روسيا لسويسرا مكاناً محايداً، ورفض الحكومة السورية عقد الجلسة في جنيف بسبب ذلك". وأعرب عن اعتقاده بأن "الخيار الوحيد في الوقت الحالي هو الاجتماع مجدداً في جنيف، على الأقل مؤقتاً في حين عدم توافق الآراء حول مكان بديل، مع فتح الباب لمكان بديل في حال توافق على ذلك".

وقال بيدرسون: "أعتقد أنّ من المهم أن تجتمع اللجنة الدستورية في أقرب وقت ممكن وأن تواصل عملها"، منبهاً من أن "التوقف إلى أجل غير مسمى لن يؤدي إلا إلى تقويض مصداقية اللجنة الدستورية وعملها". وأشار إلى أن "النقاط الأساسية التي حددها في إحاطته تتطلب اتخاذ إجراءات فورية بما فيها إعادة اللجنة الدستورية إلى المسار الصحيح".

وخلال الجلسة، رد مندوب النظام السوري في الأمم المتحدة، قصي الضحاك، على بيدرسن مؤكداً أن دمشق "أكدت استمرار تعاونها معه بصفته ميسراً للعملية السياسية التي يقودها السوريون بأنفسهم ويجب أن تحدث من دون أي تدخل خارجي، ونتطلع إلى زيارته لدمشق الشهر القادم". وأضاف: "أشير في هذا الصدد إلى أننا قدمنا له مقترحاً بناءً على عقد الجولة التاسعة للجنة مناقشة الدستور، ونتطلع إلى أن تكلل جهوده بالنجاح"، لكنه لم يذكر تفاصيل عن المقترح بخصوص المكان أو الزمان.

وتقبل المعارضة السورية عقد الجولة في جنيف، لكنها تصرّ على التزام المضمون والآليات والقواعد الإجرائية، خصوصاً أنها تتهم النظام بالمماطلة وتجاهل المواضيع الرئيسية، من خلال طرح مواضيع غير دستورية.

وقد كشفت مصادر معارضة، في وقت سابق، لـ"العربي الجديد"، أن سلطنة عمان رفضت استضافة اجتماعات اللجنة الدستورية على أراضيها وضمن رعايتها. وأوضحت المصادر أن وجهة نظر السلطنة تقوم على فكرة أنه في حال عدم وجود توافق كامل على أي مسار، فإنها لن تتدخل في العملية. وأكدت أن "مسقط ترغب في عمل مشروع فعّال يسفر عن نتائج حقيقية، وأنها لا ترغب في اجتماعات بلا هدف واضح سوى التصدير الإعلامي".

وفي ذلك الوقت، رفض النظام السوري اقتراح عقد الجولة المقبلة في الكويت أو القاهرة، ولم يبدِ رأياً واضحاً بشأن إمكانية عقد الجولة في الرياض، إلا أن مصادر أشارت إلى عدم اهتمام الرياض بالاستضافة في تلك الفترة.

وولدت فكرة اللجنة الدستورية في بداية عام 2018، ولكن لم تعلن الأمم المتحدة تشكيل اللجنة إلا في سبتمبر/ أيلول 2019، بعد معاناة مع النظام السوري الذي عارض هيكلتها وشكلها ومضمونها.

واحتوت قائمة اللجنة الموسعة على 150 عضواً، 50 عضواً لكل من المعارضة والنظام والمجتمع المدني. وتضمنت القائمة المصغرة التي تحضر الاجتماعات 45 عضواً، 15 لكل من الأطراف الثلاثة، مع رئاسة مشتركة لكل من النظام والمعارضة من دون المجتمع المدني.

وعمد النظام إلى تمييع هذا المسار وجعله عبثياً دون كتابة أي مادة في دستور جديد للبلاد، فيما توجه الانتقادات للمعارضة من قبل جمهورها بعدم اتخاذ موقف حازم حيال هذا التمييع.