تضارب حول زيارة محتملة للرئيس التونسي إلى روسيا

تضارب حول زيارة محتملة للرئيس التونسي إلى روسيا

29 ابريل 2022
الخارجية التونسية لم تتطرق للزيارة (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

أثار نقل وسائل إعلام روسية حديث السفير التونسي لدى موسكو طارق بن سالم، أمس الخميس، عن وجود "مساعٍ" لتنظيم زيارة للرئيس التونسي قيس سعيّد للكرملين "في أقرب وقت ممكن" جدلا واسعا حول مدى صحة الزيارة وتوقيتها وأهدافها.

ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن السفير التونسي قوله: "نحن الآن نعمل على ضمان زيارة الرئيس التونسي لروسيا في أقرب وقت ممكن"، مضيفاً "هذه الزيارة من المحتمل أن تجري بمناسبة مشاركة مرتقبة لرائدة فضاء تونسية في مهمة ستنطلق من روسيا إلى محطة الفضاء الدولية"، دون ذكر تواريخ محددة.

في مقابل ذلك، نفى سفير تونس لدى الكونغو عادل بوزكري الرميلي، على حسابه في "تويتر"، صحة تلك المعلومات، مؤكداً أنه اتصل بزميله السفير في موسكو الذي أخبره بأنّ هذا ليس صحيحاً.

وأضاف في تغريدته أنّ السفير صرّح فقط بأنه يعتزم تطوير العلاقات الثنائية من خلال "زيارات رفيعة المستوى"، مع الإشارة إلى أهمية تدريب رائدة الفضاء التونسية.

وتابع بوزكري "لا تزال روسيا شريكاً تاريخياً لتونس في عدة مجالات ومن الطبيعي أن يأمل السفير في تطوير العلاقات التونسية الروسية، بل إن من واجبه العمل على هذا".

ولم تصدر وزارة الخارجية التونسية أي توضيح على الفور بخصوص تلك التصريحات، في وقت تحاول فيه الولايات المتحدة والدول الأوروبية فرض مزيد من العقوبات على روسيا على خلفية غزوها أوكرانيا.

وكانت تونس قد صوتت لصالح قرار بالأمم المتحدة يدين الغزو الروسي لأوكرانيا بوضوح، كما شارك وزير الدفاع التونسي عماد مميش، قبل أيام، في اجتماع لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، لحشد الدعم ضد الحرب الروسية على أوكرانيا.

في الأثناء، دافع عدد من النشطاء في تنسيقيات مناصرة للرئيس التونسي عن خبر الإعلان عن الزيارة، معتبرين أنها ستحدث توازنات جديدة لفائدة تونس بتوجهها شرقاً نحو تمتين علاقتها بروسيا، ومن شأنها أن توقف سلسلة التحذيرات الغربية المنتقدة للمسار السياسي الذي أقرّه سعيّد في تونس.

غياب الوضوح

تعليقاً على ما أوردته الوسائل الإعلامية الروسية، قال المحلل السياسي التونسي شكري بن عيسى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ ذلك يعكس "خللاً جسيماً في خصوص قواعد ومبادئ الدبلوماسية بصفة عامة التي تفرض أنه لا بد أن يكون هناك وضوح شديد ودقة وتعاط مسؤول مع الشأن الخارجي لأنه يهم المصالح العليا للدولة ومصالح الشعب التونسي وليس مجرد نزوات أو كلمات تقال بدون مسؤولية أو اعتبار أو قياس لخطورتها".

وتابع قائلاً "الدبلوماسية التونسية اليوم زاغت عن مرجعياتها الأساسية ومرجعيات الدبلوماسية بصفة عامة، حيث يستسهل الدبلوماسيون التصريحات والدخول في بعض الالتزامات التي لا أساس لها من الصحة"، مشدداً على أنّ "سعيّد لا وزن له في الساحة الدولية، كما أن له من المشاكل داخلياً ما لا يسمح له بأن يقوم بزيارة كهذه".

وأردف بن عيسى بالقول "عوض أن تتعاطى الخارجية بمسؤولية وتصدر بياناً توضيحياً تنفي فيه هذا الأمر، تم في المقابل التعاطي معه بإهمال شديد باعتبار أن الرد جاء عبر سفير آخر في تغريدة على تويتر ليبيّن أن ما حصل مجرد فهم أو تأويل مغلوط".

وبخصوص تهليل أنصار سعيّد للزيارة، أوضح بن عيسى أن "هذا أصبح مألوفا باعتبار أن هذه المجموعة لا تخضع لضوابط عقلانية أو لتعاط مسؤول إلا ما يتعلق بالنفخ في صورة الرجل، بل إنه أصبح يتماهى معها ويساند الشعارات التي ترفعها، مثل حل المجلس الأعلى للقضاء وهيئة الانتخابات، وهذا يترجم بالشعبوية".

"استقلال" القرار التونسي

أما وزير الخارجية الأسبق، الدبلوماسي أحمد ونيس، فقال في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "توقيت هذه الزيارة، إن صحت، له دلالات بالغة الأهمية على مستوى العلاقات الدولية في ظل الصراع الروسي الأوكراني"، مضيفاً أنّ "العلاقات التاريخية بين تونس والاتحاد السوفييتي ثم بعد ذلك مع روسيا كانت جيدة ومبنية على أسس ثابتة وقوية تعترف بأن القيادة التونسية وطنية ومستقلة".

وتابع قائلاً "انطلاقاً من تجربتي مع الشعب الروسي ومع القيادة الروسية، فإنّ لديهم قناعة بأنّ القرار التونسي مستقل، لا تتلاعب به الأهواء العقائدية أو الإيديولوجية أو المصلحية".

وشدد ونيس على أن الزيارة إذا تمت فعلاً، فذلك يعني أنّ "تونس لا تقبل بعزلة روسيا في الساحة العالمية وفي علاقاتها وصلاتها بالمصالح العربية العميقة، وخاصة بعد الإهمال الفظيع من الإعلام الغربي ومن الدول الغربية لما يحدث في القدس وفي فلسطين".

وحول تصويت تونس في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار "مطالبة روسيا بالتوقف فورا عن استخدام القوة ضد أوكرانيا"، قال ونيس إن تونس صوتت أولا مع رفض هجوم واعتداء دولة على دولة مستقلة، وأما التصويت الثاني فقد رفضت تونس تسليط عقوبات على روسيا وصوتت ضد التصويت الغربي.

وتابع "مهما كانت القراءات الأجنبية لمواقف تونس، فنحن لا ننساق وراءها، فنحن نؤمن باستقلال القرار التونسي وبسيادة قراراتها فوق كل اعتبار".

وحول تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بخصوص الوضع السياسي في تونس، قال ونيس: "إن الإنذار الذي صدر عن واشنطن هو حلقة من الحلقات التي تراكمت منذ يوليو/ تموز الماضي للتنبيه إلى الخيار الأساسي الديمقراطي في تونس"، مشددا على أنه "ليس سوى إنذار لتونس حتى لا تتراجع عن الخيار الديمقراطي، ولا يعتبر نكرانا أو مواجهة بين الطرفين".

وقال بلينكن إن على تونس معالجة المخاوف بشأن الديمقراطية، منتقداً الإجراءات الأحادية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيّد، خلال كلمة له أمام مجلس النواب الأميركي.

لا حديث عن الزيارة

واستقبل الرئيس التونسي قيس سعيّد، اليوم الجمعة، وزير الشّؤون الخارجية عثمان الجرندي، من دون التطرق لأي توضيحات بخصوص الزيارة.

وتناول اللقاء، بحسب بيان للرئاسة التونسية، "عرضا حول نتائج مشاركات تونس في اجتماعات إقليمية ودولية انعقدت خلال الفترة الفارطة، ومن بينها الاجتماع الطارئ للجنة الوزارية العربية المعنية بالتحرك لوقف الإجراءات الإسرائيلية في مدينة القدس المحتلة، واطلع، كذلك، على أهمّ الاستحقاقات الدبلوماسية المقبلة على الصعيدين الثنائي ومتعدد الأطراف".

وأشار سعيّد إلى "تعزيز علاقات التعاون والتبادل والشراكة مع الدول الشقيقة والصديقة في مختلف المجالات، وأكّد، أيضا، على تشبّث تونس بثوابت ومبادئ سياستها الخارجية، وخاصة منها التمسّك بالشرعية الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتعزيز الأمن والسلم الدوليين والتسوية السلمية للنزاعات".

المساهمون