تشدد تركيا حيال انضمام السويد وفنلندا للناتو: الأسباب والأهداف

تشدد تركيا حيال انضمام السويد وفنلندا للناتو: الأسباب والأهداف

26 يناير 2023
كريسترسون وأردوغان في أنقرة، نوفمبر الماضي (آدم ألتان/فرانس برس)
+ الخط -

تراكمت مجموعة من الأحداث، كان آخرها إحراق نسخة من القرآن أمام السفارة التركية في استوكهولم، لتدفع تركيا لتشديد موقفها الرافض لانضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتلغي اجتماعات مقررة مع الدولتين. وإن كانت هذه الحادثة تبرر موقف أنقرة الرسمي، إلا أن ثمة أسبابا داخلية وخارجية تقف وراء التشدد التركي، لا سيما مع دخول تركيا فترة الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ليتحول هذا الملف ورقة إضافية تحاول الأطراف المختلفة، لا سيما الحكومة، استغلالها لتقوية مواقفها.

تطورات تستفز تركيا

وبدأت أبرز التطورات التي استفزت الحكومة التركية في 12 يناير/كانون الثاني الحالي، حين استدعت وزارة الخارجية التركية، السفير السويدي في أنقرة ستافان هيرستروم وسلمته مذكرة احتجاج على خلفية تظاهرات لأنصار حزب العمال الكردستاني في استوكهولم أساءت للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ونشرت حسابات داعمة لـ"العمال الكردستاني" مقطعاً مصوراً يُظهر تعليق دمية من قدميها تصوّر الرئيس التركي على عمود قرب مبنى البلدية التاريخي، وذيّل المقطع المصور بعبارات تهديدية باللغة التركية تستهدف أنقرة وأردوغان.

تبع الحادثة بيوم واحد تنظيم تظاهرات أخرى لأنصار "الكردستاني" مناوئة لانضمام السويد إلى حلف الأطلسي، واستُغلت المناسبة للإساءة لأردوغان. وآخر الأحداث كان السبت الماضي، حين سمحت السلطات السويدية لزعيم حزب "الخط المتشدد" اليميني المتطرف راسموس بالودان، بإحراق نسخة من القرآن قرب السفارة التركية في استوكهولم، وسط حماية مشددة من الشرطة.

ألغت تركيا اجتماعاً لآلية التنسيق الثلاثية كان مقرراً في فبراير المقبل

وبسبب الأحداث الأخيرة، لم تكتف تركيا بالإدانة بل حاولت ثني الحكومة السويدية عن السماح بالإساءة للقرآن، ولكن هذه الجهود لم تفلح، ما دفع أنقرة لاتخاذ سلسلة إجراءات، تمثلت بإلغاء زيارة رئيس البرلمان السويدي أندرياس نورلين إلى أنقرة، ولاحقاً إلغاء زيارة وزير الدفاع السويدي بال جونسون.

تبع ذلك الإعلان يوم الثلاثاء الماضي عن إلغاء اجتماع آلية التنسيق الثلاثية التي تجمع تركيا والسويد وفنلندا، والتي تبحث انضمام الأخيرتين للناتو، تنفيذاً لاتفاق موقّع بين الدول الثلاث الصيف الماضي. وأفادت وسائل إعلام تركية بأن الاجتماع التنسيقي الذي كان مقرراً في فبراير/شباط المقبل، تم تأجيله إلى أجل غير مسمى.

الموقف التركي تبعه ارتفاع حدة ولهجة التصريحات من قبل جميع الأطراف السياسية في تركيا، لا سيما في حادثة الإساءة للقرآن، وشملت أحزاب المعارضة. ولكن تصريح أردوغان كان أكثر حدة وحمل تهديداً للسويد على وجه التحديد، إذ قال أردوغان في كلمة له عقب اجتماع للحكومة الإثنين الماضي "إذا كنتم لا تحترمون المعتقدات الدينية لتركيا أو المسلمين، فلا تنتظروا أي دعم في ما يتعلق بعضويتكم في الناتو، هذا الفعل القبيح هو إهانة ضد كل من يحترم الحقوق والحريات الأساسية للناس وعلى رأسهم المسلمون".

وأضاف: "القرآن الكريم لن يتضرر أبداً إذا أحرقت نسخة منه من قبل أحد بقايا الصليبيين، ومن تسبّب في مثل هذا العار أمام السفارة التركية يجب ألا يتوقع أي مكرمة من أنقرة في ما يتعلق بطلبات العضوية في الناتو، وإذا كانت السويد تحب كثيراً أعضاء التنظيم الإرهابي وأعداء الإسلام، فنوصيها بأن تلجأ إليهم في الدفاع عنها".

من جهتها، علّقت الحكومة السويدية على لسان رئيسها أولف كريسترسون على ما حصل، بالقول الثلاثاء الماضي "السويد تواجه أخطر مشكلة أمنية بعد الحرب العالمية الثانية، والبعض لا يدرك مدى أهمية انضمامها إلى الناتو، المستفزون يحاولون عرقلة عضوية السويد وإفساد علاقاتها مع دول أخرى"، مؤكداً رغبة بلاده في العودة إلى الحوار مع تركيا بشأن الانضمام إلى الناتو.

وقبيل إحراق نسخة من القرآن في استوكهولم، كانت مجموعة من التطورات تعرقل المحادثات بين البلدان الثلاثة، منها رفض السويد وفنلندا تسليم مطلوبين من "العمال الكردستاني" وجماعة "الخدمة" لتركيا، وصدور قرارات قضائية تمنع ذلك. يضاف إلى ذلك وعدم تنفيذ تعهدات بتقييد عمل التنظيمات التي تتحفظ عليها أنقرة في الدعاية وجمع الأموال وتوفير المقاتلين.

ورقة في الصراع الانتخابي

ومن المؤكد أن مسألة انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الأطلسي، وموقف تركيا منه ومطالبها، تشكل إحدى الأوراق الانتخابية بيد حزب العدالة والتنمية الحاكم، خصوصاً أن مسألة الانضمام للناتو تتطلب موافقة البرلمان. وتسعى الحكومة للمحافظة على الكتلة الناخبة من المحافظين والقوميين، وترى في هذه المسألة مساحة لإطلاق المواقف والتصريحات فيها وتحقيق مزيد من الشعبوية في هذه الفترة الهامة التي تعد مفترق طرق قبل الانتخابات التي تجرى في 14 مايو/أيار المقبل.

أعلنت وزارة الدفاع الفنلندية أمس عن منحها تفويضاً لتصدير معدات عسكرية إلى تركيا

ولكن في تطور لافت أمس، أعلنت وزارة الدفاع الفنلندية عن منحها تفويضاً لتصدير معدات عسكرية إلى تركيا بعد تعليق تصديرها منذ خريف 2019 على خلفية إطلاق تركيا عملية عسكرية في سورية. واستئناف تراخيص تصدير المعدات العسكرية هو أحد الشروط التي وضعتها أنقرة لإعطاء الضوء الأخضر لانضمام فنلندا والسويد إلى الناتو.

وتعليقاً على هذه التطورات، قال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قوجه إيلي، سمير صالحة، لـ"العربي الجديد"، إن "التشدد في موقف تركيا مرتبط بإصرارها منذ فترة على السويد وفنلندا بتسريع عملية الحوار والتعامل بإيجابية مع مذكرة التفاهم الثلاثية والبنود الواردة فيها، ويبدو أن هناك تلكؤاً وتأخراً بتنفيذها، وهو السبب الأساسي لما أوصل الأمور للتوتر".

وأضاف: "بعدها جاءت التظاهرات أمام مبنى السفارة التركية ومحاولة الإساءة لشخص الرئيس أردوغان، وردود الفعل السويدية بتجاهل مطالب أنقرة، ما أغضب الأخيرة، كما كانت هناك مواقف سلبية من القضاء السويدي والقيادات السياسية تجاه مطالب أنقرة بالتظاهرات، ثم جاءت الحادثة الأخيرة (الإساءة للقرآن)، وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقات، ما دفع أنقرة لاتخاذ قرار تجميد المفاوضات".

ولفت صالحة إلى أنه "كانت هناك عملية اصطفاف سياسي وشعبي في الداخل التركي وراء موقف حزب العدالة والتنمية وتجميد المفاوضات، لأن صفوف الحكم والمعارضة والقيادات الدينية ومنظمات المجتمع المدني كلها انتقدت ما جرى في السويد ودعت لمواقف تصعيدية ضد هذه الأحداث".

وختم بالقول "الدور الأميركي موجود والمتحدث باسم الخارجية الأميركية قال إن واشنطن متمسكة بانضمام السويد وفنلندا للناتو، ووصف ما حصل في السويد بعمل تحريضي، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة قد تدخل على خط الوساطة". ولكنه استبعد أن تنتهي الأمور بسهولة، "وبما أن أنقرة جمّدت المفاوضات فهذا يتطلب وقتاً إلى حين ظهور مواقف جديدة للحكومة السويدية، فالكرة بملعب السويد".

من جهته، قال الصحافي يوسف سعيد أوغلو، لـ"العربي الجديد"، إن "السويد وفنلندا لم تلتزما بالمطالب التركية وفق مذكرة التفاهم الموقّعة، خصوصاً استوكهولم التي كان لدى مسؤوليها مواقف وتصريحات تصب في صالح الاستجابة للمتطلبات التركية، لكن ما حصل كان كله ضد مطالب أنقرة".

ولفت إلى أن "موقف الحكومة بات واضحاً من السويد وفنلندا، وعلى جميع الأصعدة، فهناك استفادة تركية من هذا الموقف، لا سيما على الصعيد الداخلي"، موضحاً أن "أي تقدّم ضمن إطار تسليم المطلوبين سيُظهر قوة وصحة موقف الحكومة التركية، كما أن أي رفض لمطالب أنقرة سيُظهر الحكومة أيضاً بمظهر الطرف المحق الرافض لانضمام الدولتين للناتو طالما لم تنفذا ما تعهدتا به".

وأضاف أن "لكل ذلك انعكاسا على أنصار الحكومة". وعن المواقف السويدية، لفت إلى أنها "قد تكون أيضاً مرتبطة بالانتخابات التركية، فنتائجها يمكن أن تعطي صورة أوضح في ما يتعلق باستمرار الحوار مع الحكومة الحالية في حال فوزها واستمرارها بالحكم، أو انتظار ظهور حكومة جديدة مع نتائج الانتخابات".

ورأى أن "أي تطورات داخلية وخارجية في تركيا باتت مرتبطة بشكل مباشر بالانتخابات البرلمانية والرئاسية، ومحاولة الأطراف السياسية تحقيق شعبية أكبر أمام الناخبين"، معتبراً أن "موضوع السويد وفنلندا بات ضمن الأوراق الدولية في الصراع السياسي في تركيا".