تسع وساطات بشأن أزمة السودان بعد الانقلاب.. لمنح العسكر وقتاً أطول؟

تسع وساطات بشأن أزمة السودان بعد انقلاب البرهان.. لمنح العسكر وقتاً أطول؟

04 نوفمبر 2021
اتهامات للعسكر بمحاولة امتصاص غضب المتظاهرين (فرانس برس)
+ الخط -

تعددت الوساطات والمبادرات، سواء الداخلية أو الخارجية، لاحتواء الأزمة السياسية المتفاقمة في السودان، عقب الانقلاب العسكري الذي نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان. لكن كثيرا من المؤشرات تؤكد استغلال الانقلابيين لتلك الوساطات لشراء المزيد من الوقت، بعد أيام على الانقلاب وإعلان قائد الجيش حالة الطوارئ وحلّ مجلسي السيادة والوزراء.

وبعد وقوع الانقلاب في الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، نشطت 9 وساطات تسعى جميعها لتحقيق توافق ما بين المكونين العسكري والمدني في السلطة الانتقالية، أبرزها تحركات الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة فولكر بيرتس المتواجد في الخرطوم، الذي يرأس في نفس الوقت البعثة الأممية المتكاملة لدعم الانتقال السياسي في السودان.

كما نشطت قبل 3 أيام وساطة خارجية أخرى من دولة جنوب السودان، والتي نُقل عنها، اليوم الخميس، تأكيدها موافقة الأطراف على الجلوس على طاولة مفاوضات لتبادل المواقف، إضافة لإعلانها عن قبول العسكر إطلاق سراح المعتقلين السياسيين إثر انقلاب السودان خلال الساعات المقبلة.

كما بدأ مبعوث الاتحاد الأفريقي،  أولو سيغون ابوسانغو، أمس عقب وصوله للخرطوم في "تحسّس" مواقف المكونين العسكري والمدني، تمهيداً لإعلان وساطة التكتل القاري، والتي قد تشابه ما قام به في العام 2019 بجمع العسكريين والمدنيين في مفاوضات شاقة انتهت بالتوقيع على الإعلان السياسي والوثيقة الدستورية التي أنتجت السلطة الانتقالية بشقيها السيادي والتنفيذي.

في جانب آخر، تنشط نحو 6 وساطات لشخصيات وطنية مستقلة، وضباط متقاعدين، ونشطاء في منظمات المجتمع المدني، بعضها ظهر للعلن والآخر يدير تواصلاً مستمراً خلف الكواليس.

تعليقا على ذلك، قال مسؤول بقوى "إعلان الحرية والتغيير"، لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم كشف اسمه: "إننا لا نرغب في استباق الأحداث، وسنتعاطى مع وساطة جنوب السودان، لكن لن ندخل في مفاوضات مباشرة إلا بعد التأكد من نوايا الوسيط الجنوب سوداني توت قلواك، المعروف بقربه من المكون العسكري"، مشيراً إلى أن تركيزهم الآن على "إطلاق سراح الوطن، وبعد ذلك سيكتمل إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين".

تتواصل احتجاجات السودانيين على الانقلاب
غضب شعبي بعد انقلاب السودان

هذا ما يؤكده أيضاً القيادي في "الحرية والتغيير" شهاب إبراهيم الطيب، لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أن "الانقلابيين يسعون لشراء الوقت أولاً، وتشتيت الجهود ثانياً"، مبيناً أن واحدة من الوساطات النشطة جداً، التي رفض تحديدها، اقترحها قائد الانقلاب بنفسه أمام المجموعة التي تعمل عليها، والتي "تحمست بعد ذلك لتنفيذ أجندة العسكر".

استعادة الأوضاع السياسية والدستورية

وتابع الطيب قائلا: "لا توجد حتى اللحظة وساطة حقيقية ببنود واضحة، وحتى وساطة جنوب السودان من الواضح أنها تسعى نحو تغيير مواقف فقط وتجاوز المطالب الأساسية للشعب السوداني"، مشيراً في الآن ذاته إلى أن "الحديث المستمر للجانب الأميركي هو تبيان لمواقفه وتجديدها، ولا يقدم وساطات".

وأوضح القيادي في "الحرية والتغيير" أن وفداً من "الحرية والتغيير" اجتمع اليوم الخميس بالمبعوث الأممي فولكر بيرتس، وأبلغه تمسكه بمواقفه بخصوص رفضه لأي تفاوض أو وساطات مع العسكر، "إلا بعد استعادة الأوضاع السياسية والدستورية لما قبل 25 أكتوبر، وعودة الحكومة لعملها، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين".

وأضاف أن المبعوث الأممي أبلغهم من جهته بسعيه لزيارة المعتقلين، خاصة بعد الأنباء المتواترة عند تدهور صحة بعضهم. كما أكد لهم أن "الأمم المتحدة لا تمتلك مبادرة، إنما تراهن على إرادة السودانيين في العودة للتفاوض، مثلما حدث قبل أكثر من عامين بعد سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير.

من جانبه، يرى المحلل السياسي الجميل الفاضل أن "كثيرا من الوساطات الحالية أميل للجانب العسكري، وتعبر عنه، وتحاول خلق واقع جديد للعسكر يختلف عن واقع ما قبل الانقلاب"، مضيفاً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مبادرة جنوب السودان تنسجم مع تصريحات رئيس جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، بعد اجتماعه الشهر الماضي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة، والتي دعا فيها لدعم البرهان". وشدد على أن ذلك يكشف أن "التنسيق الإقليمي المساند للانقلاب كان كبيرا جداً".

وأوضح أن ذلك الموقف يؤكد أن "جوبا لن تكون وسيطاً محايداً بأي حال من الأحوال"، بينما لا يطرح المبعوث الأممي، وفق الفاضل، وساطة، بل "يقوم بدوره الطبيعي بموجب قرار مجلس الأمن الدولي المنشئ للبعثة الأممية في السودان، وبالتالي يتحدث المبعوث حديثاً ناعماً فقط لا يقدم ولا يؤخر".

وأكد الفاضل أن "مراهنة الانقلابيين على ربح الوقت سيرتد عليهم، لأن عدم وجود مخرج مع مضي الوقت سينسج خيوطا جديدة حول رقبتهم، مستشهداً باجتماع مجلس حقوق الإنسان في جنيف، الجمعة، الذي ربما يقرر تعيين مقرر خاص لحقوق الإنسان، ويفتح ملف الجرائم التي ارتكبها الانقلابيون بعد يوم 25 أكتوبر، بما في ذلك القتل والاعتقالات وقمع الحريات، وقطع خدمة الإنترنت عن الجمهور، وغيرها من الانتهاكات.

وختم بالتساؤل عن الجهة التي تقوم بتقديم النصائح للعسكر في الوقت الحالي، وتورطهم يوماً بعد يوم، و"لا تنصحهم بالقبول بما هو متاح من مخارج لهم، وللوطن".

إحكام الانقلابيين سطوتهم

ومن أبرز الوساطات الداخلية تلك التي يقودها الصحافي المخضرم محجوب محمد صالح، والتي حققت اختراقات عدة بموافقة قائد الانقلاب البرهان على كثير من بنودها، مثل تشكيل مجلس أعلى للأمن والدفاع برئاسته، وإعادة تشكيل مجلس السيادة، مع ترك المجال لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك لتشكيل حكومة كفاءات.

وتنص كذلك على منحه صلاحيات تنفيذية أوسع بكثير مما كان عليه قبل يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على أن يكون التمثيل الأكبر لقوى "إعلان الحرية والتغيير" وأطراف العملية السلمية في المجلس التشريعي الانتقالي.

ومع قبول البرهان بتلك الوساطة على ما يبدو، تشير بعض المعلومات إلى أن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" لم يحدد بعد موقفه من المبادرة، حتى بعد توقيع حليفته الإمارات أمس على البيان الرباعي مع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية، المنادي باستعادة الحكومة المدنية وكل مؤسسات الفترة الانتقالية، والعودة للعمل بالوثيقة الدستورية، وإطلاق سراح المعتقلين. كما تتمسك حركات الكفاح المسلح القريبة من العسكر بضرورة تمثيلها في الحكومة "حتى ولو جاءت كحكومة كفاءات".

وعلى الرغم من قبولهم الظاهري بالوساطات، فإن عسكر الانقلاب يصرون على المضي في إحكام سطوتهم على الحكم بإصدار قائد الجيش البرهان لقرارات متتالية لإعفاء مسؤولين من مناصبهم وتعيين آخرين بدلا عنهم. كما يؤكدون بين الفينة والأخرى على جاهزيتهم لتعيين رئيس وزراء جديد دون انتظار للمفاوضات الجارية لإقناع حمدوك بالعودة لمنصبه، لكن بشروطهم وليس بشروطه.

عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو-محمود حجاج/الأناضول
عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو

وكل ما قدم العسكر من تنازل حتى الآن هو إبداء الرغبة في إطلاق سراح بعض، وليس كل المعتقلين، لأنهم يخططون حالياً إلى تقديم معتقلين إلى محاكمات، خصوصا من قادوا المواجهة ضدهم في الأشهر الماضية، ومن بينهم عضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان، ووزير شؤون رئاسة مجلس الوزراء خالد عمر يوسف، ووزير الصناعة إبراهيم الشيخ. ومن التهم المتوقعة التي قد تصدر بحقهم "الإساءة للجيش" و"تقويض النظام الدستوري" و"التحريض".

وفي ظل هذا الوضع، يرى البعض أن جزءا من المبادرات المقدمة برزت من حضن الانقلابيين أنفسهم، ويريدون من ورائها كسب الوقت وإظهار الطرف الآخر بأنه "يتعنت".

وحتى وساطة جنوب السودان، هناك شكوك كبيرة تحوم حولها، وقد لا تتشجع لها قوى "إعلان الحرية والتغيير"، خصوصاً أنها بدأت ببند إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وهو ليس بندا مركزيا ويتجاوز شرط إعادة العمل بالوثيقة الدستورية، وعودة حكومة حمدوك لممارسة مهامها.