تركيا تلوّح بخيارات تصعيدية في سورية

تركيا تلوّح بخيارات تصعيدية في سورية

06 أكتوبر 2023
دخان يتصاعد من القامشلي بعد الضربات التركية أمس (أورهان قريمان/رويترز)
+ الخط -

تتوسع الحرب التركية ضد حزب العمال الكردستاني وحلفائه في سورية والعراق، منذ الهجوم الذي استهدف مقر وزارة الداخلية التركية في أنقرة يوم الأحد الماضي، لتبدأ تركيا بالتلويح باحتمالات تصعيدية تجاه المجموعات الكردية في سورية، خصوصاً "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، مع وضع عملية برية في سورية من بين الخيارات التي قد تلجأ إليها، بالتوازي مع استمرار الاستهدافات عبر الطائرات المسيّرة خصوصاً.

هذا التلويح التركي، بات يلقى صداه شمال وشرق سورية، الخاضع لنفوذ "قسد" و"الإدارة الذاتية" الكردية، اللتين عبرتا عن مخاوفهما من لجوء أنقرة لتصعيد خياراتها العسكرية، مع تخوّف ضمني من توغل بري جديد لتركيا وحلفائها من المعارضة السورية، على غرار ثلاث عمليات سابقة ضد المجموعات الكردية في سورية.

تركيا تهدد بعملية برية

وأفاد التلفزيون الرسمي التركي أمس بتقديم الحكومة مذكرة للبرلمان لتمديد مهام القوات التركية في سورية والعراق، مع العلم أن تفويض سار حتى 25 أكتوبر/تشرين الأول الحالي.

وعلى وقع قصف تركي واسع على مواقع عدة في شمال وشرق سورية، وشمال العراق، لا سيما باستخدام المسيّرات، تحديداً منذ يوم الأربعاء الماضي، نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول في وزارة الدفاع التركية لم تسمه، أمس الخميس، قوله إن شن عملية برية في سورية من بين الخيارات التي قد تبحثها تركيا.

وأضاف المسؤول: "هدفنا الوحيد هو القضاء على المنظمات الإرهابية التي تشكل تهديداً لتركيا. شن عملية برية من بين الخيارات للقضاء على هذا التهديد لكنها ليست الخيار الوحيد بالنسبة لنا". وتابع أن "حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب هما نفس المنظمة الإرهابية، إنهما هدفنا المشروع في كل مكان. تركيا نفذت عمليات كلما وحيثما كان ذلك ضرورياً في الماضي، وستستمر هذه العمليات مرة أخرى إذا لزم الأمر".

مسؤول تركي: شن عملية برية من بين الخيارات للقضاء على هذا التهديد لكنها ليست الخيار الوحيد بالنسبة لنا

ولفت إلى أن "هذه العمليات تجري في إطار حقوق الدفاع عن النفس التي يكفلها القانون الدولي للقضاء على الهجمات الإرهابية على الأراضي التركية ولضمان أمن الحدود". ودعا المسؤول "جميع الأطراف، الدول الصديقة والحليفة على وجه الخصوص، إلى الابتعاد عن هؤلاء الإرهابيين. هذا مجرد إخطار. والأمر متروك لهم لاتخاذ الاحتياطات اللازمة".

وجاء هذا الكلام فيما شنّت تركيا أمس الخميس ضربات جديدة بمسيّرات على أهداف عسكرية وبنى تحتية في مناطق يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق سورية، ما أدى إلى مقتل سبعة أشخاص. ووقعت معظم الضربات في محافظة الحسكة الخاضعة لسيطرة "قسد".

وأفاد المتحدث باسم "قسد" فرهاد شامي، وكالة "فرانس برس"، بأن "القصف (أمس) أسفر عن استشهاد سبعة عمال، ستة منهم في معمل بلوك (تصنيع حجارة البناء) في عامودا، وآخر في معمل بلوك في الحسكة". وأضاف أن "ضربات إضافية استهدفت موقعاً نفطياً في بلدة القحطانية ومركز تصليح سيارات جنوب كوباني (عين العرب) كما استهدفت دراجة نارية شرق كوباني". وتابع "هناك تصعيد واضح في قصف المسيّرات منذ بدء التهديدات التركية".

من جهته، قال الناشط خالد الحسكاوي، وهو من ريف محافظة الحسكة، لـ"العربي الجديد"، إن طائرات مُسيرة تركية، استهدفت بـ3 غارات عبر صواريخ موجهة، مستودعاً للذخيرة ومرآباً للسيارات يتبع لـ"قسد" في حي مشيرفة بمدينة الحسكة، إضافة إلى استهداف سيارة لـ "قسد" قرب قرية الطويلة في ناحية تل تمر، وسيارة عسكرية أخرى بالقرب من بلدة التوينة، ونقطة عسكرية لـ"قسد" بالقرب من سد الجوادية بريف مدينة القامشلي، وموقعاً عسكرياً قرب قرية تل حبش بريف ناحية عامودا بريف محافظة الحسكة الشمالي، ما أسفر في المحصلة عن مقتل أكثر من 10 عناصر من "قسد" وعمال حفر أنفاق، إضافة إلى إصابة عناصر آخرين.

فيما ذكرت مصادر من "قسد"، لـ"العربي الجديد"، أن قوات التحالف الدولي المتمركزة في قاعدة تل بيدر، شمال غرب محافظة الحسكة، أسقطت طائرة مُسيرة تركية من خلال استهدافها بصاروخ موجه، وذلك أثناء تحليقها بالقرب من القاعدة الأميركية، فيما تبنى "مجلس تل تمر العسكري" التابع لـ "قسد" عملية إسقاط الطائرة. لكن مسؤولاً بوزارة الدفاع التركية قال لوكالة رويترز إن الطائرة المسيرة التي أسقطها التحالف بقيادة الولايات المتحدة في شمال شرق سورية ليست تابعة للقوات المسلحة التركية. 

وفي وقت لاحق، أكدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أنه تم إسقاط طائرة مسيرة تركية مسلحة كانت تحلق قرب القوات الأميركية في سورية.

وقال المتحدث باسم البنتاغون، بات رايدر، إن طائرات مسيرة تركية شوهدت وهي تنفذ ضربات جوية على الحسكة في سورية صباح الخميس على بعد نحو كيلومترات من القوات الأميركية. وبعد ساعات قليلة، اقتربت طائرة مسيرة تركية على مسافة تقل عن نصف كيلومتر من القوات الأميركية واعتبرتها طائرة "إف-16" تهديداً وأسقطتها.

وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قد أكد في تصريحات الأربعاء أن منفذي الهجوم الذي استهدف مقر وزارة الداخلية في أنقرة الأحد، درّبا في سورية، متعهداً الرد. وأضاف: "من الآن فصاعداً، كل البنى التحتية والمنشآت الكبيرة ومنشآت الطاقة التابعة (للمجموعات الكردية المسلحة) في العراق وسورية هي أهداف مشروعة لقواتنا الأمنية".

فيدان: كل البنى التحتية والمنشآت الكبيرة ومنشآت الطاقة التابعة (للمجموعات الكردية المسلحة) في العراق وسورية هي أهداف مشروعة لقواتنا الأمنية

وفي سياق قريب، استقبل وزير الدفاع التركي يشار غولر أمس الخميس نظيره العراقي ثابت العباسي، وبحث معه علاقات التعاون الثنائية، والعسكرية الإقليمية، والصناعات الدفاعية. وأفاد بيان لوزارة الدفاع التركية وآخر لوزارة الدفاع العراقية أن غولر والعباسي أكدا أهمية تعزيز التعاون بين البلدين في مكافحة الإرهاب وأمن الحدود.

أما على الجانب الأميركي ورداً على سؤال حول العملية التركية الجارية، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مساء الأربعاء وفق "فرانس برس"، إن الولايات المتحدة "قلقة إزاء التصعيد العسكري في شمال سورية"، ودعا إلى "التهدئة".

"قسد" تستشعر خطورة الوضع

ويبدو أن "قسد" باتت تستشعر خطورة الموقف الحالي. وقال قائد "قسد" مظلوم عبدي، في تغريدة على موقع "إكس" مساء الأربعاء، إن "منفذي هجوم أنقرة لم يمروا من مناطقنا كما يزعم مسؤولون أتراك، كما أننا لسنا طرفاً في الصراع الداخلي التركي، ولا نشجع على تصاعد وتيرته".

وأضاف: "تركيا تبحث عن ذرائع لشرعنة هجماتها المستمرة على مناطقنا وشن عدوان عسكري جديد، وهذا يثير قلقنا العميق"، معتبراً أن "استهداف البنية التحتية والمصادر الاقتصادية للمنطقة والمدن الآهلة بالسكان يعد جريمة حرب، لأجل ذلك، نحث الأطراف الضامنة والمجتمع الدولي على اتخاذ المواقف المناسبة حيال هذه التهديدات المتكررة وضمان السلام والاستقرار في المنطقة".

عبدي: تركيا تبحث عن ذرائع لشرعنة هجماتها المستمرة على مناطقنا وشن عدوان عسكري جديد

من جهتها، دعت "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا"، في بيان أمس الخميس، "المجتمع الدولي والتحالف الدولي والمؤسسات الأممية والحقوقية والإنسانية وكذلك روسيا إلى اتخاذ مواقف فعالة ورادعة لهذا الجموح التركي نحو فرض توازنات جديدة على سورية ولكن عبر مناطقنا". وأضافت "لا بد لكل الأطراف ذات الدور في سورية أن يكونوا أصحاب مواقف واضحة والحد من هذه التهديدات، وعدا ما يوجد داخل سورية من معضلات تريد تركيا استهداف سبل العيش لأهلنا في شمال وشرق سورية، وزيادة المعاناة الإنسانية وهذا يخلق معه مشاكل كثيرة نحن نراها بأنها سوف تفضي لمشروع فوضى كبير لا نريده أن يكون على الإطلاق".

وتعليقاً على هذه التطورات، قال المتحدث باسم "قوات الشمال الديمقراطي" الموالية لـ"قسد" محمود حبيب، لـ"العربي الجديد"، إن "تركيا تنفذ مجموعة عمليات انتقامية بعد أن صور وزير الخارجية التركي أن ما حدث في أنقرة انطلق منفذوه من الأراضي السورية"، معتبراً أن "أنقرة أتت بهذه الذريعة لكي تهدد أمن واستقرار شمال وشرق سورية". وأضاف: "نؤكد أننا لسنا مسؤولين عما حدث في أنقرة، وحتى العمليات في السابق، ولا يعنينا أبداً الشأن الداخلي التركي، ولسنا جزءاً من أي محاولات لتقويض الأمن الداخلي التركي".

وحول الاستعداد للخيارات المحتملة، أشار حبيب إلى أن "استعداداتنا ضمن المتاح، فهناك تفوق للسلاح التركي لا سيما في الجو، وهنا نهيب بقوات التحالف الدولي ودول العالم أجمع أن تلجم التغول التركي علينا، وأن توقف الجرائم التركية باستهداف مناطقنا بسلاح الطيران الحربي والمسيّر على مواقع اقتصادية تعنى بحياة السكان، أكثر من كونها مناطق أو أهدافا عسكرية".

وقال حبيب إن "الاتهامات التركي كيدية، ولا يوجد دليل واحد لدى أنقرة بأن الأراضي السورية تستخدم لتهديد الأمن القومي التركي، إنما ذلك مجموعة ذرائع تسوقها الحكومة التركية لتبرير احتلالها والاستيلاء على مزيد من المناطق في سورية، وأيضا تخريب تجربة الإدارة الذاتية".

وأضاف: "حلفاؤنا في الولايات المتحدة يعلمون البعد الحقيقي للتدخلات التركية في مناطقنا، وآخر التصريحات الأميركية بهذا الخصوص كانت حول طلب واشنطن من تركيا أن تتعاطى مع حزب العمال الكردستاني على أراضيها، وعدم تصدير مشاكلها إلى الخارج". وأضاف: "لقد بادرنا كثيراً نحو الجانب التركي لتوضيح الرؤية وتبديد المخاوف، لا سيما من خلال الوسطاء الأميركيين والروس، لكن تركيا ترفض التعاطي معنا، فهي تريد دائما القول بوجود عدو لتبرير استمرار احتلالها للأراضي السورية والتوسع أكثر".

من جهته رأى المحلل السياسي التركي هشام غوناي، أن حكومة أردوغان باتت تهيئ الرأي العام في تركيا لعمل عسكري جديد في شمال سورية وربما شمال العراق. وأضاف غوناي لـ"العربي الجديد" أنه لاحظ على الإعلام التركي بعد الهجوم الأخير، أن "الترويج يسير نحو عملية توحّد مناطق النفوذ التركي شمال سورية ودمجها مع بعضها بعد السيطرة على مناطق جديد، والحديث هنا عن عين العرب ومنبج وغيرها، التي تعتبر فواصل بين الكانتونات الكردية من جهة وبين مناطق النفوذ التركي من جهة أخرى، وهي ذات أهمية لتركيا".

لكن غوناي استبعد أن يقوم الجيش التركي بتوغل واسع لدحر "قسد" بالكامل عن الحدود مع سورية، مشيراً إلى أنه قد تقوم تركيا بعمل محدود لدحر المجموعات الكردية عن بعض المناطق الهامة التي تفصل مناطق سيطرتها أو نفوذها عن بعضها.

المساهمون