رحبت البعثة الأممية في ليبيا، اليوم الخميس، بإعلان "تشكيل قوة مشتركة جديدة من طرفي خطوط التماس"، مشيدة بدور اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 في تشكيل هذه القوة، في وقت رأى فيه مراقبون الخطوة مهمة لمنع أي خطوة من جانب معسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر لجرّ البلاد إلى حرب جديدة، واستغلال حالة الانسداد التي تواجه طريق وصول البلاد إلى مرحلة الانتخابات والاستقرار.
وأوضحت البعثة أن القوة تتألف "من الكتيبة 166 للحراسة والتأمين ولواء طارق بن زياد"، معتبرة أنها "خطوة بالغة الأهمية نحو توحيد المؤسسة العسكرية والدولة".
ونقلت البعثة عن رئيسها يان كوبيتش قوله: "أرحب بشدة بهذا الإنجاز الذي لن يضمن فقط أمن النهر الصناعي العظيم والتدفق المستمر لإمدادات المياه، بل يمهد الطريق أيضاً لاتخاذ مزيد من تدابير بناء الثقة، والمضي في التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار".
ورأى كوبيتش، وفقاً للبيان، أن الخطوة "تبعث برسالة قوية لليبيين والجهات الدولية الفاعلة، مفادها أن الليبيين قادرون وعازمون على التغلب على خلافاتهم والعمل معاً لبناء دولة موحدة ومستقرة ومزدهرة وديمقراطية".
ولم تعلن لجنة 5+5 رسمياً تشكيل القوة المشتركة، لكن آمر إدارة التوجيه المعنوي بقيادة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، خالد المحجوب، نقل، عبر صفحته الرسمية أمس الأربعاء، عن رئيس الوفد لقيادة حفتر في لجنة 5+5، الفريق امراجع العمامي، تكليف لواء طارق بن زياد والكتيبة الـ 166 للحراسة والتأمين مهمة "التنفيذ العملية لخطة الترتيبات الأمنية لمرحلة جديدة"، وأن المنطقة المستهدفة في هذه المرحلة "هي خط النهر الصناعي"، بالإضافة إلى "ملاحقة التنظيمات الإرهابية والمتطرفين في كامل المنطقة والعمل على وقف نشاطها والقضاء عليها".
وجاء إعلان العمامي بعد أسبوع من نفي المتحدث الرسمي باسم قيادة حفتر، أحمد المسماري، لأنباء لقاء بين آمر لواء طارق بن زياد التابعة لحفتر امراجع الجديد، وآمر الكتيبة الـ 166 التابعة لحكومة الوفاق السابقة النقيب محمد الحصان، واصفاً الأنباء بـ"التزوير والتضليل الذي من شأنه التشويش وخداع الرأي العام المحلي والدولي"، وفقاً لصفحته الرسمية على "فيسبوك".
وقبل أيام أعلنت إدارة جهاز النهر الصناعي، الجهاز المسؤول عن إمداد مدن ومناطق الشمال بالمياه من حقول وآبار المياه في الجنوب، عودة تدفق المياه بعد أكثر من أسبوع من قفل خطوط المياه من قبل مجموعة مسلحة، في الجنوب، تطالب بإطلاق سراح عبد الله السنوسي، أحد أبرز رموز النظام السابق، من سجون السلطات في طرابلس.
ويلفت الباحث الليبي في الشأن الأمني محيي الدين زكري، إلى أن عدم الإعلان الرسمي من جانب لجنة 5+5 حتى الآن لتشكيل القوة المشتركة يؤكد أن الخطوة لا تزال في بداياتها ولم تكتمل، لكنه في الوقت ذاته يؤكد أهميتها لقطع الطريق أمام أي محاولة من جانب حفتر للتحشيد والتصعيد ضمن المفاجآت التي يسعى من خلالها لعرقلة أي عملية تقارب تبدد حلمه في حكم البلاد عسكرياً.
ويلفت زكري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن أهمية الخطوة مرتبطة بمجال تحرك القوة المشتركة، إذ يمتد طريق النهر الصناعي من السدادة، قرب مصراتة، وحتى الشويرف، المحاذية للجفرة، موضحاً أن "مهمة تأمين النهر الصناعي الذي شهد إقفالاً الأيام الماضية على يد مجموعة مسلحة تطالب بإطلاق سراح عبد الله السنوسي، أبرز رموز النظام السابق، قد تكون غطاءً لهدف آخر يتعلق بمنطقة الجفرة ذات الأهمية العسكرية الكبيرة بالنسبة إلى حفتر، لكونها تمثل له منطقة متقدمة للتحشيد والتصعيد".
وبحسب رأي زكري، إنّ أهمية الخطوة تزيد بالنظر إلى دلالاتها الأخرى، موضحاً أن تصريح العمامي أشار إلى مهمة أخرى للقوة المشتركة، وهي ملاحقة التنظيمات الإرهابية "ما يعني أنها ستسحب من حفتر أهم الشعارات التي طالما عملت مليشياته تحتها وبرر من خلالها حروبه، فخصومه الذين يصفهم بالإرهابيين يتشاركون بهذه المهمة في مطاردة التنظيمات الإرهابية".
وفي سياق قراءته للخطوة، يعتقد زكري أن إنشاء القوة المشتركة تقف وراءه ضغوط دولية تعكس عدم ثقة المجتمع الدولي في جدية حفتر في الحرب على الإرهاب، خصوصاً بعد التفجيرات الأخيرة في سبها وزلة، التي تبناها "داعش"، رغم إعلان حفتر تنفيذ عملية عسكرية في الجنوب قبل شهرين لمطاردة الإرهابيين.
حساسية المنطقة التي ستتحرك فيها القوة الجديدة تعود لكونها مرتبطة بمجال لتحركات وتمركزات مسلحي "فاغنر" الروسية
وبعد أن تبنى "داعش" هجوماً انتحارياً على حاجز أمني جنوب سبها، مطلع يونيو/حزيران الماضي، أدى إلى مقتل ضابطين تابعين لجهاز البحث الجنائي، نشر صوراً على حساباته، في 25 من يوليو/تموز الماضي، لعناصره خلال عيد الأضحى في الجنوب الغربي لليبيا، على مقربة من الحدود المشتركة مع الجزائر، قبل أن يتبنى هجوماً انتحارياً جديداً على حاجز أمني قرب منطقة زلة، وسط البلاد، الأحد الماضي.
وكان حفتر قد أعلن، منتصف يونيو الماضي، إطلاق عملية عسكرية لملاحقة "الإرهابيين والمرتزقة" في الجنوب.
لكن الأكاديمي الليبي وأستاذ العلوم السياسية عيسى الغزوي، في المقابل، يشير إلى تضارب نفي المسماري مع ما نقله المحجوب عن العمامي، مرجحاً وجود ارتباك داخل معسكر حفتر حيال تشكيل قوة مشتركة، وهو ما قد يعكس تحفظاً من جانب حفتر يفهم منه وجود مخاوف لدى اللجنة العسكرية التي لم تعلن رسمياً تشكيل القوة، على أهميتها الكبيرة.
ورغم ذلك، فالأكاديمي الليبي يؤكد أن خطوة من هذا النوع لن تكون بمعزل عن الحراك الدولي، خصوصاً مواقف الدول المتدخلة عسكرياً في ليبياً، مشيراً إلى حساسية المنطقة التي ستتحرك فيها القوة الجديدة لكونها مرتبطة بمجال التحركات وتمركزات مسلحي "فاغنر" الروسية.
ويضيف في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه "قد يكون تشكيل القوة ورسم مجال تحركها في هذا الفضاء على علاقة بالمفاوضات الجارية بشأن إخراج القوات الأجنبية، وعليه فمن المؤكد أن موسكو بدلت مواقع تمركز مقاتلي (فاغنر) وتمركزت في مواقع أكثر أهمية بالنسبة إلى سياساتها، ومن المستبعد أن تبقى في مواقع مكشوفة لتحركاتها"، لكنه يتساءل في ذات الوقت: "ماذا أخذت موسكو من ضمانات مقابل مثل هذا التنازل؟".
وفيما يشير إلى أن اتفاقاً على تكوين قوة مشتركة لا يتماهى مع حالة التعقيد الشديدة في المسار السياسي، خصوصاً في العملية الانتخابية والتوتر الحاصل بين الحكومة ومجلس النواب، يرى الغزوي أن السياق الذي تتحرك فيه عواصم كبرى، كواشنطن في القاهرة وأنقرة وغيرها من العواصم المتصلة بالملف الليبي، يشير إلى وجود ظل لهذا الحراك الدولي وراء نقل طرفي الصراع من حالة التلامس والتماس إلى حالة التنسيق المشترك، ما سيكون له أثر مباشر في حثّ الأطراف على التوافق على الخطوات الممهدة للانتخابات، خصوصاً أن إجراء الانتخابات في موعدها المحدد لخلق طبقة سياسية جديدة هدف استراتيجي بالنسبة إلى الكثير من العواصم القريبة والبعيدة.