تراس وسوناك.. سباق على رئاسة حكومة بريطانيا بعيداً عن هموم المواطنين

تراس وسوناك... سباقٌ على رئاسة الحكومة البريطانية بعيداً عن هموم المواطنين

08 اغسطس 2022
الوضع الاقتصادي يؤرق الناخبين البريطانيين (مايك كيمب/Getty)
+ الخط -

ليس واضحاً حتى هذه اللحظة إن كان هناك المزيد من المناظرات التلفزيونية أمام المرشّحين لقيادة الحكومة البريطانية، وزيرة الخارجية الحالية ليز تراس ووزير المالية السابق ريشي سوناك، قبل الإعلان عن نتيجة هذا السباق في الخامس من أيلول/سبتمبر المقبل، إلا أن الواضح هو رغبة الناخبين البريطانيين بعدم مشاهدة مناظرات أخرى أو الإصغاء إلى المزيد من وعود المتنافسين وتعهّداتهما، التي تبدو حتى الآن منفصلة تماماً عن هموم الشارع البريطاني ومعزولة عن الأزمات الحقيقية التي تمر بها المملكة المتحدة. 

وحذّرت الدراسات والتحليلات من انزلاق المملكة المتحدة نحو الركود، حتى إن مؤسسة "ريفولوشن" أكّدت أن رئيس الحكومة الجديد، بغض النظر عن هويته، سيواجه تضخّماً يبلغ 15 بالمئة. 

مع ذلك، لا يبدو كلا المرشّحين مدركاً لما تقدّمه لهما مراكز الأبحاث والدراسات من أرقام مرعبة وتحذيرات خطيرة عما سيؤول إليه حال الاقتصاد خلال الأشهر القليلة المقبلة، كأنهما غير معنيين بالمطالب التي تؤرق ملايين البريطانيين.

منذ بدء السباق إلى زعامة "حزب المحافظين" ورئاسة الحكومة خلفاً لبوريس جونسون، الذي قدم استقالته في السابع من يوليو/تموز؛ لم يُقدم المتنافسان سوى على الانحراف إلى اليمين أكثر والتمسّك بمواقفهما المتشدّدة حيال قضايا لم تعد تشكّل بالنسبة للناخبين أهمية قصوى، كقضية الهجرة وبروتوكول أيرلندا الشمالية.

ويبدو جلياً أن الناخبين البريطانيين، فضلاً عن أن مخاوفهم من الهجرة قد تراجعت، يريدون، وفقاً لاستطلاعات الرأي، معايير أعلى في ما يخص الأغذية وسلامة المواد الكيميائية والسلع ورعاية الحيوان، وهم يفضّلون أيضاً تدفّق المزيد من الأشخاص من الاتحاد الأوروبي بدلاً من التضييق عليهم لملء الشواغر وسدّ العجز. 

كذلك، فإن النظام الصحي المتماسك يحتل جزئاً مهماً من احتياجات الناخبين، فيما لم يستفض المرشّحان بالحديث عن النقص الهائل الذي يعيشه قطاع الصحة وافتقاره للعدد الكافي من العاملين ومن المواد الطبية الأولية، ولم ينشغلا حتى في بحث طرق مواجهة هذه الأزمة. 

يُذكر أن انهيار النظام الصحي يحتل المرتبة الثانية في مصادر قلق الناخبين في معظم استطلاعات الرأي. 

ومن بين القضايا التي تحتل مراتب متقدمة من قلق الناخبين الإسكان، إذ ارتفعت أسعار العقارات بنسبة 11 بالمئة وباتت بعيدة أكثر فأكثر عن شريحة الشباب، إلا أنها أيضاً سقطت من دفتر وعود المرشحين.

قضية المناخ أيضاً بالكاد تظهر في المناظرات وفي عناوين الحملتين الانتخابيتين، في حين أنها تشغل مرتبة عالية من اهتمامات الناخبين. 

وما يثير الإحباط هو أن المرشّحين لا يتّكئان على استطلاعات الرأي لاحتواء مصادر قلق الناخبين، بل فقط لقراءة الأرقام التي تدلّ على تفوّق أحدهما على الآخر. وفي سعيهما لتوطيد مكانتيهما لدى أعضاء الحزب المؤثرين، أي المتشدّدين منهم، تجاهلا السواد الأعظم من الناخبين وهمومهم. 

وحتى اللحظة، لم يتنافس المرشّحان إلا على المزيد من التشدّد والإقصاء والأفكار المتطرّفة التي لا تخلو من العدوانية. 

في هذا السياق، جاء الاقتراح الذي قدّمه سوناك قبل يومين ليثير زوبعة من الانتقادات والرفض. ولإرضاء المتشدّدين من المحافظين، اقترح مضاعفة استراتيجية الردع التي تنتهجها الحكومة لمحاربة التطرّف. وتلك الاستراتيجية السابقة، التي وصفتها الصحافة البريطانية مراراً بالفاشلة، سبق أن ووجهت بالانتقادات لأن تعريف التطرّف وفقاً لها واسع النطاق وفضفاض. إلا أن سوناك فضّل التموضع على يمين الحكومة وعلى يمين الحزب أكثر فأكثر، مقترحاً توسيع تعريف التطرّف ليشمل "أولئك الذي يشوّهون بلدنا"، مشدّداً على "محاربة التطرّف الإسلامي".

وتشير الأبحاث التوثيقية إلى أن ثلث أعضاء "حزب المحافظين" يعتقدون أن المسلمين البريطانيين العاديين لديهم عداء تجاه بريطانيا، ما يعني أن سوناك يستجدي أصوات الحزب عبر "محاربته التطرف" في حين أن جزءاً كبيراً من أعضائه يمتلك آراء "متطرّفة" ضد المسلمين ونظرة نمطية لا تخلو من التأطير والعنصرية. 

الحملة الانتخابية لسوناك أعلنت عن هذه الخطوة وأرفقتها بما قد يقلّل من المخاوف والانتقادات، إلا أنها لم تنجح في إسكات الأصوات المستهجنة، لا سيما أصوات مسؤولين سابقين في شرطة مكافحة الإرهاب. 

تقول الحملة الخاصة لسوناك، وهو وزير المالية المستقيل، إن هذه السياسة لن تشمل من "يُقدم على انتقاد الحكومة أو السياسيات الحكومية"، لكن يبدو أن هذه التطمينات لم تكن كافية.

يعتقد قائد شرطة مكافحة الإرهاب السابق بيتر فاهي، في لقاء مع صحيفة ذا غارديان البريطانية، أن مقترحات سوناك لتعزيز برنامج الحكومة لمكافحة الإرهاب ونيّته توسيع تعريف التطرّف ليشمل الذين يسيئون إلى صورة المملكة المتحدة، تنطوي على "خطر الانزلاق إلى جرائم فكرية وقد تضرّ بالأمن القومي". 

وتطرح السياسة التي اقترحها سوناك الكثير من الأسئلة الخطيرة حول مصير الكتاب النقديين والصحافيين والقوميين من اسكتلندا وأيرلندا الشمالية، وقد يسهل على الحكومة اتّهامهم بـ"تشويه سمعة المملكة المتحدة"، ثم إن فكرة "تشويه سمعة بلدنا" هي فكرة راديكالية وغير ليبرالية وتعكس حجم التناقض والانقسام في صفوف الحزب، وأيضاً الحكومة التي تدّعي منذ تشكّلها حرية الفكر والتعبير. 

كما أنه يخشى أن تُدخِل هذه السياسة إلى المؤسسات البريطانية مصطلحات جديدة كالشكاية والتنمّر واستغلال الضعفاء وتشجيع التيار المتشدّد والعنصري، حيث يحقّ عندها لأي موظّف في القطاع العام إحالة زميل له للجهات المختصة لأنه "يشوه صورة بلدنا".   

يبقى أن هذه الخطوة الأخيرة، التي أعلن عنها سوناك قبل يومين، تعكس أيضاً مدى ابتعاده عما يدور في الأروقة الأكاديمية البحثية والاستطلاعية والتوثيقية، حيث يقول مثلاً مفوض الشرطة ورئيس قسم مكافحة الإرهاب مات جوكس إن 19 طفلاً، من أصل 20 قُبض عليهم خلال الأشهر الـ12 الفائتة بسبب جرائم الإرهاب، كانوا مرتبطين بأيديولوجيا يمينية متطرّفة. ما يعني أن أكثر التهديدات خطورة على الأمن القومي للبلاد خلال الأشهر الماضية لم تأت من التطرّف الإسلامي، بل من التطرّف اليميني. 

هذا لا ينفي التهديد الذي تشكّله الكثير من الجماعات الإسلامية المتطرّفة، لكنه ينفي بكل تأكيد أي علاقة وثيقة بين المرّشحين لرئاسة الحكومة البريطانية وبين هموم الناخبين والأرقام والإحصاءات التي تقدّمها مراكز الأبحاث. 

المساهمون