"تايم": هكذا تقوم روسيا بتجنيد الكوبيين للقتال في أوكرانيا

"تايم": هكذا تقوم روسيا بتجنيد الكوبيين للقتال في أوكرانيا

19 سبتمبر 2023
تعتبر كوبا واحدة من الحلفاء القدماء لروسيا (Getty)
+ الخط -

كشفت مجلة "تايم"، أمس الاثنين، عن وجود شبكات منظمة تابعة للجيش الروسي تعمل على استقطاب متطوعين من كوبا من أجل القتال ضد أوكرانيا، برواتب تصل إلى 2026 دولارا أميركيا، في خطوة رجحت المجلة أن تكون السلطات في كوبا متورطة في التستر عليها.

في 8 سبتمبر/ أيلول الجاري، أعلنت السلطات الكوبية أنها اعتقلت 17 شخصاً قالت إنهم يعملون في "شبكة لتهريب البشر" تعمل من روسيا لجذب شبان كوبيين من أجل القتال في أوكرانيا. وقالت الحكومة الكوبية، حينها، إنّ هذا يتعارض مع القانون المعتمد في البلاد.

لكن ما كشفته المجلة، من خلال استعراض وثائق ومنشورات مختلفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى مقابلات مع عائلات بعض الكوبيين الذين ذهبوا إلى روسيا، يظهر أن انضمام الكوبيين إلى الجيش الروسي كان يتم وفق عمليات أكثر تنظيماً وبرقابة من الجيش الروسي.

وبحسب المجلة، فقد بدأت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر في كوبا، في يونيو/ حزيران، بالإعلان عن عقود عمل مع الجيش الروسي براتب شهري قدره 20400 روبل (2086 دولارا أميركيا)، وهو مبلغ كبير جداً في كوبا، حيث يقل متوسط الراتب عن 50 دولاراً شهرياً.

وفي الخامس من سبتمبر/أيلول، نشرت مجموعة قراصنة أوكرانية ما يبدو أنه نسخة من العقد المكون من ست صفحات. وبحسب العقد المعلن، فقد تعهد الجيش الروسي بتعويض عائلة المتطوع بمبلغ مليوني روبل (حوالي 21000 دولار)، في حالة مقتل في الحرب. كما يطلب العقد أيضاً من المجندين ملء استبيان حول سبب تجنيدهم وكيف يشعرون تجاه الخدمة العسكرية.

ووفقاً للمجلة، فإن هذه الشروط شبيهة بتلك التي كانت موجودة في عقود سابقة روجت لها وزارة الدفاع الروسية علناً، بما في ذلك إمكانية الحصول على الجنسية الروسية للمجندين وعائلاتهم بموجب مرسوم وقعه الرئيس فلاديمير بوتين، العام الماضي.

ومن غير الواضح عدد المجندين الذين أسفرت عنهم حملة التجنيد، لكن المجلة استعرضت عدة رسائل بريد إلكتروني تم اختراقها، وثقت فقط ما يقارب 200 مجند كوبي مروا عبر المكتب العسكري الروسي، في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب. لكن تقديرات جماعات حقوق الإنسان الكوبية تشير إلى أن الأرقام تصل إلى حوالي 750 إلى 1000 مجند.

وفي حديثها مع المجلة، قالت مؤسسة حقوق الإنسان في كوبا، ومقرها ميامي، إنّه من بين 746 مجنداً قامت المؤسسة بتعقبهم، يبدو أن 62 منهم على الأقل جزء من مجموعة من القوات الخاصة الكوبية المدربة تدريباً عالياً.

وأظهرت مراجعات المنشورات التي يقوم بتداولها الكوبيون الذين انضموا إلى الجيش الروسي، التي رصدتها المجلة، أن غالبيتهم العظمى اختاروا القتال بإرداتهم، ولم يتصرفوا كما لو كانوا منخرطين في مخطط غير قانوني. إذ نشر العديد من هؤلاء المجندين صوراً مع دبابات روسية، وابتسموا مع كوبيين آخرين يرتدون زيهم العسكري الروسي الجديد، وتفاخروا بإرسال الأموال إلى وطنهم.

وقامت المجلة بمراجعة 199 جواز سفر لكوبيين تراوح أعمارهم بين 18 و69 عاماً، تجندوا في الجيش الروسي منذ منتصف يوليو/تموز، وتطابقت معلومات عن أكثر من 20 شخصاً منهم مع بملفات تعريف على وسائل التواصل الاجتماعي تؤكد أسماءهم ووجوههم ومسقط رأسهم.

السلطات الكوبية "قد تكون متورطة"

عندما أعلنت السلطات الكوبية أنها كشفت عن شبكة تعمل على "الاتجار بالبشر" لإغراء الكوبيين للقتال مع الجيش الروسي، قالت وزارة الخارجية الكوبية إنّ البلاد "ليست جزءاً من هذا الصراع"، كما أعربت عن "رفضها بشدة" المزاعم بأنها "متواطئة" في الحرب. 

لكن بحسب عشرات جوازات السفر التي طلبت المجلة من خبراء مراجعتها، فإن السلطات الكوبية "قد تكون على علم بصفقات التجنيد"، إذ أخبر العديد من المجندين أفراد عائلاتهم بأن المسؤولين الكوبيين لم يختموا "عن قصد" جوازات سفرهم قبل مغادرتهم البلاد للصعود إلى رحلتهم إلى موسكو، وهي خطوة بحسب "تايم"، تشير إلى محاولة واضحة للحفاظ على "قدرتهم على الإنكار".

تعتبر كوبا واحدة من الحلفاء القدماء لروسيا، وقد سعت منذ بداية الحرب في أوكرانيا إلى الحفاظ على حيادها المعلن، كما أن الدولة الفقيرة تعتمد على روسيا في الغذاء والنفط والاستثمار الاقتصادي، وقد وقعت أخيراً سلسلة من الاتفاقيات الثنائية التي تعهدت فيها موسكو بتخفيف النقص في الغذاء والنفط والاستثمار في صناعات السكر.

خبير في الشؤون الروسية: الحكومة الكوبية تدرك تماماً أن بوتين منبوذ في المجتمع الدولي، وأنها يمكن أن تعاني من عواقب وخيمة إذا كانت متورطة بشكل مباشر في الحرب ضد أوكرانيا

وعززت موسكو وهافانا علاقاتهما الدبلوماسية منذ العام الماضي. وفي نهاية 2022، التقى الرئيس الكوبي ميغيل دياز-كانيل نظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، وتوجهت وفود تضم رجال أعمال وممثلين سياسيين إلى البلدين.

والتقى وزير الدفاع الكوبي ألفارو لوبيس مييرا خصوصاً نظيره الروسي سيرغي شويغو، في يونيو/ حزيران الماضي.

لكن من جانب آخر، لا تستطيع كوبا أن تتحمل المزيد من المخاطرة بعلاقاتها مع الدول الغربية التي سعت إلى عزل روسيا كعقاب لها على حربها في أوكرانيا. والاتحاد الأوروبي هو ثاني أكبر شريك تجاري لكوبا وأكبر مستثمر أجنبي. وأوكرانيا، التي أوضحت أنها تعتقد أن هافانا متورطة في مخطط التجنيد، دفعت علناً الدول الغربية إلى الانتقام من خلال "قطع العلاقات الدبلوماسية مع كوبا".

ويقول خبير التجسس الكوبي كريس سيمونز، في حديثه مع المجلة، إنّ "فكرة عدم مشاركة الحكومة هي فكرة مثيرة للسخرية، لا شيء يحدث دون مشاركتهم"، لكن بما أن "السلطات الكوبية حرصت على إبقاء جوازات السفر غير مختومة، فلا توجد مسؤولية عن إحصاء الجثث، لأنه لا يوجد دليل على أنهم غادروا على الإطلاق من كوبا".

ويقول الخبير في الشؤون الروسية اللاتينية فلاديمير روفينسكي إنّ الحكومة الكوبية تدرك تماماً أن بوتين منبوذ في المجتمع الدولي، وأنها يمكن أن تعاني من عواقب وخيمة إذا كانت متورطة بشكل مباشر في الحرب التي يشنها بوتين في أوكرانيا. 

مصير مأساوي

وتنتشر منذ أشهر شائعات عن ظهور مجندين كوبيين على الخطوط الأمامية في أوكرانيا، ونظراً لإدانة الحكومة الكوبية هذه الجهود، واصفةً إياها بكونها عصابة لـ"الاتجار بالبشر"، فقد يكون من المستحيل على المجندين العودة إلى ديارهم، إذ إنهم قد يواجهون ما يصل إلى 30 عاماً في السجن لارتكابهم جرائم، بتعريف القانون الكوبي، بما في ذلك القتال كمرتزقة أو عمل عدائي ضد دولة أجنبية.

كما أوضح الخبراء الذين تحدثوا إلى المجلة أن القتال كمرتزقة لصالح روسيا سيمنعهم أيضاً من طلب اللجوء في العديد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة، ومن خلال عدم ختم جوازات سفر المجندين الذين غادروا إلى روسيا، فقد أقرت الدولة بأنهم غادروا البلاد بشكل غير قانوني.

وفي واشنطن، قالت وزارة الخارجية الأميركية إنها تقوم بتقييم تقارير عن مجندين كوبيين يقاتلون في أوكرانيا. وقال متحدث باسم الوزارة في بيان: "نشعر بقلق عميق من احتمال خداع الشباب الكوبيين وتجنيدهم للقتال من أجل روسيا في غزوها الوحشي واسع النطاق لأوكرانيا، ونواصل مراقبة هذا الوضع عن كثب".

وقد أوضحت أوكرانيا أنها لا تصدق نفي الحكومة الكوبية علمها بتجنيد المرتزقة، ودعت الاتحاد الأوروبي إلى التحقيق في الأمر من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة.