بوادر انفراج في أزمة المهاجرين على الحدود البولندية البيلاروسية

بوادر انفراج في أزمة المهاجرين على الحدود البولندية البيلاروسية

17 نوفمبر 2021
مهاجرون بالقرب من كوزنيكا على الحدود البيلاروسية البولندية (مكسيم غوشك/فرانس برس)
+ الخط -

بعد تصاعد حدة التوتر بين الاتحاد الأوروبي وبيلاروسيا على خلفية أزمة المهاجرين، تلوح في الأفق بوادر الانفراج، إذ أعلنت السلطات البولندية، اليوم الأربعاء، أن بيلاروسيا تنقل مهاجرين من معسكر حدودي.

ونقلت وكالة "أسوشييتد بريس" عن ماسيج واسيك، نائب وزير الداخلية: "لقد تلقيت معلومات تفيد بأن لوكاشينكو قدّم أولى الحافلات التي يستقلها المهاجرون ويغادرون فيها"، وأن "موقع المخيم بالقرب من كوزنيكا يفرغ ببطء".

لم يتضح إلى أين يتم نقل المهاجرين بسبب القيود التي يواجهها الصحافيون في العمل على جانبي الحدود، إذ فرضت قيود حالة الطوارئ في بولندا على الصحافيين وناشطي حقوق الإنسان البقاء بعيدا عن الحدود على طول منطقة يبلغ عمقها 3 كيلومترات.

تأتي هذه التطورات بعد الإعلان عن تواصل مباشر بين مسؤولين أوروبيين وبيلاروسيين لمحاولة حل الأزمة، فتحدّثت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، يوم الاثنين الماضي، عبر الهاتف. وكذلك تحدث مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل مع وزير الخارجية البيلاروسي فلاديمير ماكي، في 14 و16 نوفمبر/ تشرين الثاني.

ووفق بيان لوزارة الخارجية البيلاروسية، أطلع ماكي بوريل على الخطوات التي اتخذتها بلاده في سبيل الحد من تدفق المهاجرين الراغبين في دخول الاتحاد الأوروبي عبر أراضيها، وتقديم المساعدات إلى اللاجئين العالقين عند الحدود، وتعاون مينسك في هذا الصدد مع الوكالات الأممية المختصة.

وأضاف البيان أن الطرفين أكدا على ضرورة تسوية أزمة الهجرة الحالية في أسرع وقت ممكن، والإبقاء على قنوات الاتصال مفتوحة. تأتي هذه المحادثات المباشرة التي كان الكرملين قد دعا إليها، بعد تقليص الأوروبيين اتصالاتهم مع مينسك إلى الحد الأدنى منذ صيف العام 2020.

ويبدو أن جهود الوساطة الفرنسية الروسية بدأت تؤتي ثمارها، إذ كان الرئيس الفرنسي ونظيره الروسي قد اتفقا يوم الاثنين الماضي، في اتصال هاتفي، على ضرورة "خفض التصعيد" في أزمة المهاجرين على حدود بيلاروسيا وبولندا، وفق بيان للرئاسة الفرنسية.

وأشار البيان إلى أن بوتين أعلن أنه سوف "يبحث" المسألة مع نظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، وأبدى استعداده للمساهمة في حل هذا الملف.

دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية، قال إن بلاده مستعدة للمساعدة في حل أزمة الهجرة على حدود بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي، كوسيط في المفاوضات بين الجانبين. وأضاف بيسكوف في تصريحات صحافية يوم الاثنين، أنه "يمكن لروسيا المساعدة في حل أزمة المهاجرين على حدود بيلاروسيا مع الاتحاد الأوروبي كوسيط في المفاوضات".

ورحبت موسكو، اليوم الأربعاء، بالتواصل بين الطرفين، وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف "هناك تبادل لوجهات النظر لحلحلة (الوضع)، ومن المهم جدًا قيام تواصل مباشر".

مهاجرون

وكانت حدة التصريحات قد ارتفعت منذ يوم الجمعة الماضي، إذ نقلت وكالة فرانس برس عن نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس اعتقادها بأن حكومة لوكاشينكو "تمارس أنشطة مقلقة للغاية"، علِق على أثرها مهاجرون على الحدود في بولندا، ليعلن الرئيس الأميركي جو بايدن بعدها بيوم واحد عن اعتقاده بـ"أنها مشكلة"، وأن واشنطن قد بلّغت مخاوفها لروسيا وبيلاروسيا.

وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، لدى وصوله لحضور اجتماع وزراء خارجية الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إن الرئيس البيلاروسي يطالب برفع جميع العقوبات، وأضاف: "سنرد اليوم: سنزيد من تشديد العقوبات".

وفي محاولة منه لخفض حدة التوتر، أكد لوكاشينكو أن بلاده تعمل على إعادة المهاجرين العالقين عند الحدود مع بولندا، ولا ترغب بأن تتطور الأزمة إلى "نزاع"، وأن "العمل جار بشكل نشط في هذه المنطقة لإقناع الناس بالعودة إلى ديارهم، لكن أحدا لا يرغب بالعودة"، ووصف النزاع عند الحدود بأنه "أمر ضار للغاية بالنسبة إلينا".

وطالب الاتحاد الأوروبي، أمس الثلاثاء، بيلاروسيا بالعمل على إرساء الأمن على حدودها مع بولندا. جاء ذلك في اتصال هاتفي أجراه الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد جوزيب بوريل مع وزير الخارجية البيلاروسي فلاديمير ماكي، بحسب تغريدة نشرها الأول على حسابه على "تويتر"، لافتا إلى أنه سبق أن تناولا الأمر نفسه قبل يومين في اتصال مماثل.

ويتهم الاتحاد الأوروبي الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بتدبير عبور المهاجرين واللاجئين، ومعظمهم من الشرق الأوسط، ودفعهم باتجاه دول الاتحاد الأوروبي، ردا على العقوبات التي فرضها الأخير على مينسك في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي لا يعترف الاتحاد بنتائجها، وأفضت إلى إعادة انتخاب لوكاشينكو بعد "القمع الوحشي" الذي مارسه نظامه بحق المعارضة، والمظاهرات التي خرجت ضده.

تظاهرات 2020 في بيلاروسيا (سيرغي غابون/ Getty)

وكانت بولندا قد دعت حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى اتخاذ "خطوات ملموسة" لحل أزمة المهاجرين العالقين على حدودها مع بيلاروسيا. وأكد ماتيوش مورافيتسكي، رئيس الوزراء البولندي، أن بلاده وليتوانيا ولاتفيا قد تطلب إجراء مشاورات بموجب البند الرابع من معاهدة حلف الأطلسي، مشيرا إلى احتمال فرض المزيد من العقوبات الأوروبية على بيلاروسيا، بما في ذلك "الإغلاق الكامل للحدود"، مطالبا حلف شمال الأطلسي باتخاذ "خطوات ملموسة" لحل أزمة المهاجرين على الحدود مع بيلاروسيا.

وشهدت الحدود البولندية - البيلاروسية توترا، بعد أن توجه آلاف المهاجرين غير القانونيين نحوها، منذ الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني، لمحاولة عبورها في اتجاه بولندا، لتعزز قوات حرس الحدود البولندية موقفها بنشر آلاف من الجنود الإضافيين، لمنع المهاجرين من اجتياز حدودها، وأقامت سياجا أمنيا معلنة حالة الطوارئ، وحظرت التغطية الصحافية في المنطقة.

وتصاعدت التوترات يوم الثلاثاء الماضي بعد أن استخدمت القوات البولندية على الحدود خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع ضد المهاجرين، الذين رشقوها بالحجارة. واتهمت وارسو نظام لوكاشينكو بتزويد من يحاولون عبور الحدود بقنابل دخانية وأسلحة أخرى.

ووفقًا لأحدث الأرقام الصادرة عن الاتحاد الأوروبي، حاول حتى الآن 7935 شخصًا دخول الاتحاد الأوروبي، هذا العام، عبر حدوده مع بيلاروسيا.

ورغم بوادر الانفراج في أزمة المهاجرين، فإن ذلك لا يعني بالضرورة طي صفحة الخلاف بين لوكاشينكو والاتحاد الأوروبي، فالمسألة الديمقراطية في بيلاروسيا وبقايا الشيوعية في نظام لوكاشينكو يبقيان شأنين يهمان الأوروبيين، ومصدري توتر مستمرين بين الجانبين.

المساهمون