يواجه الرئيس التونسي، قيس سعيد، وابلاً من انتقادات خبراء القانون والمختصين في الشأن الانتخابي، بعد إصراره على الذهاب نحو الاستفتاء عبر دعوة الناخبين، أمس الخميس، للتصويت على دستور لم يجهز بعد، غير مبال بالمطبات التي تهدد استفتاء 25 يوليو/ تموز بالفشل.
وحذر خبراء القانون والشأن الانتخابي من إخلالات وصعوبات تحف مسار الاستفتاء على الدستور الجديد الذي ما زال غير جاهز، والمطبات التي تنتظر الهيئة الانتخابية، إضافة إلى الشغورات في اللجان المكلفة بصياغة الدستور.
وقال أستاذ القانون، الصغيّر الزكراوي، إنّه "كان يُفترض نشر أمر دعوة الناخبين إلى الاستفتاء، مرفوقاً بنصّ الدستور الجديد، باعتباره موضوع الاستفتاء أي أن يكون هذا الدستور جاهزاً"، ملاحظاً أنّ رئيس الجمهورية "أراد أن يحترم الآجال، لكن ذلك لا يجوز دون نصّ الدستور المُقترح".
واعتبر الزكراوي، في تعليق صحافي، أنّ نشر "مشروع الدستور موضوع الاستفتاء، بأمر رئاسي في أجل أقصاه يوم 30 يونيو 2022، هو استهانة بالدساتير وبالمصلحة العليا للبلاد"، موضّحاً أنّه "لا يمكن صياغة دستور في ظرف شهر إلا إذا كان هذا الدستور جاهزاً".
وأكد رئيس منظمة الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات "عتيد"، بسام معطر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هناك "صعوبات تعترض إجراء الاستفتاء مرتبطة بالتأخر الكبير في إدارة الانتخابات في إطلاق الأعمال اللازمة من أجل رزنامة الاستفتاء، بسبب الصعوبات المفروضة عليها لتنفيذ موعد 25 يوليو" وبين أن "هناك شغورات في هيئة الإعلام بهيئة الانتخابات وتأخر العمليات التحضيرية في ما يتصل بتسجيل الناخبين بسبب الضغط الزمني المرتبط بالقانون الانتخابي".
وبين معطر "وجود مخاوف من حرمان عدد كبير جداً من نحو 2.5 مليون ناخب غير مسجل من المشاركة في التصويت بسبب قصر مدة التسجيل التي لا تسمح بوصول الناخبين إلى حقهم في التسجيل والمشاركة في الاستفتاء" مؤكداً أن "واجب الهيئة أن توفر الفرصة كاملة لتسجيلهم ولممارسة حقهم".
وبين أن "الهيئة مرتبطة بقانون الصفقات العمومية الذي في احترامه تصبح الهيئة غير قادرة على إنجاز الأعمال في الوقت اللازم".
ويحتاج إنجاز بعض الصفقات العمومية في تونس إلى أشهر وقد يتطلب أحياناً نصف سنة أو أكثر بسبب ما يفرضه البند 104 من قانون الصفقات العمومية.
وتابع معطر أن "أمر دعوة الناخبين تم بالأمس مع تأخير نشر مضمون الاستفتاء وهذا ستكون عليه تبعات على عمل الهيئة وروزنامة حملة الاستفتاء، وتبعات حول مدى وصول الناخب على هذا المضمون ومحتواه" مشيراً إلى أن "الدستور يضم مجموعة من القوانين وليس من السهل على المواطن أن يفهم مضامينها، وكان يجب ترك مجال كاف أمام التداول المجتمعي والمواطني والحوار حول المشروع".
وشدد معطر على أن "الفترة وجيزة في 25 يوماً، بين 30 يونيو (الانتهاء من كتابة الدستور) و25 يوليو (موعد الاستفتاء) لاتخاذ موقف واضح من الدستور الجديد، وتطرح المخاوف من تطويع إرادة الناخب نحو التصويت للمرور من مرحلة إلى أخرى دون التفكر في المضامين الجديدة".
وبين المتحدث لـ"العربي الجديد" أن "هناك مخاطر تحوّل الاستفتاء حول التصويت مع شخص الرئيس لمساندته وليس على المضمون وكأنه طرح ثقة على ما تقدم به".
وأضاف أن "هناك غموضاً يلف الأحزاب المعنية بالحملة الانتخابية المساندة أو المعارضة كما ينص عليه القانون الحالي النافذ"، قائلاً إن "هذه نقطة صعبة وقد طرحت هذا السؤال على هيئة الانتخابات وكيف سيتم تنظيم الحملة وهل تعتبر أحزاب البرلمان القديم معنية بالحملة، وسننتظر اجتماع الهيئة غدا الجمعة للإجابة".
وحول "شغور تركيبة لجان داخل هيئة إعداد الدستور ورفض المشاركة فيها"، قال معطر إنه "كلما ارتفعت قاعدة التشاور والحوار كانت هناك مقبولية أكثر وحصانة لمشروع الاستفتاء وكل ما تقلصت يحدث العكس".
وبين معطر أنه "بمتابعة الأمر الرئاسي تم تعيين مجموعة بالاسم في اللجان، فيما تابعنا بياناً عن عمداء معتذرين عن المشاركة، وما زال الغموض قائماً وننتظر توضيح الرؤية في الأيام القادمة".
من جانب آخر، انتقد الخبير الدولي في الشأن الانتخابي، والرئيس السابق لمنظمة مراقبون، رفيق الحلواني، نصّ أمر الدعوة للاستفتاء الصادر أمس الخميس، مبيناً أنّ "إقرار الأمر الرئاسي فتح مكاتب الاقتراع من السادسة صباحاً الى العاشرة ليلاً، وهذا يمثل إشكالاً كبيراً على المستوى اللوجستي والأمني".
وقال الحلواني إنّ "بقاء مراكز الاقتراع مفتوحة إلى حدود العاشرة ليلاً يعني بقاء مكاتب الاقتراع مفتوحة أمام الناخبين إلى الحادية عشر ليلاً للإدلاء بأصواتهم، كما تبقى مراكز الاقتراع تعمل على عملية الفرز إلى ما بعد منتصف الليل وما يرافقها من صعوبات تنظيمية وأمنية".
وأضاف الحلواني في تصريح صحافي أن "كل البلدان التي أقرت تنظيم استفتاءات تكون لها سيناريوهات واضحة في حالة نيل موضوع الاستفتاء ثقة الناخبين أو الإخفاق، غير أن تونس ستدخل استفتاء 25 يوليو بسيناريو واحد واضح المعالم وهو فرضية نجاح الاستفتاء ونيل الدستور الجديد ثقة الناخبين، وأما فرضية التصويت بالأغلبية ضد الدستور الجديد غير واضحة حتى الآن".
ودُعي الناخبون بموجب مرسوم رئاسي في 25 يوليو إلى المشاركة في استفتاء على مشروع دستور جديد "للجمهورية الجديدة" خلفاً لدستور 2014 الذي علّق سعيد العمل بغالبية بنوده وأحكامه منذ 22 سبتمبر /أيلول 2021 ليعوضه بالأمر الرئاسي 117.
وينبغي على الناخبين التونسيين الإجابة بـ"نعم" أو "لا" للتصويت "هل توافق على مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية؟"، حسب النص الذي صدر في الجريدة الرسمية ليل الأربعاء الخميس.
"النهضة" تؤكد فشل مبادرات الحوار الصوري
سجّلت حركة النهضة التونسية "فشل مبادرات الحوار المسقط والصّوري والقائم على الإقصاء" وثمنت قي المقابل "المواقف المسؤولة الرّافضة للمشاركة الشكليّة في حوار معلومة نتائجه مسبقا" معتبرة أن "سياسة الهروب إلى الأمام إمعان في تعقيد الأزمة السّياسية وتعميقها. وتؤكد ثقتها في قدرة التّونسيّين على تجاوز هذه الأزمة والصمود أمام الخيارات الشعبويّة والمرتجلة".
وأصدر المكتب التنفيذي لحركة النهضة بيانا، اليوم، دان فيه "إصرار سلطة الانقلاب على مواصلة استهداف الثورة ومكتسباتها التي رسمها مسار تشاركي، والإمعان في تفكيك المؤسسات الدستورية والانقلاب الكامل على الشرعية ومكتسبات البلاد الديمقراطيّة، والتبشير بحكم تسلطي قائم على الانفراد بالرأي وفرض الخيارات أحادية الجانب وغلق باب الحوار الجدي والمسؤول مع مختلف الأطراف".
ولفت البيان إلى "غياب القضايا الوطنيّة الحارقة عن خطاب سلطة الانقلاب، والتدهور المسجل في كل القطاعات العمومية وتراجع المقدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع نسب الفقر والبطالة، إضافة إلى العزلة السياسيّة التي آلت إليها البلاد وضعف فاعليتها في القضايا الإقليمية والدولية ذات الصلة ببلادنا، وهو ما يعرّض المصالح العليا للبلاد إلى شتى أنواع المخاطر الاقتصادية والاجتماعيّة".