الهجمات على القوافل الجزائرية: عمل إرهابي معزول أم استدراج لمواجهة؟

الهجمات على قوافل التجارة الجزائرية: عمل إرهابي معزول أم استدراج لمواجهة في منطقة الساحل؟

12 يوليو 2022
قد تكون الهجمات محاولة لاستبعاد الجيش المالي وإبقاء المنطقة بيد المليشيات (فرانس برس)
+ الخط -

أعاد الهجوم الإرهابي على قافلة تجارية جزائرية، السبت الماضي، في منطقة غاو، شمالي مالي، القلق الجزائري حول الهجمات الإرهابية المتكررة ضد المدنيين في منطقة شمال مالي القريبة من الحدود مع الجزائر، وضرورة إيجاد طريقة لتأمين القوافل التجارية العابرة للساحل والصحراء، خصوصاً مع تطلع جزائري لافت لتنشيط حركة التجارة مع دول الساحل والصحراء.

وبحسب مسؤول جزائري مطلع، تدرس السلطات الأمنية والعسكرية الجزائرية تقارير ميدانية عن الهجوم الإرهابي الذي استهدف قافلة تجارية جزائرية شمالي مالي قرب الحدود الجزائرية، نفذته مجموعة مكونة من أربعة أفراد على دراجات نارية، أسفر عن إصابة ثلاثة من السائقين، أحدهم في حالة خطرة، "لاستخلاص الظروف المحيطة بالهجوم الإرهابي، خصوصاً أن هناك شكوكاً في إمكانية وجود تواطؤ بين أطراف عدة في المنطقة لها مصلحة في تعطيل حركة التجارة بين الجزائر ومالي، ومنع كثافة حضور جزائري في المنطقة".

 وأضاف المصدر نفسه أنه "من بين ما يمكن دراسته وفحصه، ما إذا كان استهداف القافلة التجارية في شمال مالي عملاً إرهابياً معزولاً، أو له صلة باستهدافات سابقة لقوافل تجارية في منطقة الصحراء قرب الحدود مع موريتانيا، وخاصة أن الجماعات المسلحة في شمالي مالي مترابطة مع مصالح متعددة وجهات وشبكات متداخلة".

ولفت المصدر إلى أنه "من غير المستبعد أن تكون هذه الهجمات جزءاً من محاولة ما لاستدراج الجزائر إلى مواجهة مفتوحة في منطقة الساحل".

وتتمركز في مناطق شمالي مالي مجموعات إرهابية بعضها يتبع لـ"القاعدة" وبعضها يتبع لـ"داعش"، إضافة إلى مجموعات مسلحة تنتمي إلى شبكات الجريمة والتهريب.

وللمرة الثالثة تتعرض قوافل تجارية لحوادث مماثلة بعد حادثي قصف شاحنات تجارية جزائرية على أراضي الصحراء الغربية المتنازع عليها، قرب الحدود مع موريتانيا.

وقبل أسبوعين، عبّرت وزارة الخارجية الجزائرية عن قلق بالغ إزاء التصعيد الأمني وعودة العمليات الإرهابية في منطقة شمال مالي، قرب الحدود الجنوبية مع الجزائر، على خلفية الهجمات الإرهابية التي وقعت في منطقتي ديالاساغو وبانكاس، وخلفت 132 قتيلا من المدنيين، وصفتها الخارجية بـ"الأعمال الإجرامية".

وتزايدت الهجمات الإرهابية شمالي مالي في الفترة الأخيرة، بشكل ملحوظ، مع انسحاب القوات الفرنسية من المنطقة بطلب من السلطة الانتقالية في مالي، واشتداد الصراع بين تنظيمي القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وتنظيم داعش على النفوذ في المنطقة. 

وقال المحلل المهتم بالشؤون الأمنية في مالي ومنطقة الساحل حسايم عيسى، لـ"العربي الجديد"، إن "القلق الجزائري مشروع، لأن تزايد الهجمات الإرهابية في شمالي مالي، يستهدف بالأساس استبعاد الجيش النظامي المالي من المنطقة، وبالتالي تبقى تحت نفوذ المجموعات المسلحة، ومليشيات فصائل الطوارق، وهذا يعني استبقاء المنطقة في وضع من الهشاشة الأمنية المزعجة بالنسبة للجزائر، التي لديها تخوفات من أن تحاول المجموعات الإرهابية مطاولة الأراضي الجزائرية مجدداً".

إجراءات تعزيز الأمن

لكن عدداً من المراقبين الأمنيين يعتبرون أن الجزائر معنية بأي تطورات سياسية وأمنية في منطقة شمالي مالي، وأنه من الممكن أن تكون الجماعات الإرهابية أو غيرها بصدد محاولة صد تمركز تجاري جزائري مع مالي، لا سيما بعد إعلان سابق للرئيس عبد المجيد تبون عن خطة لشق خط سكة حديد يربط الجزائر بمالي والنيجر عبر المناطق الحدودية لتسهيل حركة التجارة بتمويل قطري، وهو ما يفرض على الجزائر، بحسب الباحث المتخصص في الدراسات الأمنية عريبي بومدين، مراجعة بعض التدابير لضمان أمن المناطق الحدودية وتأمين حركة التجارة، وتعزيز خطة التمدد عبر شاحنات التجارة بدلا من التمدد عبر الانتشار الأمني الذي قد يخلق متاعب جدية.

 وقال عريبي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "لتعزيز الأمن على هذا النطاق الجغرافي، نشير إلى الآليات الداخلية، من خلال تعزيز البعد القانوني والتنظيمي بحماية ورقابة الحدود عبر التحقيق في هويات الأشخاص العابرين للحدود، وهناك الآليات الاجتماعية من خلال استغلال البعد الهوياتي في المنطقة عبر الاستثمار في علاقات القرابة بين طوارق الجزائر وطوارق مالي لفك الارتباط الوظيفي بين الجماعات الإرهابية وسكان المنطقة، حيث تستغل هذه الجماعات الهشاشة الاقتصادية بغية شراء ود سكان المنطقة لغرض تأمين مرورها. ومن ثم، فإن تعزيز الحس الوطني مهم في هذا السياق لضرب القواعد الخلفية للجماعات الإرهابية".

وأضاف أن ذلك يساعد كثيراً في تنفيذ الآليات العسكرية والأمنية المتعلقة بتكثيف المراقبة الأمنية، والقيام بإجراءات ميدانية عسكرية لمنع أي اقتراب للجماعات الإرهابية من العمق الجزائري، أو الانتقال لتنفيذ عمليات في العمق الجزائري، كما في حادثة تيغنتورين في عام 2013، فضلاً عن تعزيز الحدود الذكية من خلال استحداث آلية تكنولوجية لمراقبة الحدود عبر تكثيف أنظمة الاتصال والإشارة والرصد، والآليات الإقليمية بتعزيز التعاون الأمني والعسكري مع دول الجوار والآليات الدولية، من خلال التعاون الدولي في إطار الأمم المتحدة.

رئيس الأركان الجزائري: من حقنا أن نضطلع بدورنا في الأمن الإقليمي

في هذه الأثناء، قال رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحة، اليوم الثلاثاء، إن الجيش بات يملك مقومات مجابهة أية تهديدات مهما كان مصدرها، مشدداً في المقابل على حق الجزائر بالاضطلاع بدور استتباب الأمن الإقليمي.

وأضاف، شنقريحة خلال حفل تخرج الدفعات العسكرية بالأكاديمية العسكرية لشرشال (120 كيلومتراً غربي العاصمة)، أن "الجيش الذي بلغ مستوى عالياً من النضج والاحترافية ويواصل جهود العصرنة بشكل يمكننا من مواجهة أي تهديد مهما كان نوعه ومصدره".

ومضى قائلاً، في أول ظهور له بعد ترقيته إلى رتبة فريق أول الأعلى في الجيش، إن "من حقنا كأمة أن نضطلع بدورنا الريادي في منظومتنا الإقليمية وتعميم نعمة الأمن في محيطنا القريب والبعيد".

ويوضح محلل الشؤون السياسية والأمنية مولود صديق، تصريحات قائد الجيش، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، مبرزاً أنها "تتضمن إشارات يمكن أن تعطي تصوراً واضحاً عن تحول في مهم في العقيدة والمحددات الدفاعية للجزائر".

وتابع أن "ما يمكن ملاحظته أن هناك جملة إشارات عن وجود تطور وتطوير ذاتي من قبل الجزائر لمحددات الأمن القومي، وهذه المرة نلحظ دخول عاملين مهمين في هذا السياق، يتعلق الأول بالجانب الاستباقي لرصد التهديدات الارهابية ورصد التطورات المؤدية إلى التوترات الأمنية في المنطقة، والعامل الثاني هو تحول في جغرافيا أمن الجزائر، والذي لم يد مرتبط بالحدود الجغرافية، بل بأي مدى يمكن أن تصل اليه إسهامات البلاد في المنظور الأمني".

واعتبر المتحدث أن "هذه التحولات مردها إلى خروج الجزائر نهائياً منتصرة على المجموعات الإرهابية في الداخل، بعد عقدين من مكافحتها، وكذا للتطورات والخلخلة التي حصلت على مستوى العلاقات الاقليمية ودخول فواعل جديدة إلى الاقليم وترابط معقد بين مختلف أطراف المشهد الأمني في المنطقة جوار الجزائر".