الموت يبتلع جامعي الكمأة في البادية السورية

الموت يبتلع جامعي الكمأة في البادية السورية

12 مارس 2023
سوق الكمأة في حماة، 6 مارس الحالي (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

يبتلع موسم الكمأة في البادية السورية المزيد من السوريين، الذي يقعون ضحية تأمين لقمة العيش في منطقة مليئة بالألغام ويهددها خطر تنظيم "داعش" بشكل دائم، إضافة إلى انتشار مليشيات تابعة لإيران وأخرى لروسيا والنظام السوري، تتنافس على النفوذ في المنطقة.

والكمأة نبات تشتهر به المناطق الصحراوية في سورية جذوره تشبه حبات البطاطا الصغيرة. وشهدت البادية السورية أواخر الشهر الماضي ومطلع الشهر الحالي عمليات قتل واسعة وخطف لمدنيين يجمعون الكمأة من قبل مجموعات مجهولة، رجّح البعض ارتباطها بتنظيم "داعش"، بينما ذكرت مصادر محلية أنها تابعة لمليشيات إيرانية في هذه البادية مترامية الأطراف.

وفي أحدث عملية استهدفت جامعي الكمأة، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس الأول الجمعة، مقتل ثلاثة شبان "ذبحاً" واختطاف 26 شخصاً على الأقل، بينهم نساء، في بادية خناصر بريف حلب الجنوبي الشرقي، بالقرب من نقاط المليشيات التابعة لإيران. ورجّح المرصد أن يكون الخاطفون من خلايا تنظيم "داعش".

هجوم دير الزور

وفي السياق، أفادت شبكات إخبارية محلية منها "نهر ميديا" بأن عناصر الفرقة 17 العسكرية التابعة لقوات النظام اعترضوا، أول من أمس، طريق مجموعة من الأهالي في منطقة عين البوجمعة، غربي دير الزور، ومنعوها من الخروج إلى البادية، للبحث عن نحو 16 شخصاً من أبناء ريف دير الزور الغربي فُقدوا في البادية خلال الأيام القليلة الماضية، أثناء ذهابهم للبحث عن الكمأة.

كما قُتل شخص وأصيب آخر، الجمعة، بهجوم لمسلحين على مجموعة من أبناء دير الزور، كانوا يجمعون الكمأة في البادية الجنوبية الغربية. وقالت شبكات إخبارية محلية إن مدنيين خرجوا للبحث عن الكمأة تعرضوا لهجوم في غرب منطقة كباجب من قبل مجهولين بالرصاص، في محاولة لخطفهم. وبيّنت أن المدنيين فروا إلى سياراتهم ودار اشتباك إثر ذلك مع المجموعة المهاجمة أدى إلى مقتل شخص وإصابة آخر.

وأطلقت مليشيا "الدفاع الوطني" المدعومة من روسيا، ومليشيا "أسود الشرقية" التابعة للنظام، أمس السبت، حملة تمشيط في بادية ريف دير الزور الغربي، وذلك بحثاً عن جامعي الكمأة.


فراس علاوي: من الصعب الجزم بالجهة التي تقف وراء استهداف جامعي الكمأة

وكانت منطقة السخنة بالقرب من مدينة تدمر، وسط البادية، قد شهدت أواخر الشهر الماضي، مجزرة قُتل فيها 53 شخصاً بينهم 46 مدنياً وسبعة عسكريين على يد مجموعات مجهولة.

ونشرت شبكات إعلامية مقاطع فيديو لجثث القتلى الذين كما يبدو قتل أغلبهم بطلقات في الرؤوس. وتضاربت الأنباء في حينه عن الجهة المتهمة بالوقوف وراء المجزرة، ففي حين وُجهت اتهامات لتنظيم "داعش" بالوقوف وراءها، تحدثت مصادر محلية عن أن مسلحي مليشيا "فاطميون" ومليشيا "زينبيون"، التابعتين للحرس الثوري الإيراني، قتلوا هؤلاء الأشخاص، مشيرة إلى أن المنطقة التي قتلوا فيها تقع تحت سيطرة هذه المليشيات.

كما اتهمت الهيئة العامة لقبيلة بني خالد في بيان، مليشيا "فاطميون" بقتل 65 شخصاً من أبناء القبيلة كانوا يجمعون الكمأة، مطالبة المجتمع الدولي بمحاسبة المليشيات على الجرائم التي ترتكبها بحق السوريين.

وتسيطر المليشيات الإيرانية منذ عام 2017 على مدينة تدمر وريفها وأجزاء من البادية السورية والتي تشكل نحو نصف مساحة سورية. كما ينشط تنظيم "داعش" في البادية، التي باتت معقله الرئيسي على الجغرافيا السورية، وينفذ بين وقت وآخر عمليات ضد قوات النظام والمليشيات الإيرانية التي تتخذ من تدمر مقراً رئيسياً لها في قلب البادية الغنية بحقول وآبار الغاز.

وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان، منذ شهر فبراير/ شباط الماضي وحتى أوائل الشهر الحالي، مقتل أكثر من 130 شخصاً في البادية السورية خلال جمعهم الكمأة، غالبيتهم بنيران "داعش"، وفق "فرانس برس".

ويبدي الناشط المهتم بتوثيق الجرائم في البادية والشرق السوري أحمد الشبلي، في حديث مع "العربي الجديد"، اعتقاده بأن المليشيات الإيرانية "تقف وراء مقتل جامعي الكمأة ورعاة الأغنام في البادية السورية"، مضيفاً: "العشرات من المدنيين قتلوا بطلقات بالرأس في بادية السخنة وهذا أسلوب المليشيات في القتل، فضلاً عن أن هذه المليشيات تسيطر على منطقة خناصر في بادية حلب".

ويضيف: "تنظيم داعش قتل الكثير من السوريين على مدى السنوات الماضية وهو لا يقل إجراماً وفتكاً، ولكن ما يحدث لجامعي فطر الكمأة يحمل بصمات المليشيات الإيرانية".

هوية مستهدفي جامعي الكمأة

من جهته، يرى مدير مركز "الشرق نيوز" فراس علاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "من الصعب الجزم بالجهة التي تقف وراء استهداف جامعي الكمأة بهذا الشكل الواسع في البادية السورية"، مضيفاً: "لكن أغلب المصادر المحلية وهي الأقرب إلى الحدث تؤكد أن مجموعات من المليشيات الإيرانية هي من تقتل هؤلاء الأشخاص العزّل".


أحمد الشبلي: العشرات من المدنيين قتلوا بطلقات بالرأس

ويشير علاوي إلى أن "البادية السورية تشهد صراع نفوذ وسيطرة بين المليشيات الإيرانية من جهة، ومليشيات تابعة للنظام والروس من جهة أخرى، وللأسف يدفع ثمن هذا الصراع المدنيون الذين يجمعون الكمأة أو رعاة الأغنام ومن بقي من سكان البادية".

ويضيف أن "تنظيم داعش طرف في معادلة الصراع على النفوذ في البادية"، مشيراً إلى أن عملياته ضد المليشيات الإيرانية وقوات النظام "لم تنقطع أبداً خلال السنوات الماضية".

وتُعتبر البادية السورية ذات أهمية فائقة للجانب الإيراني، لوقوعها في منتصف الممر البري الآتي من إيران مروراً بالعراق وسورية وصولاً إلى لبنان. وتتبع البادية، التي تصل مساحتها إلى نحو 80 ألف كيلومتر مربع، إدارياً لمحافظات: دير الزور، الرقة، حلب، حماة، حمص، ريف دمشق، والسويداء.

وتضم العديد من حقول وآبار الغاز، منها حقل الهيل، وحقل آراك، وحقل حيان، وحقل المهر، وحقل جحار، وحقل أبو رياح، وحقل الشاعر، وهو أكبر حقل للغاز في البلاد، واستعادته قوات النظام من "داعش" في عام 2017.

في المقابل، تعد البادية الملاذ الأخير والواسع لتنظيم "داعش" في سورية، منذ أن خسر معقله الأخير في شرق البلاد مطلع عام 2019 في ريف دير الزور الشرقي. وتتحرك خلايا التنظيم عبر البادية بكل يُسر، مستفيدةً من التضاريس الصعبة، ومعرفتها بطبيعتها الجغرافية، بسبب سيطرة التنظيم عليها عملياً منذ عام 2015.

وينفذ التنظيم عمليات في طول وعرض هذه البادية التي تقع ضمن الحدود الإدارية لمحافظات دير الزور، الرقة، حلب، حماة، حمص والسويداء. وشنّ النظام والمليشيات الإيرانية عشرات الحملات تحت غطاء جوي روسي ضد "داعش" خلال السنوات الماضية، إلا أنها فشلت في الحد من خطره أو من عملياته، لاعتماد التنظيم على نصب الكمائن والهجوم المباغت، مستنزفاً قوات النظام والمليشيات التي تساندها.

وتؤكد مصادر محلية أن التنظيم يفرض سيطرته ليلاً على كامل البادية، بينما تتحصن المليشيات في مراكز لها، خصوصاً في مدينة تدمر الخالية تقريباً من سكانها.