العملية التركية المرتقبة شمالي العراق: قطع شرايين مسلحي "الكردستاني"

العملية التركية المرتقبة شمالي العراق: قطع شرايين مسلحي "الكردستاني"

29 مارس 2024
جندي تركي في دهوك العراقية، يونيو 2023 (أزكان بيلغين/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تركيا تجعل من إنشاء منطقة أمنية عازلة على حدودها مع العراق أولوية لمنع تسلل مسلحي "العمال الكردستاني" من شمال العراق، حيث تسيطر المنظمة على مناطق مثل جبال قنديل.
- مع ذوبان الثلوج، تتأهب السلطات العراقية لعملية عسكرية تركية كبيرة تهدف للقضاء على بنية "الكردستاني" وإنشاء منطقة عازلة بعمق 40 كيلومترًا داخل الأراضي العراقية.
- العملية التركية المرتقبة تعتبر حتمية لمواجهة هجمات "الكردستاني"، مع تشكيل لجان دائمة مشتركة لمكافحة الإرهاب بين بغداد وأنقرة، وتقديم مقترح لإنشاء غرفة عمليات مشتركة للتنسيق العسكري.

تضع تركيا مشروع إنشاء منطقة أمنية عازلة على حدودها مع العراق ضمن أبرز أولوياتها الأمنية الحالية لمنع تسلل مسلحي حزب "العمال الكردستاني"، الذين ينشطون على مساحات واسعة داخل الشمال العراقي، خصوصاً في سلسلة جبال قنديل العراقية، وجبال كارا الحدودية مع تركيا، وبلدات سوران وسيدكان وسيد صادق، وكاني ماسي، وزاخو والعمادية والزاب، وحفتانين.

قسم من هذه المناطق خرجت عن سيطرة بغداد وأربيل منذ سنين طويلة وتخضع لحكم "الكردستاني"، المصنف على لائحة الإرهاب في تركيا وفي دول غربية عديدة، واعتبرته بغداد منتصف الشهر الحالي "منظمة محظورة".

ومع انتهاء فصل تساقط الثلوج في الشمال العراقي وقرب دخول فصل الصيف، تتحسب دوائر عراقية في أربيل وبغداد، من عملية عسكرية تركية ضخمة جوية وبرية للقضاء على البنى التحتية لـ"الكردستاني" داخل العراق، وإنشاء منطقة عازلة يصل عمقها إلى 40 كيلومتراً داخل الأراضي العراقية، لمنع تسلل عناصر الحزب منها إلى داخل الأراضي التركية.

هذا الترقب لم يكن ناجماً عن تحليلات، بل بناء على لقاءات عقدها مسؤولون عراقيون في بغداد وأنقرة مع نظرائهم الأتراك، وأكدوا رغبتهم في تأمين حدودهم مع العراق بإنشاء منطقة أمنية عازلة، على اعتبار أن بغداد لم تتحرك لمنع استخدام أراضيها منطلقاً لشن اعتداءات على تركيا.

وخلال الشهرين الماضيين، عقدت بغداد وأنقرة عدة لقاءات عسكرية وأمنية ودبلوماسية، ركز فيها الطرفان على الملف الأمني الذي تعده تركيا "أولوية"، بينما ركز العراق على مشكلة مياه نهري دجلة والفرات، وسعيه للحصول على حصص إضافية من المياه من دولة المنبع (تركيا).


مسؤول بالخارجية العراقية: العملية التركية ستحول "الكردستاني" إلى مشكلة عراقية داخلية

وفي 14 مارس/آذار الحالي، زار وفد تركي رفيع بغداد، ضم وزير الخارجية هاكان فيدان، ووزير الدفاع التركي يشار غولر، ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن، مع قيادات عسكرية وأمنية، وعقد الوفد سلسلة اجتماعات مع مسؤولين عراقيين، كان أبرزها اجتماع مغلق دام أكثر من ثلاث ساعات، مع وزراء الخارجية فؤاد حسين والدفاع ثابت العباسي، ومستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، ورئيس "هيئة الحشد الشعبي" فالح الفياض.

قبل هذا الاجتماع بأربعة أسابيع كان وزير الدفاع التركي يشار غولر، وعدد من كبار القادة العسكريين في الجيش التركي، يتقدمهم رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش التركي الجنرال متين غوراك، في بغداد، أيضا لبحث ملف الأمن والحدود.

إقرار أنقرة العملية التركية في العراق

في السياق، قال مسؤول عراقي في وزارة الخارجية في بغداد، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "تركيا أقرت العملية التركية الجديدة داخل الأراضي العراقية، والهدف هو تطهير المناطق الحدودية مع أراضيها وجعلها منطقة عازلة تمنع تسلل مسلحي حزب العمال". واعتبر هذا الإجراء بأنه سيحول حزب "العمال الكردستاني"، إلى "مشكلة عراقية داخلية"، على اعتبار محاصرته داخل العراق فقط.

ووفقاً للمسؤول ذاته، فإن تركيا قدّمت للعراق مقترحاً بإنشاء غرفة عمليات مشتركة للتنسيق العسكري، بما يُمكّن الجيش العراقي وقوات البشمركة (قوات أمن إقليم كردستان العراق) في النهاية من الدخول إلى الأراضي التي "ستطهرها تركيا من الكردستاني".

وأشار إلى أن العملية التركية المرتقبة ستكون في الغالب من خلال مراحل جوية وبرية وبناء على معلومات استخبارية، لكنه كشف عن وجود ضغوط على الحكومة العراقية من قبل أطراف في "الإطار التنسيقي" والفصائل المسلحة لرفض العملية، وهو رفض لن يكون له معنى، بحسب المسؤول ذاته، كون تركيا ماضية في مشروع المنطقة الآمنة بكل الأحوال.

هذه المعلومات أكدها مسؤول في اللواء 80 بقوات البشمركة الكردية، لـ"العربي الجديد"، قائلاً إن العملية أكيدة لكن الوقت المتوقع غير معلوم، وقد يتضح أكثر بعد الزيارة المرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق المقررة بعد نهاية شهر رمضان (في الأسبوع الثاني من شهر إبريل/نيسان المقبل). واعتبر أن تكرار هجمات "الكردستاني" على المواقع العسكرية التركية يجعل العملية أمراً حتمياً.

وبحسب البيان المشترك بين بغداد وأنقرة بعد زيارة الوفد التركي في 14 مارس الحالي، فقد اتفق الطرفان على "تشكيل لجان دائمة مشتركة في مجال مكافحة الإرهاب". كما أكد البيان اعتبار "حزب العمال الكردستاني تهديداً أمنياً للبلدين، وأن وجوده على الأراضي العراقية هو خرق للدستور"، مشدّداً على "تشاور الجانبين بشأن الإجراءات الواجب اتخاذها ضد الكردستاني وامتداداته المحظورة".

ورحبت تركيا بالقرار المتخذ من قبل مجلس الأمن الوطني العراقي، باعتبار "العمال الكردستاني" تنظيماً محظوراً في العراق. كما كشف البيان عن بحث الاستعدادات لزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المرتقبة إلى بغداد بعد شهر رمضان، الذي اعتبرها البيان المشترك أنها "زيارة تاريخية"، وأنه "من المؤمل أن تكون نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين".

لا اجتياح برياً

بدوره، اعتبر الخبير بالشأن العراقي الكردي، الضابط السابق في قوات البشمركة، عثمان أمين هورامي، لـ"العربي الجديد"، أن العملية التركية لن تكون بصورة الاجتياح البري على الاطلاق. وأضاف هورامي: "الأتراك سينفذون غارات جوية كثيفة بالطيران المسير والحربي وعمليات إنزال جوي، بناء على مسح جوي ومعلومات عن مواقع ومخابئ حزب العمال الكردستاني".

ورأى هورامي أن العملية المرتقبة قد تكون مجرد توسيع للعمليات الحالية، لكن السؤال هو "إمكانية نجاح العملية مع وجود خطوط خلفية للكردستاني في مناطق سيطرة قسد (قوات سوريا الديمقراطية)، لذا قد تكون طويلة زمنياً وتعتمد على فكرة قضم أراضي سيطرة الكردستاني تدريجياً، ما يعني قطع شرايين إمداد وتنقل الحزب بين البلدين".

ولفت إلى أن أربيل أمام تحد أمني آخر، وهو منع انتقال مسلحي "الكردستاني" إلى مناطق جديدة داخل الإقليم حال تراجعهم من مناطق وجودهم الحالية. وختم بالقول إن "بغداد تجد نفسها بحاجة إلى تركيا في ملف المياه والتجارة وطريق التنمية بين البصرة والأراضي التركية، وملفات أمنية أخرى، لذا لا مصلحة لها في عدم التجاوب مع تركيا في ملف الحزب، الذي بات يشكل عامل قلق أمني في نينوى وكركوك أيضاً".


مسؤول في البشمركة: العملية أكيدة لكن الوقت المتوقع غير معلوم

من جهتها، نقلت وسائل إعلام كردية بمدينة أربيل، تقريراً عن منظمة "فرق صانعي السلام"، معنية بملف الأمن داخل الإقليم، تحذيرها من عملية عسكرية تنوي تركيا تنفيذها على الحدود، خصوصاً في جبل كارا في الربيع الحالي، موضحة أنها تشكل خطراً على حياة 190 عائلة في 39 قرية.

وذكر تقرير المنظمة أنه "بعد سبع عمليات عسكرية جوية وبرية للجيش التركي في الفترة بين ديسمبر/كانون الأول 2017 وإبريل/نيسان 2022، احتلت تركيا 86.2 في المائة من الحدود بين العراق وتركيا (نحو 316 كيلومتراً من أصل 367 كيلومتراً التي تشكّل طول الحدود بين البلدين) وبعمق 40 كيلومتراً، وأنشأت 64 قاعدة عسكرية داخل أراضي إقليم كردستان".

وعن تفاصيل العملية التركية المتوقعة، ذكرت المنظمة: "تطمح تركيا من خلال عمليتها المتوقعة إلى السيطرة على سلسلة كارا الجبلية، من أجل إقفال الحدود بين إقليم كردستان العراق وتركيا بصورة كاملة وإنهاء تحركات مقاتلي الكردستاني وإنهاء وجودهم في سلسلة كارا الجبلية بالكامل".

وحسب التقرير "تقوم تركيا حالياً بالإعداد للعملية العسكرية، وفي هذه المرحلة تقصف القرى في محيط جبل كارا". وأكد التقرير أنه "تمهيداً للإعلان الرسمي عن العملية، شنت تركيا عمليات قصف عديدة، وخلال أول 70 يوماً من العام الحالي، نفذت تركيا 141 عملية قصف ضمن حدود محافظة دهوك، استهدفت 75 منها القرى المحيطة بجبل كارا".

وعن الهدف من الهجمات وعمليات القصف، وضعته المنظمة في إطار "الضغط على أهالي القرى المحيطة بجبل كارا لإخلاء قراهم، ما يسهل على تركيا تنفيذ عمليتها واحتلال مساحة أوسع من أراضي المنطقة". ووصفت جبل كارا بالمنطقة الإستراتيجية "التي تعد الطريق الرئيس لحركة مقاتلي حزب الكردستاني في المنطقة وتربط بين محافظتي أربيل ودهوك" إلى جانب "تحول كهوف ووديان هذه السلسلة الجبلية إلى ملاذ لتدريب واختباء عدد كبير من مقاتلي الكردستاني".

ويبلغ ارتفاع جبل كارا العراقي الحدودي، 2251 متراً عن مستوى سطح البحر، ويربط بين أقضية عقرة والعمادية وزاخو بمسافة 38 كيلومتراً، وعلى سفوح الجبل تتمركز 94 قرية، 55 منها أخليت في 1996 نتيجة القصف والاجتياح التركيين للمنطقة.

وفي 7 مارس الحالي، كشفت صحيفة "حرييت" التركية، أن الاستعدادات متواصلة من قبل تركيا لإجراء عملية عسكرية برية واسعة في شمال العراق، تؤدي إلى إكمال السيطرة على المنطقة الحدودية بين البلدين (ضمن الأراضي العراقية) وبعمق 40 كيلومتراً.

تعزيز القواعد العسكرية التركية

وأفادت "حرييت" بأن الاستعدادات مستمرة من أجل عملية برية واسعة في منطقة "عملية المخلب ـ القفل"، وقبل ذلك تم الاتفاق مع حكومة إقليم كردستان العراق في أربيل والحكومة المركزية، في إشارة إلى حكومة محمد شياع السوداني ببغداد.

وبينت أن من الأهداف المقبلة للعملية تعزيز القواعد العسكرية هناك، وتأسيس قواعد مؤقتة ودائمة جديدة في المنطقة، وتنفيذ عمليات عسكرية بدعم جوي للقضاء بشكل كامل على مواقع وتحصينات حزب "العمال الكردستاني".

كريم المحمداوي: لا علم للعراق بنيّة تركيا شن عملية برية جديدة

وأوضحت "حرييت" أن العمليات ستشمل كل الحدود التركية العراقية، من أجل إحكام السيطرة بشكل كبير عليها، وضمنها مغاور في منطقة غارا، على الرغم من تدميرها سابقاً، فغرض الخطة الجديدة هو منع "الكردستاني" من العودة بشكل نهائي إلى المنطقة، وأن تكون دائماً تحت السيطرة التركية.

وتابعت الصحيفة: سيترافق مع العمل العسكري عمليات استهداف مركزة، تؤدي بالنهائية إلى تشكيل منطقة آمنة بعمق 40 كيلومتراً، كما جرى في سورية، على طول الحدود، في وقت سيتم تنفيذ العمليات العسكرية بدعم استخباري من حكومة أربيل، وينتظر أن يتم اتخاذ إجراءات تناسب العمليات في السليمانية وسنجار ضد مسلحي "الكردستاني".

وشددت الصحيفة على أن تركيا توجه تحذيرات للقيادي الكردي في السليمانية بافل طالباني، الذي يقدم الدعم لحزب "العمال الكردستاني"، وأن مواصلته للدعم ردت عليه تركيا بعمليات استهداف لقيادات في "الكردستاني" بالسليمانية، حيث تم القضاء على 3 قياديين في فترة قصيرة.

لكن رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي كريم المحمداوي، قال لـ"العربي الجديد"، إن "العراق ليس لديه أي علم بنيّة تركيا شن أي عملية برية جديدة داخل العمق العراقي". كما شكك المحمداوي في إبلاغ أنقرة للعراق بهكذا عملية، مشيراً إلى أن "العراق يعمل على ترتيب لزيارة مرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال الفترة المقبلة، لترتيب أوراق هذه الزيارة".

ومنذ منتصف عام 2021، تستهدف العمليات العسكرية التركية البرية والجوية مقرات ومسلحي "الكردستاني" في الشمال العراقي، وتحديداً مناطق ضمن إقليم كردستان، وتقع أغلبها بمحاذاة الحدود مع تركيا، حيث يتخذ الحزب منها منطلقاً لشن اعتداءات مسلحة في الداخل التركي.

وأدت عمليات القوات التركية خلال الفترة الماضية إلى مقتل المئات من المسلحين، وتدمير مقرات ومخازن سلاح ضخمة تابعة للحزب، وفقاً لبيانات وزارة الدفاع التركية، كما أسهمت في انحسار واضح للمساحة التي كان الحزب ينتشر فيها على الحدود بين البلدين. وينتشر "العمال الكردستاني" في مناطق عدة من إقليم كردستان العراق، أبرزها سوران وسيدكان وقنديل وزاخو والزاب والعمادية وحفتانين، وكاني ماسي، إلى جانب مخمور وسنجار غربي نينوى.