العرب يوم تؤكل الثيران

العرب يوم تؤكل الثيران

21 يناير 2022
أصبحت الجامعة العربية مكتب إصدار بيانات موسمية (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

إذا ما نُحي في المشهد العربي نقاش قضايا الفساد ودولة القانون والحريات، رغم أنها أهم حصون حماية الأوطان، فإن رتابة "العمل العربي المشترك" تهدد حتى المتوهمين بالخلاص الفردي.

وليس من عاقل ينفي العلاقة بين مستوى صحة الوضع الداخلي للمجتمعات وقوة السياستين الخارجية والأمنية-الدفاعية لها. واختلال العلاقة لمصلحة الحفاظ على منظومات الحكم تُنتج حالة عربية من الفرجة الهامشية، أو شراء تحالفات اتقاء الشرور. بل أخطر ما ينتجه ذلك هو المزيد من الانكفاء والتشرذم والاستغلال، وغياب وزن عالمي وإقليمي، كما هو حال كثيرين منذ سنوات.

ومن المفترض أن "الجامعة العربية"، التي تكبر الاتحاد الأوروبي بسنوات، تمثل ذلك العمل المشترك. لكنها لم تعد تظهر سوى كمكتب إصدار بيانات موسمية، يحفظ العربي معظم مضامينها، من الاستنكار والإدانة والمناشدات. والأمر سيان في قضايا الأمة، من الخليج والمشرق إلى المغرب.

وفي الوقت الذي تتجه فيه الدول نحو تأسيس تكتلات، حتى في أفريقيا وآسيا، قريباً من العرب، يتزايد للأسف ضجيج الخلافات العربية البينية، إلى حد التعبئة العسكرية والأمنية، وهدر الموارد.

وإقليمياً تظل مظلوميات النظام العربي، سواء الباحث عن تحالفات مع تل أبيب بوهم خوضها حربه، أو المدعي "مقاومة"، الثابت في غيبوبة استراتيجية مشتركة لمواجهة التحديات الإقليمية.

وحتى لا نصل إلى أمثلة استحضار استنفار إسكندينافيا دفاعاً عن السويد بوجه روسيا، وتكتل القارة الأوروبية حفاظاً على الحد الأدنى للمصالح، فهذا الإقليم يقدم نماذج على مستوى الضعف الذي أدخل فيه بعض العرب دولهم.

الجار التركي لا يتردد منذ سنوات في رسم حدود دوائر أمنه ومصالحه القومية، ممتدة من منطقتنا إلى آسيا الوسطى والقوقاز وأفريقيا، وذلك بمعزل عن طبيعة الحكم المستقبلي.

وطهران من ناحيتها، بسياسات علنية وخفية، لم تتردد باختراق العالم العربي، بدماء أبناء المنطقة، لتحقيق مصالحها القومية، وإن سُوقت بشعارات "ثورية" و"إسلامية". فالتلاعب واللعب في الساحات العربية، من اليمن إلى ليبيا، لا يجابه بالمظلوميات والبيانات، ولا حتى تبني خيار "الاحتماء" بقوة الآخر.

باختصار، ومنذ نهاية الحرب العراقية-الإيرانية و"الخليج الثانية" في 1991، توقف العقل السياسي العربي عن استيعاب الحد الأدنى لثوابت المصالح المشتركة. ولعل لبقية المشهد المأساوي الحالي تتمة كارثية مستقبلية، في الإمعان بسياسة الفرجة الهامشية، حتى وإن ظن البعض أنه لن يصل إلى مقولة "أُكلنا يوم أُكل الثور الأبيض".

المساهمون