العراق: أزمة بعد اتهامات للجنة كتابة الدستور بتلقي رشى

العراق: أزمة بعد اتهامات للجنة كتابة الدستور بتلقي رشى

12 سبتمبر 2021
أكد الزبيدي امتلاكه أدلة حول اتهاماته (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

فجّر وزير الداخلية العراقي الأسبق، باقر جبر الزبيدي، أزمة سياسية لاقت تفاعلاً سريعاً في الشارع العراقي والوسط السياسي، بعد إعلانه عن امتلاكه معلومات تؤكد تلقي جميع أعضاء لجنة كتابة الدستور العراقي رشى مالية بلغت 150 ألف دولار أميركي، من مسؤولين أميركيين، خلال فترة إعدادهم الدستور الذي أقر عام 2005، بعد نحو عام ونصف من الغزو الأميركي للبلاد. وشهدت بغداد وأربيل والنجف خلال اليومين الماضيين تصريحات ومواقف سياسية مختلفة، تضمنت دعوات إلى فتح تحقيق موسع بناءً على الإعلان، أو دعوة القضاء للتحقيق في الموضوع، والزبيدي إلى تقديم أدلته التي يملكها بشأن ذلك، بينما هدّد أعضاء مشاركون في كتابة الدستور برفع دعوى قضائية ضد وزير الداخلية الأسبق.

أكد الزبيدي تلقي أعضاء اللجنة رشى من الأميركيين بمبلغ 150 ألف دولار

وأُقر الدستور العراقي عام 2005، ببنود وفقرات لا تزال تثير الجدل حولها، بدءاً من ديباجة الدستور الأولى التي استبدلت عبارة أن العراق دولة عربية، المنصوص عليها منذ العهد الملكي مطلع القرن الماضي، إلى "العراق دولة متعددة القوميات والأديان والمذاهب". ورسّخ الدستور مفردة المكونات التي أسّست للمحاصصة الطائفية في العراق، والتي أنهكت البلاد لاحقاً، وانتهاء بقانون البرلمان والنظام الفيدرالي الذي أعطى الحقّ لأي محافظة، أو لمحافظات مجتمعة عدة، في اختيار الذهاب نحو إقليم مستقل إدارياً، على غرار إقليم كردستان العراق.

وقال الزبيدي، وهو أحد العراقيين الذين قاتلوا إلى جانب إيران في الحرب العراقية - الإيرانية (1980 ـ 1988)، إن "أعضاء لجنة كتابة الدستور، جميعهم من السنّة والشيعة والأكراد، تمّ الضحك عليهم بأن يأخذوا علناً 150 ألف دولار أميركي"، مبيناً في مقابلة متلفزة أن "اللجنة لم تكتب الدستور بالإكراه أو تحت التهديد، بل بعد استلام أموال". وأكدت مصادر قضائية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، أن محكمة الرصافة في العاصمة العراقية، تلقّت يوم الخميس الماضي، عبر محامي عدد من أعضاء لجنة كتابة الدستور، دعوى ضد الزبيدي، لافتة إلى أن الدعوى تشمل أيضاً التشكيك في الدستور واستقلاليته عبر الادعاء بأن من كتبه تلقى رشاوى.

وكتبت الدستور العراقي لجنة موسعة استمر عملها شهوراً عدة، ورشّحت أعضاءها، بدعم أميركي ومن بعثة الأمم المتحدة في العراق، أحزابٌ سياسية نافذة لم تكن بعيدة عن صورة المحاصصة الطائفية لجهة تكوين عدد الأعضاء، وظهر ذلك واضحاً أيضاً في بعض بنود الدستور المكتوبة. وضمّت اللجنة حينها 55 عضواً، من الأحزاب والقوى التي تألف منها مجلس الحكم الانتقالي الذي أسّسه الحاكم المدني الأميركي بول بريمر.

وتواصل "العربي الجديد" مع مسؤول في مكتب باقر جبر الزبيدي، الذي أشار إلى أن "بعض أعضاء لجنة كتابة الدستور العراقي، طالبوا الزبيدي بالاعتذار عبر المحطة الفضائية ذاتها التي ظهر فيها وتحدث بخصوص الرشاوى، وهي قناة التغيير، لكن الزبيدي يرفض الاعتذار". وبيّن المصدر أن "مكتب الزبيدي يمتلك الأوراق والإثباتات التي تؤكد استلام هؤلاء الأعضاء لهذه المبالغ، وأنه يستعد لطرح ما يملكه عبر وسائل الإعلام العراقية".

تمّ رفع شكوى ضد الزبيدي، مع مطالبته بالاعتذار

ودعا السياسي الكردي محمود عثمان، مجلس القضاء الأعلى والادعاء العام العراقيين، إلى فتح تحقيق جنائي في حقّ الزبيدي. وقال عثمان في بيان: "كعضو في اللجنة المذكورة، أدعو مجلس القضاء الأعلى والادعاء العام، إلى فتح تحقيق جنائي في هذه الاتهامات الخطيرة، وذلك لكشف الحقائق للعراقيين، أو لمقاضاة الزبيدي في حال عدم إثبات هذه الاتهامات". أما القيادي في الحزب الشيوعي العراقي، حميد مجيد موسى، فقال في بيان إن الزبيدي "ذكر كذباً وافتراءً بأن جميع أعضاء لجنة كتابة الدستور استلموا مكافأة قدرها 150 ألف دولار على دورهم في تمرير الدستور"، موضحاً أنه "لمّا كان هذا الادعاء مجرد افتراء وبعيداً تماماً عن الحقيقة والواقع، فقد عمدت مجموعة من أعضاء اللجنة، وأنا من ضمنهم كممثل لقائمة اتحاد الشعب في الجمعية الوطنية، إلى مطالبته بتكذيب الخبر، وبالاعتذار علناً، وعبر البرنامج التلفزيوني والقناة ذاتها، عن هذا الادعاء الباطل والظالم... وإلا فسترفع ضده دعوى قانونية أمام القضاء".

من جهته، شدّد وائل عبد اللطيف، وهو أحد أعضاء لجنة كتابة الدستور، على أن "اللجنة التي أشرفت وكتبت الدستور العراقي، ليست قليلة، بل مؤلفة من عشرات الأعضاء، وكان من بينهم ممثلان عن مرجعية النجف (السيد علي السيستاني)، وهما أحمد الصافي وعلي الصافي، كما أن الفترة التي كتب فيها الدستور سبقها خروج للأميركيين على مستوى التمثيل السياسي، ولم يكن هناك غير القوات الأميركية التي لم تتدخل بعملنا نهائياً". وأضاف عبد اللطيف في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "ما تحدث به باقر جبر الزبيدي، الذي تولى منصب وزير في أربع حكومات عراقية، كذب وافتراء، فهو لا يملك أي أدلة أو مصادر حقيقية حول ما تحدث به، وقد توجّه عدد من أعضاء اللجنة إلى القضاء ورفعنا شكوى في حقّ الزبيدي، ومنهم حميد مجيد موسى وعدنان الجنابي وفؤاد معصوم ومحمود عثمان، بعدما توقعنا أنه سيعتذر".

وتعليقاً على ذلك، رأى النائب المستقل في البرلمان العراقي، باسم خشان، أن "الدعايات والشائعات والمعلومات المغلوطة، هي سمّة دائمة الحضور خلال مواسم الانتخابات، لذلك فمن الطبيعي أن تظهر مثل هذه التعليقات. وسواء كانت صحيحة أو مغلوطة، فإن ظهورها في هذه الفترة، يعني أن هناك تنافساً سياسياً ومحاولة من قبل جهات سياسية للظهور مجدداً على الساحة، بعدما انتهت على مستوى التداول السياسي والشعبي والإعلامي، وهذه الأخبار هي مجرد قنابل إعلامية عادة ما يسعى السياسيون إلى إطلاق مثلها بين فترة وأخرى". وأوضح خشان، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "ما صرّح به الزبيدي عبر الإعلام بشأن رشاوى دفعت إلى أعضاء لجنة كتابة الدستور، هي لو كانت حصلت في أي دولة أخرى غير العراق، لكان القضاء قد استنفر في سبيل التوصل إلى نتائج، لكن في العراق، يمكن أن تنتهي هذه الحادثة بالتراضي، عبر لقاء يجمع جميع أطراف الأزمة في حفلة عشاء، ولا تذكر الحادثة في المستقبل نهائياً".

المساهمون