الدور على بطن الهوى: تهجير وتهويد على طريق الشيخ جراح

الدور على بطن الهوى: تهجير وتهويد على طريق الشيخ جراح

27 مايو 2021
اعتدى الاحتلال أمس على المعتصمين أمام مقر المحكمة المركزية (مصطفى الخروف/ الأناضول)
+ الخط -

لا تختلف قضية حي بطن الهوى في بلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى عن قضية حي الشيخ جراح في شيء لجهة الجهود الكبيرة التي تبذلها الجمعيات الاستيطانية، وبدعم من السلطات الإسرائيلية ومحاكمها، للسيطرة على مزيد من العقارات، ليس فقط في سلوان حيث يقع حي بطن الحي والذي يقطنه أكثر من 800 نسمة من أصل نحو 60 ألف مقدسي يقطنون سلوان وامتدادها في راس العامود، وصولاً إلى حي الشيخ جراح، بل تمتد مطامع هذه الجمعيات الاستيطانية إلى قلب القدس القديمة، حيث تسيطر على أكثر من 100 بؤرة استيطانية هناك. ويهدد التهجير 86 أسرة في حي بطن الهوى، تضم حوالي 750 فرداً، يعيشون في 15 بناية، بعدما تجنّدت الوزارات الإسرائيلية المختلفة وبلدية الاحتلال في القدس المحتلة، خلال السنوات الأخيرة، لمساعدة الجمعية الاستيطانية "عطرت كوهنيم" لطرد الأسر الفلسطينية التي تقيم في الحي وتوطين مستوطنين يهود مكانها. وتشكو العائلات الفلسطينية في بطن الهوى من الواقع الصعب الذي يعانون منه بعد دخول المستوطنين إلى حيهم، كما يقول زهير الرجبي من لجنة الدفاع عن حي بطن الهوى، لـ"العربي الجديد"، أكان لناحية انتهاك الخصوصية والتحرّش اليومي بالأهالي، أو الضغط الاقتصادي، ما يتسبّب بمواجهات بين الشبان والمستوطنين، والتي تشمل رشق الحجارة، فيما يترافق مجيء المستوطنين إلى الحي مع وجود قوات الاحتلال وحراس أمن خصوصيّين تعيّنهم وزارة الإسكان الإسرائيلية، وجميعهم يعاملون الفلسطينيين بعنف، وكلّما تعمّق وجود المستوطنين في حيّ بطن الهوى، ازداد يومياً عدد الفلسطينيين المتضرّرين من النظام الأمني الذي يقيمه المستوطنون.


أجّلت المحكمة المركزية الإسرائيلية النظر في التماس للأهالي

 

ويرى أهالي الحي أن المستوطنة التي تقوم جمعية "عطرت كوهنيم" الاستيطانية بتوسيعها في بطن الهوى تشكّل جزءاً لا يتجزأ من مساعي سلطات الاحتلال والجمعيات الاستيطانية لتهويد حوض البلدة القديمة في القدس، وتحديداً في الحي الإسلامي في قلب البلدة القديمة والأحياء الفلسطينية المحيطة بها، حيث يعيش حالياً نحو 3000 مستوطن في نحو 140 مبنى في قلب الأحياء الفلسطينية في البلدة القديمة ومحيطها، وهي منطقة يعيش فيها نحو مائة ألف فلسطيني. لكن من الواضح أنه في حي بطن الهوى، تحدث كبرى عمليات الترحيل التي تشهدها القدس المحتلة في هذه الفترة، وتم حتى الآن تقديم دعاوى إخلاء ضد 81 أسرة فلسطينية تعيش في الحي منذ عشرات السنين. ما يجري في أحياء القدس يعني أن 45 في المائة من مجموع الأسر يتهدّدها خطر سلب بيوتها على أساس عرقيّ من أجل خلق واقع ديمغرافي وجغرافي من شأنه استباق أيّ محاولة مستقبلية لتحدّي السيادة الإسرائيلية على القدس، وضمن ذلك صادرت سلطات الاحتلال آلاف الدونمات من الفلسطينيين، وبنت 12 حياً خصّصتها لليهود فقط، وذلك في الأراضي المحتلة التي ضمّتها إسرائيل، علماً بأن مكانة هذه الأحياء، من وجهة نظر القانون الدولي، لا تختلف عن مكانة المستوطنات في بقيّة أراضي الضفة الغربية.

تقارير عربية
التحديثات الحية

ويواصل أهالي بطن الهوى معركتهم القضائية ضد الاستيطان الذي يضرب حيهم، وبالتوازي مع التصدي لاعتداءات المستوطنين ميدانياً، فإنهم يستكملون المسار القانوني عبر التماس قدّموه إلى المحكمة المركزية الإسرائيلية في القدس ضد تهجيرهم القسري من منازلهم ومحاولة الاستيلاء عليها لصالح جمعية "عطيرات كوهانيم" الاستيطانية، والتي يصفها المقدسيون بأنها ذراع الحكومة الإسرائيلية للاستيلاء على عقارات المقدسيين. وقررت المحكمة في جلسة لها أمس الأربعاء تأجيل النظر في الالتماس المقدم لها من قبل فريق الدفاع عن حي بطن الهوى. وقال المحامي يزيد قعوار، من فريق الدفاع، لـ"العربي الجديد"، إن "المحكمة اتخذت قراراً بتأجيل النظر بهذه القضية لأن المحامين طلبوا شهادة النائب العام الإسرائيلي في المحكمة حول القضية، والجميع بانتظار رد النائب العام، وعليه سوف يتقرر متابعة القضية في المحاكم الإسرائيلية لاحقاً". من جهته، قال زهير الرجبي، لـ"العربي الجديد"، "إن الضغط الشعبي ساهم في دفع قضاة محكمة الاحتلال المركزية لتأجيل النظر في القضية بانتظار رد النائب العام الإسرائيلي، من خلال ضغط المحامين وضغط الاحتجاجات التي تزامنت مع جلسة انعقاد المحكمة". وبعد انتهاء جلسة المحكمة الخاصة، خرج العشرات من أهالي الحي والمواطنين المقدسيين المتضامنين معهم ونواب عرب في الكنيست الإسرائيلي بمسيرة من أمام المحكمة إلى حي الشيخ جراح للتضامن مع أهله، ومحاولة كسر الحصار عنه. واستبق الأهالي الجلسة باعتصام نفذوه منذ ليلة الثلاثاء في خيمة التضامن في بطن الهوى احتجاجاً على محاولات تهجيرهم قسرياً من منازلهم. كما نظّم الأهالي والمتضامنون معهم وقفة أمس أمام المحكمة المركزية في القدس، قمعتها شرطة الاحتلال واعتدت عليهم واعتقلت بعض الشبان، إلا أن العشرات من المعتصمين أكملوا وقفتهم وهتفوا ضد قرار إخلائهم وتهجيرهم من منازلهم لصالح المستوطنين. ومنذ ليلة الثلاثاء، استبقت قوات الاحتلال جلسة المحكمة بنصب حواجز حديدية في كامل محيط المحكمة المركزية، وسط شارع صلاح الدين في مدينة القدس، للحيلولة دون وجود حشد كبير من أهالي القدس في المكان، تزامناً مع التئام جلسة المحكمة. ولا يعوّل أهالي بطن الهوى على المحكمة المركزية الإسرائيلية لإنصافهم في الالتماس المقدّم إليها. وبحسب ما يقول زهير الرجبي، لـ"العربي الجديد"، وفي حال رفضت المحكمة المركزية التماس أهالي حي بطن الهوى، فإنهم سوف يتقدمون باستئناف للمحكمة العليا للاحتلال ضد قرار المحكمة المركزية، وقال: "لن نيأس أبداً، فمنذ بداية العام وحتى الآن، تلقت سبع عائلات من أهالي الحي أوامر إخلاء جديدة، علماً أن نحو 500 من أصل 800 من أهالي الحي هم من النساء والأطفال". وتكشف الأرقام التي تنشرها جمعيات ومعنيون بهذا الملف أن ما يجرى هو تنفيذ مخطط قديم لغزو قلب الأحياء الفلسطينية في القدس وتشييد مستوطنات وبؤر استيطانية بداخلها، وذلك بغطاء من السلطات الإسرائيلية ومحاكمها، عبر صدور قرارات بالإخلاء وتنفيذها بالقوة. وفي هذا السياق، أشار تقرير سابق لمركز "بيتسيلم" الإسرائيلي لحقوق الإنسان إلى أن المحاكم الإسرائيلية شرعنت هذا الواقع بجميع جوانبه، علماً أنّها توفّر بذلك غطاءً قانونياً لعنف الدولة المنظّم والهادف لتحقيق غاية مخالفة للقانون: الإزاحة القسريّة لسكان محميّين من منازلهم في أرض محتلة. ووفقاً لنتائج دراسة أعدها "بيتسيلم"، فقد جرى تقسيم حي بطن الهوى إلى نحو 50 قسماً، تسعة منها نُقلت إلى جمعية "عطرت كوهنيم"، وخمسة أخرى يسكنها المستوطنون بشكل فعليّ، وحتى الآن قدّمت جمعية "عطرت كوهنيم" دعاوى إخلاء ضد 81 أسرة، وعائلتين فلسطينيّتين فرضت عليهما بلدية الاحتلال في القدس غرامات مالية، وأصدرت أوامر هدم لقسم من مساكنهما، بحجّة دخول أراضٍ تملكها الجمعية الاستيطانية.


يشكو أهالي الحي من تحرّش يومي بهم وضغط اقتصادي عليهم

 

ويقول المقدسيون، ومنهم لجنة حي بطن الهوى، وخبراء مختصون في مجال الاستيطان في القدس المحتلة، ومن بينهم خبير الأراضي الفلسطيني خليل تفكجي، إن التغوّل الاستيطاني في القدس لم يعد مقتصراً على بناء المستوطنات الجديدة أو التوسع الاستيطاني بما هو قائم من مستوطنات يقطنها حالياً نحو 230 ألف مستوطن، بل اتسعت دائرته وانتقل إلى ما نشهده منذ سنوات من غزو لقلب الأحياء الفلسطينية في القدس وتشييد مستوطنات وبؤر استيطانية بداخلها. وأشار تفكجي إلى أن ما يجري الآن هو ترجمة ميدانية لمخطط أريئيل شارون المعروف بالنجوم، والقاضي ببناء 26 حياً استيطانياً في محيط البلدة القديمة من القدس وتعزيز الاستيطان اليهودي في قلب الأحياء الفلسطينية. ووفقاً لمعطيات منظمتي "السلام الآن " و"عير عميم" الإسرائيليتين، فقد حصلت قفزة بين عامي 2009 و2016 بنسبة 70 في المائة في عدد المستوطنين الذين يعيشون في الأحياء الفلسطينية في البلدة القديمة في القدس المحتلة. كذلك حصلت زيادة بنسبة 39 في المائة في عدد من مجمّعات البناء الاستيطانية الجديدة لليهود في الأحياء الفلسطينية في شرقي القدس. وخلال تلك الفترة، جرى إخلاء 68 أسرة فلسطينية من منازلها في حي الشيخ جراح وسلوان والحي الإسلامي، منها 55 أسرة أخليت في السنوات القليلة الماضية وفقاً لمعطيات الأمم المتحدة، بينما رفع المستوطنون دعاوى إخلاء ضدّ ما لا يقل عن 180 أسرة فلسطينية في جميع أنحاء القدس، وغالباً ما تستند هذه الدعاوى إلى ادعاءات الملكية على المباني وفقدان المستأجرين الفلسطينيين مكانتهم كمستأجرين محميين.

المساهمون