الدنماركيون مع منح "إف 16" لكييف: فصل جديد في علاقة متوترة مع موسكو

الدنماركيون مع منح "إف 16" لأوكرانيا.. صفحة جديدة في علاقة "عداء متصاعد" مع روسيا

23 اغسطس 2023
من زيارة زيلينسكي الأخيرة إلى الدنمارك (Getty)
+ الخط -

تظهر استطلاعات نشرت نتائجها اليوم الأربعاء، تأييد أغلبية 71 في المائة من الشارع الدنماركي لقرار بلادهم منح أوكرانيا مقاتلات "إف 16" الأميركية، ما قد يعمّق حالة العداء مع روسيا.

وبحسب نتائج الاستطلاع الذي أجراه موقع "ميغافون" لصالح القناة التلفزيونية (تي في 2) وصحيفة "بوليتيكن" الدنماركيتين، عارض فقط حوالي 10 في المائة منح تلك المقاتلات لكييف.

ويأتي ذلك بعد زيارة قصيرة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى الدنمارك، أعلنت خلالها رئيسة الوزراء الدنماركية ميتا فريدريكسن، في مؤتمر صحافي مشترك مع زيلينسكي، الاثنين، أن كوبنهاغن ستتبرع لأوكرانيا بـ19 طائرة من طراز "إف 16".

 القرار الدنماركي وجد صداه لدى 12 حزبا برلمانيا، التقى بها زيلينسكي وألقى كلمة أمام حشود منها في المجلس النيابي.

ومن المقرر أن تُرسل الطائرات الست الأولى مع بداية العام المقبل، وقسم آخر خلال العام نفسه، و8 طائرات في العام 2025.

وتعهدت 12 دولة تستخدم "إف 16" بتدريب الأوكرانيين على استخدامها، وهي الدنمارك وهولندا وبلجيكا وكندا ولوكسمبورغ والنرويج وبولندا والبرتغال ورومانيا والسويد وبريطانيا واليونان. وبحسب تقارير إعلامية، فإن التدريب انطلق بالفعل في القواعد الدنماركية والرومانية، على أن يكون الطيارون الأوائل جاهزين بعد أشهر قليلة.

"إف 16" في ميزان العداء مع روسيا

وفيما يعتبر دعم الشارع الدنماركي لقرارات حكومته حيويا للسياسيين، يتوقع مراقبون في البلاد أن تقع كوبنهاغن في مطبات جدية في العلاقة مع روسيا، والتي تشهد فعليا توترات عُبر عنها في وصف روسيا لكوبنهاغن بـ"دولة غير صديقة بشكل مضاعف"، وذلك يعني، من بين أمور أخرى، أنه إذا بقيت السفارة الدنماركية وقنصلياتها تعمل على الأراضي الروسية، فإن تقييد حريتها في الوصول إلى المؤسسات العامة والحكومية أمر وارد، إضافة إلى خطوات اقتصادية باتجاه التحرز على ممتلكات شركات دنماركية عملاقة، مثل كارلسبرغ (لصناعة المشروبات الكحولية) التي باتت بالفعل مع موجوداتها وأموالها بحكم المصادرة من موسكو.

والتصريحات الروسية المتكررة، وبيانات سفارتها في كوبنهاغن منذ بداية غزو أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، والتي تحمل نوعا من التهديد المبطن، مع اتهامات محلية للطيران العسكري الروسي بـ"محاولة انتهاك أجواء" البلد فوق بحر البلطيق، لم تغير على ما يبدو مواقف الشارع الدنماركي المؤيدة لأوكرانيا بصورة كبيرة.

وفي تعقيبه على نتائج الاستطلاع وثبات تأييد كييف، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة آرهوس (وسط) مايكل بانغ بيترسن إن "مواقف الأحزاب السياسية المتفقة في البرلمان على دعم أوكرانيا تخلق في صفوف الشعب نوعا من حسن النية، باعتبار أن ذلك هو الخيار صائب".

وبحسب تلفزيون "دي آر"، رأى بيترسن أن موقف الطبقة السياسية البرلمانية "يؤثر في مواقف الشارع، فلو طرح السؤال عن التبرع بالطائرات قبل اتفاق المشرعين لكانت النتائج مختلفة".

ولكوبنهاغن تاريخ طويل في المشاركة العسكرية الغربية تحت مظلة الولايات المتحدة الأميركية، كما في غزو أفغانستان 2001 وفي العراق 2003 وحملة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ليبيا 2011.

والتدخل الأخير في ليبيا ساهم في توتير علاقة بعض الأطراف الغربية مع موسكو باعتبار أنه جاء "لإسقاط وتغيير نظام حكم (معمر القذافي)". بينما يعتبر معسكر معاداة روسيا تدخلات الأخيرة في أفريقيا وسورية (وبشكل خاص بعد حرب أوكرانيا) جاءت أيضا خارج سياقات الأمم المتحدة، فيما ذهبت صحافة هذا المعكسر إلى إبراز مقارنات بين القصف في سورية وأوكرانيا.

وخلّف تأييد الدنماركيين الواسع لدعم بلادهم الجهود الغربية لمواجهة روسيا في أوكرانيا، بحسب متخصصين دنماركيين، قلقا جديا من "تهديدات موسكو المتكررة وانعكاس الحرب على أمننا"، وفقا لما ذهب بيترسن وغيره من المعلقين، اليوم الأربعاء.

ويرفع البعض صوته عاليا من أن تحالف كوبنهاغن الوثيق مع واشنطن، وعدم التركيز على تحالفات مع قوى كبيرة في أوروبا، يمكن أن يحمل "مخاطر توريط البلد في الحرب". ويستشهد هؤلاء بإمكانية ذهاب روسيا نحو مضايقة الدنمارك في المنطقة القطبية الشمالية حيث النزاع على حدود بحرية.

وعلى جانب روسيا، يظهر جليا الاستياء في تصريحات لنائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيدف، بعد الإعلان عن صفقة الـ"إف 16"، قال فيها إن "أي دعم غربي لن يستمر إلى الأبد". وكتب على تليغرام: "بالنسبة لهم (الغرب)، إنها حرب خارجية يموت فيها أناس غرباء عنهم".

واتهم سفير موسكو في كوبنهاغن، فلاديمير برابين، الأخيرة بـ"تصعيد الصراع في أوكرانيا بتزويدها بالمقاتلات (إف 16)". 

وعلى الرغم من أن وكالة الأنباء الروسية "تاس" حاولت التخفيف من قدرة تلك المقاتلات، بالاستشهاد ببرقية إخبارية لمفتش الأسلحة السابق في الأمم المتحدة، سكوت ريتر، جاء فيها أنها "طائرات قديمة لن تصمد أكثر من شهر"، إلا أن دخولها على خط المواجهة، وإن كان لا يعتقد حسمها للحرب في أوكرانيا، سيشكل مصدر إزعاج لروسيا، ولتوتير إضافي لعلاقاتها مع الجوار الشمالي في اسكندنافيا.

ويرى مراقبون دنماركيون وغربيون أن خطوتي الدنمارك وهولندا يمكن أن تشكلا أيضا "خرقا لخطوط حمراء" وضغطا إضافيا على دول غربية لفعل ما فعلته من أجل فتح المزيد من مخازنها وإرسال طائرات غربية إلى جيش أوكرانيا.

وتحذر أصوات أخرى من أن الذهاب بعيدا نحو الارتباط والاعتماد كثيرا على الطرف الأميركي، سواء في البلطيق وأوكرانيا أو القطب الشمالي، يمكن أن ينشأ عنه خيبة كبيرة إذا ما عاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو موقف يردده اليسار الدنماركي، متمثلا بحزب إنهيدليستا، واليمين القومي المتشدد، وحزب الشعب الدنماركي، محذرين من عواقب تصدّر الدنمارك لدبلوماسية المواجهة مع موسكو.

المساهمون