الحرائق تشعل جدلاً سياسياً في تركيا

الحرائق تشعل جدلاً سياسياً بين الحكومة والمعارضة في تركيا

04 اغسطس 2021
حرائق تركيا لا تزال مشتعلة (الأناضول)
+ الخط -

أشعلت الحرائق في تركيا خلافاً داخل الطبقة السياسية، فبينما تتهم المعارضة الحكومة بالتقصير في عمليات الإطفاء وعدم الاستعداد لها، تتهم الحكومة من جهتها التنظيمات المحظورة باللجوء لأسلوب حرق الغابات بشكل متزامن.

وأسفرت الحرائق المشتعلة، منذ أسبوع، عن مقتل 9 أشخاص، في ظل استمرار جهود الإطفاء والسيطرة على 9 حرائق لا تزال مشتعلة، أبرزها في غابات ولايتي أنطاليا وموغلا السياحيتين جنوب غربي البلاد، وفي ولايتي أسبارتا وآيدن.

وبلغ مجموع الحرائق 154 حريقاً في أكثر من 30 ولاية، حيث أصيب 916 شخصاً بجروح في ولايتي أنطاليا وموغلا فقط، ولا يزال 47 شخصاً منهم يتلقون العلاج.

وشكلت الحرائق مسرحاً للاتهامات المتبادلة بين أحزاب المعارضة والحكومة، فرغم وجود عدد من الوزراء في منطقة الحرائق والإشراف عليها في غرف عمليات، إلا أنّ المعارضة وجدت مسار جدل جديد، تفاعل معه الإعلام والكتاب.

وبدا موضوع طائرات الإطفاء القديمة غير المحدثة الموجودة لدى هيئة الطيران التركية إحدى أبرز نقاط الخلاف بين الجانبين، حيث تركز المعارضة على تعمد إهمال الحكومة لمؤسسة الطيران على اعتبار أنّ إدارييها محسوبون على المعارضة، وعدم العمل على تطوير الطائرات، وتعيين قائم وصي عليها بعد اتهامات بالفساد طاولت مديرها السابق عثمان يلدريم.

وقال زعيم المعارضة، رئيس حزب "الشعب الجمهوري"، كمال كلجدار أوغلو، إنه حاول الاتصال بالقائم الوصي على مؤسسة الطيران التركية "THK" جناب أشجي، ولكنه لم يتمكن من الوصول إليه، متهماً الرئيس رجب طيب أردوغان بأنه "عمل على نزع فعالية مؤسسة الطيران لاعتبارات سياسية، وبات غير قادر على إدارة البلاد".

ويتركز انتقاد المعارضة على أنّ الهيئة محسوبة على التيار العلماني المعارض في البلاد، وأنّ الحكومة تعمدت إهمال الهيئة وطائراتها واستبعدتها من المناقصات، ولم تعمل على تطويرها، وعلى أن المروحيات المستخدمة في عمليات الإطفاء لا فاعلية لها بسبب المروحيات التي تشعل النيران، فضلاً عن حديثها أنّ الطائرات المستأجرة من دول أخرى كروسيا ذات تكاليف باهظة يمكن استثمارها في شراء طائرات جديدة، أو تصليح الطائرات التركية.

وتساءلت المعارضة عن أنه مع الاحتباس الحراري وزيادة الحرائق في الأعوام المقبلة هل يمكن الاعتماد على استئجار الطائرات وهل ستتجاوب تلك الدول، وكيف يمكن أن يكون لكل وزير طائرة خاصة ولا توجد طائرات إطفاء كافية في البلاد؟

وحاولت المعارضة نزع الشرعية عن أردوغان باتهامه بـ"عدم التحضير لمثل هذا السيناريو، وعدم وجود خطة من أجل التعامل مع الحرائق وعدم وجود أسراب الطائرات رغم التحذيرات من الاحتباس الحراري"، كما تتهمه بـ"سوء إدارة الأزمة وبأنه لا يصلح أن يكون رئيساً"، وفق ما قال زعيم المعارضة كلجدار أوغلو، في تصريح صحافي، أمس الثلاثاء.

وتعهد كلجدار أوغلو بـ"وضع خطط إطفاء مستقبلية لكل غابة، ووضع خطط بنية تحتية ـ ودعم هيئة الطيران التركية، وإنهاء المهزلة التي تسبب بها الرئيس أردوغان"، على حد قوله، معتبراً أنّ اتهام المعارضة بالتعاون مع التنظيمات المحظورة "دليل على عجز الحكومة".

وشكّل موضوع الدعم الخارجي والمطالبات بـ"مساعدة تركيا" التي صدرت من قبل مشاهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي ميداناً أيضاً للسجال، إذ اعتبرت المعارضة أنّ الحكومة عاجزة عن السيطرة على الحرائق، فيما رفض الموالون للحكومة هذا التقدير على اعتبار أنّ الحكومة قادرة على السيطرة على الموقف دون الحاجة للدعم الخارجي.

موضوع آخر شكّل خلافاً بين المعارضة والحكومة، وهو السماح ببناء مزيد من المنشآت السياحية في المناطق المحروقة وخاصة ضمن الغابات، حيث أفاد كلجدار أوغلو بأنّ "الرئيس أردوغان منح وزير السياحة صلاحيات ومسؤوليات تنظيم الغابات، وهو ما يعني أن تدخل المباني إلى الغابات وهو أمر مرفوض لدى المعارضة التي تريد الحفاظ على البيئة". وتعهد كلجدار أوغلو بأنه لن يسمح بـ"وضع حجر واحد على الغابات".

وعلى الرغم من أنّ تركيا تشهد باستمرار تجاذبات سياسية، إلا أنّ موضوع الحرائق قد أشعلها، نظراً لمشاركة كتاب ومفكرين بحسب اتجاهات وميولهم، فضلاً عن تفاعل رواد منصات التواصل الاجتماعي بكثافة معها.

في المقابل، جاء الرد الحكومي على اتهامات المعارضة عبر أعلى المستويات من خلال تصريحات للرئيس أردوغان والوزراء المعنيين.

وعن موضوع الطائرات التابعة لهيئة الطيران التركية، قال أردوغان إنّ "المعارضة تجهل ما لدى هيئة الطيران، وأساساً الحكومة تدرك أنها لا تمتلك طائرات، وأن الحكومة تنظر لفاعلية الطائرات ومدى قدرتها على حمل المياه والإلقاء الدقيق على الحرائق"، موضحاً أنّ "الطائرات الحالية لا تملك هذه المواصفات وهي قديمة، بل يتم الاعتماد على المروحيات التي تحمل كمية مياه أكبر وذات دقة أعلى في إصابة الأهداف".

كما اتهم أردوغان "أطرافاً محظورة بالعمل على افتعال الحرائق"، مشدداً على أنه "يتم التحقيق مع مشتبه فيهم".

كذلك، كرّر وزير الخارجية مولود جاووش أوغلو الاتهامات ذاتها، مشيراً إلى أنّ "حزب العمال الكردستاني سبق أن أعطى تعليمات لأنصاره باللجوء لأسلوب حرق الغابات"، ولكن الحكومة حتى الآن لم تنشر نتائج أي تحقيق.

وقال جاووش أوغلو، في تصريحات، أمس الثلاثاء، تعليقاً على المساعدات الدولية، "تركيا ساعدت كثيراً من الدول، واليوم من الطبيعي تلقي المساعدات بسبب الحريق الكبير، كما تلقت تركيا الكثير من الاتصالات من دول عديدة حيث تم سؤالها عن الإمكانات المتوفرة لديها للمساعدة، وبعد الحصول على المعلومات يتم تقييمها إن كانت تنفع للاستخدام".

وكشف "حالياً وصلت طائرات من إسبانيا وأذربيجان وروسيا وأوكرانيا وإيران، ووصلت طائرة مساعدات تقنية من قطر، بينما اعتذرت اليونان وألمانيا ويتم التواصل مع دول أخرى".

وفي حين لم تصدر أرقام رسمية عن خسائر الحرائق، يتوقع اقتصاديون أنّ تتكبّد تركيا خسائر بملايين الدولارات، لا سيما بعد وصول النيران إلى مناطق سكنية، خاصة في ولاية بودروم، واحتراق عدة قرى وتشريد سكان تلك المناطق بعد خسائر بالممتلكات والمحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية.

المساهمون