الجزائر ومالي... الاقتراب أكثر

الجزائر ومالي... الاقتراب أكثر

31 يناير 2024
تبون مستقبلاً وزير الخارجية المالي، يناير 2022 (الأناضول)
+ الخط -

حصل الذي حصل بين الجزائر وباماكو، هذه المرة كانت السلطة الجزائرية أكثر هدوءاً وتحكيم القدر اللازم من ضبط النفس حيال الأزمة مع مالي. لم تسحب سفيراً ولم تقطع علاقات، على الرغم من سقف حاد من الاتهامات التي وجهتها باماكو للجزائر، فـ"الابتعاد والقطيعة" أسهل الخيارات السياسية الممكنة، لكنها الأكثر سوءاً على صعيد النتائج والتداعيات الوخيمة على مصالح المنطقة.

هذا هو التوقيت المناسب لفتح أكبر قدر من الاتصال السياسي بين الجزائر ومالي، قد يظهر للبعض أن العلاقات بين البلدين ساءت إلى مستوى من التوتر لم يعد يسمح بأي مسلك اتصال، لكن الحقيقة خلاف ذلك، وضع الأزمة يفرض التواصل وفحص القضايا الخلافية لتسويتها، والاقتراب لبحث المسائل المتحفظ عليها واحتوائها، بالقدر الذي يحفظ المصالح ويراعي التوازنات، تلك حكمة السياسة حين تتغلب مقتضيات الجغرافيا والأمن على ما دون ذلك.

الذكي هو من يجد الحلول للأزمات، والحكيم هو الذي يمنع وجودها أصلاً، والسلطة الجزائرية إنْ لم تكن على قدر من الحكمة استباقياً لمنع حصول الذي حصل، فإن الوضع يفرض عليها أن تتسلق مدارج الذكاء. كل خطوة ابتعاد عن مالي أو مع النيجر ودول الساحل تعني إفساح مزيد من المجال الحيوي لأطراف أخرى، لم يعد وجودها خافياً وأهدافها التخريبية أيضاً، وهي نفسها الأطراف التي تزرع التقسيم في السودان وليبيا واليمن والصومال. كما لم تعد الجزائر تخفي قناعتها بأنها ذاتها الأطراف التي تقف وراء خيارات السلطة العسكرية في مالي وتدفع بها إلى تبني الخيار العسكري، فمفردات البيانات المالية الأخيرة واضحة.

هناك أخطاء ارتُكبت في الجزائر حيال التطورات في مالي، تغيّرت النخب الحاكمة في مالي كما في دول الساحل والصحراء، وهذا كان يفرض بالأساس تغيير إعدادات القراءة السياسية وتقديرات الموقف في مالي ومجمل المنطقة المتحركة بتسارع. وكان المطلوب تجديد الجهاز الدبلوماسي الذي يُعنى بملف الساحل ودول الصحراء، وإقحام العناصر ذات الخبرة والقدرة على تفكيك معالم هذا التحول الحاصل في المنطقة وفهم سياقاته. كما أنه لم يتوفر للجزائر تصوّر استباقي لكيفية الحضور سياسياً ولوجستياً لملء الفراغ الذي سيخلّفه الانسحاب الفرنسي من المنطقة، وهو فراغ لم يكن ليبقى بدون تعويض، ولذلك كان سهلاً بالنسبة لقوى نافذة كروسيا أن تجد لها موطئ قدم برفقة دول تلعب أدواراً وظيفية متقدمة لصالح الكيان الصهيوني.

كان يتعيّن على الجزائر فهم الدور التخريبي الذي قامت به فرنسا منذ حضورها في المنطقة بزعم تنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب، وهذا الحضور الذي جاء في فترة ترهل السلطة الجزائرية بعد عام 2013، كان أكثر عوامل تخريب اتفاق السلام في مالي وتأهيل المنطقة لما صارت إليه. لذلك لا يجب الاعتراض إذا كان الماليون قد قرروا تبنّي خياراتهم الوطنية وتأميم الحوار الوطني وإعادة صياغة التوافقات الداخلية، والضرورة تفرض السعي لمرافقتهم وتأمين أن يكون ذلك قناعة محلية صرفة، لا إملاءات من الخارج.

المساهمون