الجزائر... مخاوف استباقية

الجزائر... مخاوف استباقية

01 فبراير 2023
تبون مستقبلاً الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، أكتوبر 2022 (الأناضول)
+ الخط -

جزئية صغيرة وردت في الاتفاق الختامي لاجتماع التنسيق الأمني بين الجزائر وموريتانيا، الذي انعقد قبل أيام في نواكشوط، لم تلفت الانتباه، لكنها على قدر من الأهمية، تخص التفاهم على آليات عملية لتأمين إنجاز الطريق الصحراوي الرابط بين تندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية، والذي تتولى الجزائر إنجازه على مسافة 775 كيلومتراً.

تحيل هذه الجزئية بالضرورة إلى وجود مخاوف استباقية لدى الجزائر وموريتانيا، من امكانية أن تقوم أطراف ما، باستخدام "الفاعل الإرهابي"، لتعطيل إنجاز هذا المشروع الحيوي للمنطقة، واستمرار توظيف مجموعات مسلحة لتنفيذ أجندات التعطيل الإقليمي.

لم يعد الإرهاب في الساحل، كما في السابق مجرد تهديد أمني، يثير قلاقل في المناطق التي يستهدفها، ولكنه تحول في العقد الأخير إلى "أجهزة وظيفية" تعمل داخل السياقات الاقتصادية والحسابات المرتبطة بالمصالح، وتحاول قطع طرق التجارة بين الدول، لصالح حسابات أطراف أخرى، وتؤخر إنجاز المشاريع الحيوية وتضاعف كلفتها.

ويستفيد هذا الإرهاب من بعض الهشاشة والخصاصة في المقدرات الأمنية التي تعاني منها بعض دول الساحل، كمالي وموريتانيا. ولذلك نجد أن إنجاز طريق بين البلدين في هذا العمق الصحراوي، يستدعي بالضرورة أخذ الاحتياطات الأمنية الاستباقية، وحشد تعبئة عسكرية لمرافقة مراحل إنجازه ومنع تعطيله، خصوصاً أنه يمثل بالنسبة لأطراف أخرى مسلكاً يؤدي إلى منافسة اقتصادية، متصلة بحسابات النفوذ السياسي والاقتصادي في المستقبل.

قبل سنوات صُنع ما يعرف بـ"تنظيم التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا"، والذي نشط في منطقة الساحل لفترة. وطُرحت تساؤلات عديدة في ظل الوجود الفرنسي في المنطقة وتحالفاته مع أطراف اقليمية، عن ملابسات البروز المفاجئ لهذا التنظيم المسلح، كما تنظيمات مسلحة أخرى بنفس المسافة والإطار.

كما طُرحت أسئلة عن تركيزه بشكل خاص على استهداف المصالح الجزائرية، قبل أن يتبخر كما لو أنه لم يكن. والأطراف التي صنعت هذا التنظيم من العدم، يمكن أن تعيد تركيب نماذج أخرى من الجماعات المسلحة المنفلتة والهائمة في المنطقة، سواء تحت عناوين التطرف أو الإثنيات المناطقية، وقد يأخذ أشكالاً أخرى، وهذا الذي يمكن أن يفهم كمخاوف من التفاهمات الأمنية الجزائرية الموريتانية الأخيرة.

يظهر الآن بوضوح، خصوصاً مع المعطيات التي تكشفت في الفترة الأخيرة في مالي وبوركينا فاسو، وجود تواطؤ بين حكومات مع المجموعات المسلحة، ويفسر ذلك الاتهامات التي وجهتها حكومات مالي وبوركينا فاسو في منابر رسمية ودولية كالأمم المتحدة، لباريس وحلفائها في المنطقة، بتوظيف الفاعل الإرهابي، والتلاعب بعناصره وفقاً للحسابات والمصالح.

ويظهر أن الإرهاب والجماعات المسلحة لم تعد فحسب عنصراً من عناصر صناعة التوتر والأزمات، ولكنها باتت عاملاً لنسف وللتصدي لكل مبادرات إنشاء اقتصادات محلية، وعامل استدامة لهشاشة التنمية والافراغ الديمغرافي لكون المناطق المتوترة طاردة للسكان، ودافعاً لتشجيع الهجرة غير نظامية والاتجار بالبشر.

منذ إبريل/ نيسان 2022، برز توالي الهجوم على القوافل التجارية في منطقة الساحل والصحراء وتعرضت شاحنات البضائع للإغارة والاستهداف المسلح، في مالي والنيجر، ولم يكن الهدف من ذلك سوى محاولة تجفيف منابع الحركة الاقتصادية في دول المنطقة.

وإذا كان الفاعل ملتبساً في الصفة وغامض الهوية، وسواء كان يعمل لصالح جهة أو عاملاً بالوكالة، فإن المستفيد من ذلك معروف... هو نفسه الذي ظل يهيمن على مقدرات دول المنطقة لعقود.