الجزائر... ما لم يقله تبون

الجزائر... ما لم يقله تبون

03 يناير 2024
تبون في سان بطرسبرغ، يونيو 2023 (Getty)
+ الخط -

في خطابه أمام البرلمان في 26 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تحدث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن كل القضايا والمسارات التي اتخذتها سياساته منذ تسلمه السلطة في ديسمبر 2019، في الإصلاح الاقتصادي وخطط التنمية والقطاعات الأساسية كالصناعة والزراعة، عن البيروقراطية والتشريعات والقوانين والمسائل الاجتماعية، وعن الموقف من القضايا الإقليمية.

دافع الرئيس عن سياساته ومخرجاتها بالأرقام، والأرقام معضلة أخرى في الجزائر، ولم يكن منتظراً من تبون غير ذلك، خصوصاً أن نوايا التوجّه نحو ولاية رئاسية ثانية لم تعد خافية على أحد.

لكن مقابل ذلك، كان هناك الكثير مما لم يقله الرئيس ولم يتحدث عنه في خطاب امتد لما يقارب الساعة ونصف الساعة، مثل مسائل الحريات الأساسية وحرية التعبير والصحافة التي تراجعت بقدر كبير، والمسألة السياسية والنقاش الحر والبناء الديمقراطي الحقيقي واستقلالية القضاء والعدالة، مع أن هذه كانت هي العناوين والشعارات الكبرى التي رفعها الجزائريون في حراك فبراير/ شباط 2019.

لم يكن لدى الرئيس الجزائري ما يقوله على هذا المستوى، لم تؤدِ سياساته إلى أي انفتاح على صعيد الحريات العامة، أي تقييم موضوعي سيخلص إلى ذلك.

لا أحد يستطيع أن ينكر أن واقع الحريات العامة في الجزائر في تراجع لافت، وهو أمر لا يحتاج إلى دليل، لا أحد يمكنه التظاهر في الجزائر، حتى لو كان الأمر دعماً لفلسطين، وعدد النشطاء الذين تم توقيفهم وتدويرهم على أكثر من قضية خلال السنوات الأربع ليس بقليل، أكثر من حزب سياسي معارض تعرّض للحل والملاحقة من قبل السلطة أو للتضييق على أنشطته.

ضاقت الساحة الجزائرية على اتساعها بالنقاش السياسي والنقدي، واعتقلت الأفكار داخل عقلها، مع أن مثل هذه النقاشات الحرة هي الأجدى للتصويب والتنبيه إلى العثرات والمسارات الخاطئة.

لم تتغير وظيفة البرلمان سوى التصديق على مشاريع قوانين الحكومة، ولا دور المؤسسة الحزبية في غالبها التي عادت إلى شرح خطابات السلطة، وانزوت الجامعة على نفسها أكثر، ولم تعد الفضاءات الإعلامية تتسع لأكثر من رأي واحد، صودرت كتب وتقلصت هوامش الإيحاء السياسي في المسرح والسينما والفن، ولم تسلم مواقع التواصل الاجتماعي من ذلك وحتى مجموعات الألتراس (روابط جماهير الرياضة) التي كانت تتبنّى تعبيرات نقدية فرض عليها حل نفسها.

ضاعف ذلك الرقابة الذاتية في قاعات التحرير، فلا تستطيع صحيفة واحدة الآن أن تقدم خطاً تحريرياً نقدياً للسلطة. هناك صورة تم تداولها في اليوم التالي للخطاب الأول من نوعه أمام البرلمان، يمكن أن تعطي فكرة واضحة عن واقع الصحافة الجزائرية، صدرت كل الصحف بصفحة أولى تكاد تكون واحدة، وبعناوين تصب بالمعنى نفسه، وفي إناء الإشادة نفسه بالخطاب وبالرئيس، لم تشذ صحيفة واحدة عن ذلك.

قد يكون الرئيس ربح بعض المعارك الإصلاحية في الاقتصاد والتجارة والقضايا الاجتماعية والعلاقات الخارجية وغيرها، لكنه لم يساعد الجزائريين في ولايته الأولى على ربح معركة الحريات، سقف طموح الجزائريين بشأن المسألة الديمقراطية كان أعلى بكثير مما فرضته عليهم الوقائع بعد 2019.

المساهمون