الجزائر... صمت انتخابي

الجزائر... صمت انتخابي

13 مارس 2024
تبدو الانتخابات محسومة لصالح تبون (بلال بنسالم/فرانس برس)
+ الخط -

واقعياً لا شيء يعطي الانطباع في الجزائر أن البلد مقبل على انتخابات رئاسية، بما يستحق هذا المستوى من الانتخابات من حراك سياسي ونقاشات وبروز مشاريع مرشحين محتملين. فالمشهد السياسي في الجزائر لا يسجل ما يشي بذلك قبل سبعة أشهر من استدعاء الهيئة الناخبة، وليس ثمة سوى نقاشات محتشمة، وإعلان ترشح يتيم ما زال في مستوى إعلان نوايا، لرئيسة حزب "الاتحاد من أجل التغيير والرقي" زبيدة عسول.

نظرياً، يتفق الجميع أن هذا وضع غير طبيعي، ولا يتناسب لا مع طبيعة هذا الاستحقاق الرئاسي، ولا مع بلد بحجم الجزائر من حيث تنّوع مكوناته السياسية وتعدد الخطوط الأيديولوجية للقوى الحزبية، ولا من حيث الضرورات التي تستدعي وجود التنافس الصحي بين الأفكار والبرامج. يفرض ذلك بلا شك طرح أسئلة واستفسارات عديدة، منها أين اختفى ذلك الزخم السياسي والشعبي الذي كانت تشهده الجزائر قبل ثلاث سنوات، أم هل فقدت الساحة الجزائرية الشهية للفعل والممارسة السياسية، حتى وإن كانت المسألة تخص الانتخابات الرئاسية، أم أن طبيعة البيئة السياسية في الجزائر هي التي تتحكم في تراتبية الزمن الانتخابي؟

الإجابة عن كل واحد من الأسئلة الثلاثة، تزيل بعضاً من الاستفهام العام وليس كله، فكل ذلك الزخم الذي رافق الحراك الشعبي اختفى لأن السلطة نجحت في الإحاطة بالشارع وكسرت بحدة تلك الحركية التي كان يمكن أن تسهم في تجديد الطبقة السياسية وترفد الساحة بطاقات شابة. كما منعت الشباب من التنظّم في أطر جديدة، ولذلك انكفأ النقاش السياسي وعاد إلى طبيعته ما قبل عام 2019، وفي الحقيقة السلطة تريده أن يكون كذلك.

نعم الساحة الجزائرية فقدت الشهية للممارسة السياسية، وهذا واقع تقر به القيادات الحزبية نفسها التي لا تجد المجال حراً، ولا السبيل واسعاً للتعبير عن مواقفها وتعبئة القواعد الشعبية، وهي تجد صعوبة بالغة في استخدام الأدوات المتاحة لها دستورياً خلال الممارسة السياسية، سواء تعلق الأمر بتنظيم الفعاليات أو أدوات أخرى كحق التظاهر، ومن ذلك أن وسائل الإعلام غير قادرة في الوقت الحالي على طرح الأسئلة الجادة، بفعل ظروفها المتصلة بالشأن السياسي.

المسألة الثالثة أن السلطة السياسية في الجزائر درجت على فرض الزمن الانتخابي، وبالتالي هي التي تختار متى تطلق صافرة بداية المقابلة الانتخابية، فلا يتقدم أحد قبل هذا الموعد، وهذا الذي يفسر كون أن أغلب الأحزاب السياسية، موالية كانت أو معارضة، رحَّلت حسم موقفها إلى ما بعد شهر رمضان وأكثر. كما أن مجمل الأحزاب في الجزائر، على قلة فاعليتها، تبدو مستسلمة لرواية السلطة بشأن المناخ القلق والتحديات الإقليمية التي تحيط بالانتخابات المقبلة. ثمة أيضاً سبب آخر يبدو أكثر إقناعاً بالنسبة للكثيرين، وهو أن الانتخابات الرئاسية المقبلة تفتقد التنافسية، وأن المسألة محسومة لصالح مرشح السلطة الرئيس عبد المجيد تبون، ولذلك لا تحتاج إلى بذل أي جهد سياسي.

المساهمون