الجزائر الممكنة... المكانة الممكنة

الجزائر الممكنة... المكانة الممكنة

29 يونيو 2022
كشفت الفعالية الرياضية في وهران عن ثلاثة عناوين كبرى (سرهات كاغداس/الأناضول)
+ الخط -

في ظروف معينة، ظهرت الجزائر على غير ما هو مطبوع عنها في الذهنية العامة، وعلى خلاف الصورة التي تشكلت عنها نتيجة مسارات عصيبة مرت بها البلاد سابقاً. وربما اقتضت لحظة وطنية ما أن تتبدل الجزائر لتصبح كما يجب أن تكون.

صحيح أن الألعاب المتوسطية في وهران غربي الجزائر منافسة رياضية صرفة، لكنها لظروف تخص الجزائر التي لم تنظم حدثاً بهذا المستوى منذ 32 عاماً (منذ عام 1990)، لأسباب متعلقة بالأزمة الأمنية وتداعياتها على البنية التحتية والنسيج المجتمعي، ينظر إليها من زوايا سياسية بالأساس، لا تخص السلطة الرسمية وإن راهنت على صب ذلك في رصيدها السياسي فحسب. بل إن المعني بالمناسبة كافة القوى الحيوية في البلاد، من حيث العائد السياسي والاقتصادي، كونها تعيد تهيئة الجزائر؛ الأمكنة والعمران والنسيج البشري، لانفتاح أكبر على العالم والتقاء أوسع بالآخر، فضلاً عن إضفاء حيوية على قطاعات اقتصادية كالسياحة والخدمات والرقمنة والإعلام، وهي قطاعات ما زالت متخلفة في الجزائر.

ما كشفت عنه الفعالية الرياضية في وهران الجزائرية هو ثلاثة عناوين كبرى. الأول هو "الجزائر الممكنة" المنفتحة على الآخر والثقافات، القادرة في لحظة ما على تجاوز الكثير من الترسبات السياسية والاجتماعية، التي نتجت عن مراحل عصيبة وعنيفة أحياناً ساهمت في تشكل البيئة الجزائرية. فضلاً عن حل العقد التي أعطبت المسارات الداخلية، وإحلال العمل والوقت والنظام كقيم أساسية لنجاح أي مجتمع، وإنجاز بنية تحتية مشرفة وفقاً للمعايير المعروفة وبالصرامة المطلوبة، وتوفير عوامل أساسية وضرورية كمحركات اقتصادية لتطوير البلد، وتوظيف الكفاءات التي تعيش عصرها بأبعادها التكنولوجية.

في العنوان الثاني تبرز "الجزائر الكامنة" والمعطلة (لأسباب ذاتية وموضوعية)، الزاخرة بالقوة البشرية الهائلة التي أعطبتها السياسات الفاشلة، والزاخمة بالحيوية والديناميكية التي يمكن، بل يجب ولا مفر، تحويلها إلى حالة من الإيجابية، ووضعها في سلاسل إنتاج القيمة المضافة، والطاقات الخلّاقة التي يمكن بقليل من الحكامة والسياسات الرشيدة، المبنية على تصور عقلاني ورؤية براغماتية، تحرير طاقة الإبداع والابتكار لديها. تظهر هنا الحاجة إلى تحرير المبادرة لدى الجيل الجديد، ومنحه فرصة تحمّل المسؤولية، وتجاوز العقل البيروقراطي المتكلس والرجعي؛ فكراً وسلوكاً.

ثالث العناوين هو "جزائر الأمكنة" الممتدة واسعاً على صعيد التنوع المجتمعي والسياسي، البلد القارة الذي يمتد على مساحة 2.2 مليون كيلومتر مربع، وعلى 1200 كيلومتر ساحلاً، فيما لا يزوره من السواح إلا النزر القليل، ولا تطأ مطاراته تدفقات سياحية مقارنة بجيرانه.

والبلد الذي لم يحسن لعقود توظيف مقدراته للخروج من اقتصاد الريع والتحرر من التبعية للنفط، يجب أن يتغيّر لا محالة، ويتخلّص من فوبيا الآخر، ويتصالح مع مدنه التي تعيش عزلة قاسية وتقتات ذاتياً، ويغيّر من سياساته في ما يتعلق بتسويق صورته ومدنه وعلاماته الثقافية، وينحاز إلى سياسات أيسر في مجال انفتاح أكثر على العالم.

هناك زاوية أخرى على قدر كبير من الأهمية، وهي تقديم وهران الجزائرية نموذجاً لإمكانية التعايش الإيجابي بين السلطة والمعارضة على الصعيد السياسي. فبلدية وهران يحكمها رئيس بلدية من أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، حركة "مجتمع السلم"، لكن ذلك لم يمنع في أن يكون التعاون ممكناً بين السلطة والمعارضة لتحقيق منجز مشترك يصب في صالح العائد الوطني.

المساهمون