الجزائر... استفتاء أم حرب؟

الجزائر... استفتاء أم حرب؟

21 أكتوبر 2020
اعتبر شنقريحة أن الاستفتاء على الدستور "ملحمة" (بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -

قائد الجيش الجزائري السعيد شنقريحة قال، في آخر خطاب له، إن الاستفتاء على الدستور، المقرر في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، هو "ملحمة". ويخيل لمن يستمع لذلك أن الجزائر مقبلة على حرب، وليس على استحقاق انتخابي. عند فرز الخطاب السياسي في غمار الحملة للدستور في الجزائر، تبرز مفردات كثيرة تذهب في السياق نفسه. كل قادة الأحزاب والمنظمات المتدخلين في الحملة الدعائية يواظبون على استخدام خطاب "المؤامرة" في محاولة لإقناع الناخبين بأن التصويت هو رد على "متآمرين"، وصفعة ضد "الأيادي الأجنبية"، وكسر "لشوكة أطراف متحاملة"، وهزيمة "لقوى هدامة في الداخل والخارج"، وانتصار على "التهديدات المحيطة بالبلاد"، وكثير من هذا السياق والمعجم التآمري البائس والرديء.
ربما تحتاج ظروف تنشئة وتكوين الكادر السياسي في الجزائر، والمفاهيم التي يتلقاها في مدرسة الحزب أو محاضن السلطة، إلى دراسة نفسية واجتماعية. كما تحتاج إلى البحث عن مبررات تاريخية لاستخدام السياسي الجزائري لهذا الخطاب، الذي يحيل كل استحقاق انتخابي وسياسي إلى "حرب" أو "معركة" وجودية. مع أن الأمر غير ذلك تماماً، لدرجة أن نائب رئيس اللجنة العليا لمراقبة الانتخابات النيابية إبراهيم بودوخة، في مايو/ أيار 2017، قال حينها، في حوار مع الإذاعة الرسمية، إنه يتوجب على الجزائريين التوجه إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية، وإلا سيكون حلف شمال الأطلسي على أبواب الجزائر.

ثمة ملاحظة مهمة في هذا السياق، وهي أن خطاب ومفردات "المؤامرة" ليست حكراً على ممثلي السلطة وقادة أحزاب الموالاة. لكن "العدوى" انتقلت إلى خطاب مكونات المعارضة أيضاً، حيث يأخذ الأمر بعداً أيديولوجياً صرفاً. ويعتقد قادة التيار الإسلامي أن "أطرافاً علمانية على علاقة بالصهيونية العالمية" تعقد صفقة سياسية مع "جهات نافذة" لتمرير دستور علماني، في مقابل اعتقاد قادة التيار العلماني أن "دولاً أجنبية" تدعم الإسلاميين، وأنهم يتلقون التعليمات من الخارج لدعم الدستور لصالح السلطة، أو أنهم يتأهبون للسيطرة على المشهد المحلي.

في الواقع العملي، السياسي الجزائري غير قادر على التخلص من عقدة "الإمبريالية" بكل أشكالها، والتي كان يتمركز حولها الخطاب والدعاية السياسية منذ بدايات التأسيس الأولى لدولة الاستقلال. وثمة عجز كبير في تجديد المشهد من قبل الفاعلين السياسيين، وعجز أفدح من هؤلاء عن خلق خطاب سياسي يتجاوز عقدة الماضي ومنطق الأيادي الأجنبية. وبدلاً من ذلك، تظهر في كل محطة سياسية محاولة بائسة ورديئة لاستغلال الحس الوطني المبالغ فيه أحياناً لدى الجزائري، عبر خلق مناخ حربي وإطلاق الأناشيد "العسكرية" المصاحبة لذلك، ما يؤدي في الغالب إلى تعزيز الإحباط وعزوف انتخابي. من الضروري، بعد ستة عقود من الاستقلال، وثلاثة عقود من الممارسة التعددية، على هشاشتها، أن تتم مخاطبة الناخب الجزائري كناخب يتوجه إلى مجال رأي وصندوق اقتراع، وليس كجندي يتجه إلى ساحة حرب وميدان قتال.