التعديلات الدستورية في الصومال: تقويض أم خطوة إصلاحية؟

التعديلات الدستورية في الصومال: تقويض أم خطوة إصلاحية؟

03 فبراير 2024
شيخ محمود (يمين) ودني (يسار)، 25 يناير الماضي (أوكار محمد محيي الدين/الأناضول)
+ الخط -

تصاعدت حدة الانتقادات المعارضة السياسية تجاه مشروع إجراء تعديلات في الدستور المؤقت في البلاد، الذي صادق عليه البرلمان، بمجلسيه الشعب والشيوخ، بإعتبارها محاولة من قبل الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لانتهاك الدستور المؤقت، من أجل تحقيق مصالحه السياسية.

وحصل مشروع إجراء تعديلات دستورية على موافقة 201 نائب بينما رفضها 19 نائباً، في جلسة حضرها 220 نائباً من أصل 329، في 24 يناير/كانون الثاني الماضي. وكان الرئيس الصومالي قد شدّد في حفل تنصيب رئيس ولاية بونتلاند الجديد، سعيد عبد الله دني، في 25 يناير الماضي، على أن البلاد بحاجة إلى إيجاد دستور كامل لتحقيق تطلعات الشعب و"ليس لدي مصالح خاصة".

وأكد أن التعديلات التي سيجريها البرلمان بمجلسيه الشعب والشيوخ في الدستور لن تُطبّق خلال ولايته، التي تنتهي في عام 2027، بل في عهد الرئيس المقبل.

في المقابل، يرى مؤيدو هذا المشروع وغالبية النواب أن الظروف مواتية في الوضع الراهن لإجراء التعديلات الدستورية من أجل تحقيق إصلاحات جذرية للدستور، تحوطاً للتغيرات والتطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقة.

وتأتي هذه التعديلات بعد توصيات قدمها المجلس التشاوري الوطني (يضمّ رئيس البلاد ورؤساء الولايات الفيدرالية ونائب رئيس الوزراء وعمدة بلدية مقديشو) في مايو/حزيران الماضي، بشأن إجراء تعديلات دستورية تشمل صيغة نظام الحكم في البلاد وقانون الأحزاب والانتخابات، إلى جانب فصل الصلاحيات والسلطات بين الحكومة والولايات الفيدرالية في البلاد، وتحديد وضع العاصمة من الخريطة الفيدرالية للبلاد.

مشروع التعديلات الدستورية

لم يكن مشروع إجراء التعديلات الدستورية الذي صوت عليه البرلمان بمجلسيه الشعب والشيوخ خارج نطاق التوقعات، فالرئيس الصومالي حريص كغيره من الرؤساء السابقين على تنفيذ وعوده التي قطعها خلال حملته الانتخابية، ويأتي استكمال الدستور وإجراء التعديلات عليه في مقدمة تلك الوعود.

وكان استكمال الدستور المؤقت في البلاد وإجراء التعديلات على البنود الخلافية، التي احتلت حيّزاً كبيراً في الحملات الانتخابية وخطب المرشحين في الرئاسيات الأخيرة (مايو/أيار 2022)، من أهم التحديات في الصومال بعد الملف الأمني، إذ لم يفلح أي رئيس سابق باستكمال الدستور في آخر ثلاث ولايات رئاسية في البلاد، حسن شيخ محمود بين عامي 2012 و2017، ومحمد عبدالله محمد بين عامي 2017 و2022، ثم شيخ محمود منذ عام 2022.


يوسف أحمد: ما حصل في البرلمان كان غير قانوني ومحاولة لتمرير أجندات سياسية يدفعها القصر الرئاسي

وحول هذه التطورات، يقول النائب طاهر أمين جيسو في حديث لـ"العربي الجديد"، إن موضوع الدستور من الملفات الحساسة في البلاد، ورغم ذلك يشكّل أيضاً عائقاً كبيراً في تطوير نظام الدولة في الصومال، بسبب التناقضات والإشكاليات الجذرية في بعض بنوده، إلى جانب الغموض الذي يلف الكثير من مواده، الأمر الذي أدى إلى تكرار الخلافات السياسية في البلاد.

ويضيف أمين جيسو، أن مصادقة البرلمان على مسودة مشروع إجراء التعديلات على الدستور المؤقت في البلاد، خطوة لإصلاح الدستور وتعزيز نظام الدولة تمهيداً لاستكماله والخروج من أزمة اللادستور، التي تعيق طريق التقدم في نظام الدولة الصومالية منذ نحو ثلاثة عقود.

ويوضح أن حالة اللادستور في البلاد لا يمكن أن تستمر وأن يكون الدستور مجرد رهينة للمعارضة السياسية وأصحاب المصالح، فالرئيس الحالي ورئيس وزرائه (حمزة عبدي بري) مصممان على إجراء التعديلات على الدستور واستكماله من قبل نواب البرلمان تمهيداً لإجراء تصويت شعبي حوله في المستقبل.

من جهته، يرى نائب رئيس الوزراء الصومالي، صالح أحمد جامع، أن "استكمال الدستور أمر ضروري لمصلحة الوطن والشعب والحؤول دونه يجعل مواطنينا وأرضنا عرضة لأطماع الخصوم، خصوصاً أصحاب المصلحة الشخصية والدول الإقليمية".

ويضيف في تدوينة له على "فيسبوك"، أن "القرارات السياسية المعلقة، المتمثلة في اعتماد نظام انتخابي قائم على الأغلبية أو النسبية وشكل نظام الحكم، برلماني أو رئاسي، وتحديد تموضع العاصمة، ونوع النظام الفيدرالي، وما إلى ذلك من مسائل، لم يعد من المنطقي تأجيلها باستمرار، أو تسليم ملفها من حكومة إلى أخرى".

ويشكّل تغيير النظام من برلماني إلى رئاسي أبرز البنود المطروحة للتعديل، فضلاً عن حصر المنافسة السياسية بين حزبين سياسيين من خلال إجراء انتخابات مباشرة، ضمن الدائرة الانتخابية الواحدة، وتحديد صلاحيات كل من الحكومة والولايات الفيدرالية إلى جانب تحديد وضع العاصمة وقضية صوماليلاند.

تقويض للدستور

وأثارت مسودة مشروع التعديلات الدستورية، ضجة سياسية داخل أروقة البرلمان وأوساط الصوماليين، وشهد البرلمان في 24 يناير الماضي حالة من العراك بالأيدي والفوضى قبيل التصويت على المشروع.

وأبدت المعارضة موقفها الرافض حول مساعي الحكومة الصومالية العمل على إجراء التعديلات الدستورية، واعتبارها تلك الخطوة محاولة لتقويض الدستور بغية تحقيق مصالح سياسية خاصة، في ظل التوتر السائد في البلاد، إثر توقيع مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وصوماليلاند مطلع يناير الماضي. وفي الاتفاق بين إثيوبيا صوماليلاند (إقليم جمهورية أرض الصومال غير المعترف بها دولياً)، حصلت أديس أبابا بموجبه على حق استخدام واجهة بحرية في صوماليلاند. وفي حين أنّ رئيس صوماليلاند موسى بيهي عبدي أعلن، أخيراً، أن أديس أبابا وعدت بموجب الاتفاق الاعتراف بـ"جمهورية أرض الصومال"، فإن الحكومة الإثيوبية لم تعلن نيتها القيام بذلك، إلا أنها أشارت إلى أنها ستجري "تقييماً متعمقاً بهدف اتخاذ موقف بشأن جهود أرض الصومال للحصول على الاعتراف الدولي".

ويقول النائب يوسف أحمد في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "ما حصل في جلسة البرلمان، كان غير قانوني ومجرد محاولة لتمرير أجندات سياسية خفية، يدفعها القصر الرئاسي"، في إشارته للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود.

ويشير إلى أن "التصويت على مسودة مشروع لإجراء التعديلات الدستورية يتم وفق لوائح برلمانية، وما حدث كان محاولة يائسة ومخالفة للوائح البرلمان"، محذراً الحكومة والرئاسة الصوماليتين من التدخل في شؤون البرلمان. وحول مخاوفهم من تمرير مشروع إجراء التعديلات الدستورية، يشدّد أحمد على أن الدستور المؤقت يمثل ميثاق التوافق الشعبي، وأن إجراء أي تعديل عليه يجب أن يحظى بالتوافق السياسي والشعبي، لكن المحاولات الحالية ستعقّد الطريق لاستكمال الدستور.


عبد الرحمن معلم: المعارضة تخشى حصر المنافسة بحزبين فقط بدلاً من التعددية الحزبية

من جهته، يعتبر رئيس الوزراء الأسبق، حسن علي خيري، أن ما قام به البرلمان بمجلسيه الشعب والشيوخ لا يعكس الوضع الصعب الذي تمر به البلاد، لأن مناقشة إجراء التعديلات الدستورية ليست مناسبة في هذا التوقيت، وقد تؤدي إلى مزيد من التقسيم داخلياً، ونود توحيد صفوفنا للدفاع عن وطننا من الأطماع الخارجية، محذّراً في كلمة له بمدينة غروي في ولاية بونتلاند المحلية، من إجراء تعديلات دستورية لا تحظى بتوافق سياسي وشعبي. ويرى "أننا نستطيع أن نكمل الدستور مع تقدير آراء الآخرين ومناقشة كل الأطراف لنصوغ دستوراً توافقياً يرضي جميع الصوماليين".

وبحسب المحلل السياسي عبد الرحمن معلم، فإن المعارضة متخوفة من بعض البنود الدستورية المطروحة للتعديل، تحديداً البند المتعلق باعتماد نظام الانتخابات المباشر بدلاً من الانتخابات غير المباشرة المعمول بها في البلاد منذ نحو عقدين.

ويشير في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المعارضة تخشى أيضاً حصر المنافسة بوجود حزبين سياسيين فقط بدلاً من التعددية الحزبية التي ينصّ عليها الدستور، وترى المعارضة أن هذا التعديل يصبّ في صالح الرئيس الحالي".

مهمة صعبة للحكومة الحالية

ويرى المحلل في مركز الصومال للدراسات محمد عثمان، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن الرئيس الصومالي يسعى إلى تحقيق ما فشلت الحكومات السابقة في تحقيقه، في ظلّ بدء استعدادات الحكومة الحالية من أجل تحديد النظام الانتخابي، إلى جانب العمل على استكمال الدستور المؤقت، قبل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية (2027) والبرلمانية (2025 ـ 2026)".

ويضيف عثمان أن "العمل على تحديد خريطة الطريق للانتخابات الرئاسية في هذا التوقيت المبكر، يعكس جدية الحكومة الحالية لإيصال البلاد إلى انتخابات مباشرة، لم تتمكن الحكومات السابقة من إجرائها بسبب ضيق الوقت، لكنها مهمة في غاية الصعوبة للحكومة الحالية، بسبب وجود عراقيل سياسية تعوّق إجراء انتخابات مباشرة في البلاد".

ويشير عثمان إلى أن "الرئيس الصومالي سيواجه تحديات جمة في تحقيق هذه المهمة، التي ستشكّل تحوّلاً كبيراً في البنية السياسية للدولة الصومالية، بسبب أولوية الأزمة مع إثيوبيا، إلى جانب الحرب على الإرهاب".

ورغم التحديات التي قد تعيق إجراءات التعديلات الدستورية، إلا أن هناك توافقا جلياً بين البرلمان بغرفتيه مجلس الشعب والشيوخ إلى جانب أربعة من رؤساء الولايات الفيدرالية في البلاد على ذلك، مما يمنح الرئيس الصومالي توافقاً محلياً لاستمرار جهوده في تحقيق مهمته في إجراء التعديلات لضمان إجراء انتخابات مباشرة في البلاد بحلول عام 2026.