الانتخابات الباكستانية بين الأزمات الأمنية وتدخل الجيش

الانتخابات الباكستانية بين الأزمات الأمنية وتدخل الجيش

03 فبراير 2024
مناصرون لحزب الشعب في خيبربختونخوا، يناير الماضي (عامر قرشي/فرانس برس)
+ الخط -

تجرى الانتخابات الباكستانية في ظل تحديات أمنية وسياسية في الوقت الحالي، حيث يتوجه الناخبون في الثامن من فبراير/ شباط الحالي إلى صناديق الاقتراع لاختيار أعضاء البرلمان المركزي والمجالس المحلية، قبل تعيين حكومة جديدة ستواجه أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد على الإطلاق.

ففي العامين الماضيين، انخفضت قيمة العملة الباكستانية إلى مستوى قياسي، كما ارتفع معدل التضخم، علاوة على ارتفاع تكاليف الغذاء والوقود والأدوية، وتقلص الاحتياطيات الأجنبية.

كما أن الأزمات الأمنية المتصاعدة في البلاد ستشكل تحدياً مهماً للحكومة الجديدة، وكذلك لعملية الانتخابات الباكستانية، إذ أصبح إقليما بلوشستان وخيبربختونخوا في قلب الأزمة الأمنية من جديد، بعد أن أدت أعمال العنف إلى مقتل أكثر من 1500 شخص في العام 2023، الأكثر دموياً منذ 2016. كل ذلك علاوة على التوتر القائم في العلاقات مع الجيران، لا سيما أفغانستان والهند وإيران.

وفيما ستؤدي الانتخابات الباكستانية إلى تشكيل حكومة وبرلمان جديدين، فإن الاتهامات للمؤسسة العسكرية بالتدخل لصالح أحزاب معينة تثير خشية من أن تولد الانتخابات أزمة جديدة في البلاد، ما سيشغل بال الحكومة الجديدة واهتماماتها إلى مدى أبعد.

هل هي انتخابات تشريعية فحسب؟

إنها ليست انتخابات تشريعية فقط، بل هي انتخابات للمجالس المحلية أيضاً. ففي آن واحد يدلي الناخب الباكستاني بصوتين، لانتخاب أعضاء المجلس التشريعي (البرلمان)، وآخر لانتخاب أعضاء المجالس المحلية التي تسمى محلياً بالبرلمانات الإقليمية الخمسة هي البنجاب، والسند، وخيبربختونخوا، وبلوشستان، وجلجت بلتستان. وتلك المجالس المحلية تقوم بانتخابات الحكومات المحلية، كما لها دور في انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ ورئيس البلاد.

وفق أي قانون تجرى الانتخابات الباكستانية وكم هو عدد الدوائر؟

تجرى الانتخابات التشريعية والمحلية في باكستان وفق قانون الانتخابات لعام 2017، المعروف محلياً بـElection act 2017.

أسف محمد حسن لأن دور الجيش الباكستاني دمر كل الجهود الرامية لترسيخ أنظمة ديمقراطية في البلاد

ووفق هذا القانون تتوزع مقاعد البرلمان والمجالس المحلية وفق الكثافة السكانية. ويصل عدد المقاعد في البرلمان إلى 372، بينها 60 مخصصة للنساء، وعشرة مقاعد مخصصة لغير المسلمين، بينما عدد الناخبين يصل إلى 106 ملايين شخص.

ما هي الأحزاب الرئيسية التي تشارك في الانتخابات؟

يصل عدد الأحزاب السياسية في باكستان وفق القائمة التي أصدرتها لجنة الانتخابات إلى 166، لكن معظم تلك الأحزاب لا تشارك في الانتخابات، أو تشارك بشكل رمزي، فهناك أحزاب لها مرشح واحد أو مرشحان، وقلما يفوز في الحصول على مقعد.

لكن الأحزاب الرئيسية التي تشارك في الانتخابات، هي الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف، الذي يعتبر وفق مراقبين أقوى حظاً في هذه الانتخابات، ومرشحه لمنصب رئيس الوزراء هو نواز شريف الذي تولى رئاسة الحكومة ثلاث مرات في الماضي. كذلك من الأحزاب الرئيسية، الشعب الباكستاني بزعامة الرئيس الأسبق أصف علي زرداري، ومرشح الحزب لمنصب رئيس الوزراء هو بلاول بوتو، نجل زردراي، ووزير الخارجية في حكومة شهباز شريف الأخيرة قبل حكومة تصريف الأعمال الحالية.

كذلك من الأحزاب الرئيسية حزب عمران خان "حركة الإنصاف". وتشير الإحصائيات والتقديرات إلى أنه على الرغم مما واجهته الحركة وما تزال من الأزمة بسبب وقوف جميع الأحزاب ضدها، ووقوف المؤسسة العسكرية في وجهها، إلا أن خان ما زال يحظى بنفوذ كبير في أوساط الشعب.

غير أن خان مُنع من المشاركة في الانتخابات الباكستانية بسبب سحب الأهلية عنه وقضايا يواجهها في المحاكم. كما أن حزبه جُرد من رمزه الانتخابي، ما يعني أن جميع مرشحيه سوف يشاركون في الانتخابات بشكل مستقل. كما أن الحزب سيحرم من المقاعد الخاصة التي توزع على الأحزاب، وفق حظها من الانتخابات.

علاوة على تلك الأحزاب الرئيسية ثمة جماعات وأحزاب سياسية تقوم بدور المكمل للدور بعد الحصول على بعض المقاعد، منها جمعية علماء الإسلام التي يتزعمها المولوي فضل الرحمن المقرب من المؤسسة العسكرية، وهو دائماً موجود في كل الحكومات بغض النظر عن توجهاتها.

كذلك هو حال الجماعة الإسلامية، الحزب الديني الذي يتزعمه سراج الحق، والذي له نفوذ في شمال غرب باكستان. أما الأحزاب القومية مثل عوامي القومي البشتوني، والحزب القومي المتحد، وغيرهما فلها نفوذ في مناطق محددة من البلاد، وليست شاملة كما هي شأن الأحزاب الثلاثة الأول.

تدخل المؤسسة العسكرية في عملية الانتخابات

تُتهم المؤسسة العسكرية منذ نشأة باكستان بالتدخل في الشؤون السياسية بشكل مباشر، تارة عبر الانقلابات، وتارة بشكل غير مباشر، من خلال مساعدة حزب في الوصول إلى السلطة مقابل قمع آخر.

ولكن هذه المرة يبدو التدخل علنياً أكثر، ما جعل الكثيرين يظنون أن الانتخابات الباكستانية ليس لانتخاب الحكومة، بل هو مجرد إجراء روتيني، وأن المؤسسة العسكرية قد حسمت أمرها بأن يتولى حزب الرابطة الإسلامية زمام الحكم. ولعل هذا ما جعل جميع الأحزاب الأخرى، بما فيها حزب الشعب الباكستاني، تشكو من أن عقبات كبيرة تخلق في وجهها وتستهدف حملاتها الانتخابية.

ويعرب المحلل السياسي الباكستاني محمد حسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن أسفه لأن "دور الجيش الباكستاني دمّر كل الجهود الرامية إلى ترسيخ أنظمة ديمقراطية في البلاد".

ويضيف: "رأينا ما بعد 2007 بعض التقدم في نظام الديمقراطية في بلادنا، ولكن مع الأسف الشديد جاءت المؤسسة العسكرية لتدمر كل تلك الجهود".

شفاعت علي: الوضع الأمني يزداد سوءاً قبيل عملية الانتخابات وبعدها

ويعتبر أن "عمران خان حاول أن يضع حداً لأنشطة المؤسسة العسكرية، لكننا نرى النتيجة، من هنا يعرف الجميع كيف ستكون نتيجة الانتخابات، وأنها مجرد عملية لملء الفراغ".

ويتابع: "نرى كيف تتدخل قيادة المؤسسة العسكرية في شؤون حزب سياسي كي لا يحصل على الأغلبية في البرلمان، وتنحاز إلى حزب سياسي آخر، وهي لم تسمح لأحزاب سياسية كبيرة، غير حزب نواز شريف، بالقيام بالحملة الانتخابية بشكل سلس. ولا شك في أن هناك يأساً كبيراً في أوساط الشعب حيال ما تقوم به المؤسسة العسكرية، في حين أن أمامها الكثير للقيام به على الحدود وفي القضاء على المسلحين".

ويرى حسن أن "الأحزاب السياسية تتحمل جزءاً كبيراً من اللوم، فهي تتيح الفرصة للمؤسسة العسكرية للعب على جميع الأحزاب، والآن هي ضد حزب عمران خان. ونرى أن حزب نواز شريف وبعض الأحزاب الأخرى تقف إلى جانب المؤسسة العسكرية ضد خان، وغداً يمكن أن تضحك على تلك الأحزاب وتقف مع أحزاب أخرى من أجل الوصول إلى السلطة".

تأثيرات الوضع الأمني على الانتخابات الباكستانية

على الرغم من إعلان "طالبان" الباكستانية أنها لا تستهدف العملية الانتخابية، ولا الحملات الانتخابية للأحزاب المختلفة، متهمة الاستخبارات الباكستانية بأنها تربك الأمن في بعض المناطق من أجل الحصول على ما وصفته بالإتاوات المالية من تلك الأحزاب، إلا أن الوضع الأمني في البلاد متصاعد جداً، خصوصاً في مناطق شمال وجنوب غرب البلاد.

على سبيل المثال، في الفترة ما بين 28 إلى 31 يناير/ كانون الثاني الماضي شهد إقليم بلوشستان عشرات الهجمات، بينها أكبر هجوم في مقاطعة مج استهدف كل المواقع العسكرية والأمنية والحكومية في آن واحد، ونفذه ثلاثة انتحاريين حسب الرواية الحكومية الأولية. ولكن بعد ثلاثة أيام أعلنت السلطات أن قوات الأمن قتلت 30 مسلحاً نفذوا الهجوم، الذي استمر لمدة ثلاثة أيام. وأعلن "جيش تحرير بلوشستان" مقتل أكثر من 80 من قوات الجيش والأمن خلال الهجوم.

كذلك الحال في شمال غرب البلاد، وهذا ما يقلق الجماعات التي لها نفوذ في تلك المناطق، كحزب عمران خان وحزب الزعيم الديني المولوي فضل الرحمن، جمعية علماء الإسلام.

في هذا الشأن، يقول المحلل الأمني الباكستاني شفاعت علي، لـ"العربي الجديد"، إن "الوضع الأمني المتصاعد عقبة كبيرة في وجه الانتخابات، خصوصاً في شمال وجنوب غرب البلاد. وهناك أماكن لا تجرى فيها عملية الانتخابات في بلوشستان وفي خيبربختونخوا وهناك دوائر أعلنت الحكومة تأجيل الانتخابات فيها بسبب الوضع الأمني".

ويلفت إلى أن "الوضع الأمني يزداد سوءا قبيل عملية الانتخابات وبعدها، وهناك تكتم إعلامي كامل. وأخشى أنها ستخرج عن سيطرة الجيش، لا سيما وأن الأمور مع أفغانستان متوترة، وبالتالي هي لن تتعاون مع باكستان، وبدون ذلك الجيش غير قادر على احتواء القضية، مع الأسف".

تبعات الحكم على عمران خان

وفي وقت تقوم فيه الأحزاب السياسية بالحملات الانتخابية، فإن قيادة حزب عمران خان من الدرجة الأولى والثانية في السجون، وبعضها أجبرت على التنحي عن السياسة وعدم المشاركة في الانتخابات.

لكن على الرغم من ذلك لم يُسمح للحزب بحملة انتخابية، وهو ما جعل الكثيرين، منهم المحلل السياسي محمد صفدر يرى أن هذه الانتخابات محسومة أصلاً ولن تأتي بجديد.

ويقول صفدر، في حديث لـ"العربي الجديد": "بصراحة لا روح للانتخابات، كلما يخرج أحد يرفع علم عمران خان أو صورته أو يرفع صوته يُلاحق، وهذا يحصل في بعض الأماكن مع حزب الشعب، وبالتالي الكل يعرف أن الفرصة تتاح لشخص واحد وهو نواز شريف".

ويعتبر أن هذه" أسوأ انتخابات في تاريخ باكستان، وسمعنا كلام قائد الجيش (عاصم منير)، وكان كل كلامه مركزاً على الساحة السياسية في هذا التوقيت، وكانت إيحاءاته تشير إلى أن حزب خان هو الهدف ولن يُسمح له بالمضي قدماً. وبالتالي هذا انقلاب غير مباشر، وصرف أموال الشعب على مثل هذه الانتخابات ضيم لا أكثر".