انتقلت الولايات المتحدة إلى مستوى جديد في التعامل مع الحرب السيبرانية، مع إعلان إدارة الرئيس جو بايدن، أول من أمس الاثنين، ترشيح كل من كريس إنغليس، الذي كان نائب المدير السابق لوكالة الأمن القومي بين عامي 2006 و2014 ليكون أول مدير للسايبر على المستوى الوطني في الإدارة، وجين إيسترلي، وهي ضابطة استخبارات سابقة في الجيش الأميركي، ستدير وكالة الأمن السيبراني وأمن البنى التحتية. وتأتي هذه الترشيحات لتعكس نية واشنطن مكافحة الاختراقات الأخيرة التي تعرّضت لها. وظهر هذا التوجه في كلام مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، أول من أمس الاثنين، عندما أبدى "فخره" بما "نبنيه في الإدارة عندما يتعلق الأمر بالإنترنت"، وشدّد على تصميم أميركا على "حماية شبكاتها ومواجهة التحدي المتزايد الذي يشكله خصومنا في الفضاء الإلكتروني". ومن المتوقع أن تعلن الإدارة رداً قريباً على اختراق "سولار ويندز" الذي حصل أواخر العام الماضي وشمل وكالات الحكومة الفيدرالية والشركات الأميركية وسط اعتقاد بأن قراصنة روسيين هم من قاموا بتنفيذه. كما تعرّضت عشرات آلاف الشركات والبلديات والمؤسسات المحلية في الولايات المتحدة لهجوم إلكتروني نفذته مجموعة قراصنة تدعمهم الدولة الصينية قامت باختراق خدمة البريد الإلكتروني لشركة "مايكروسوفت" بحسب ما أعلن المدون بريان كريبس المتخصص في الأمن السيبراني في شهر مارس/آذار الماضي.
لم يكترث ترامب لأهمية الأمن الإلكتروني عكس إدارة بايدن
وأشادت لجنة "سايبر سولاريوم"، وهي مجموعة مشكّلة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بالتعيينات الجديدة، معتبرة في بيان أن "الحاجة ضرورية إلى قائد يتمتع بسلطة قانونية لتنسيق تطوير وتنفيذ استراتيجية إلكترونية وطنية للدفاع عن كل شيء"، ما يشير إلى المصادقة على الترشيحين لن يواجه عراقيل في مجلس الشيوخ. وجاء ترشيح إنغليس بعدما كان نائب المدير السابق لوكالة الأمن القومي بين عامي 2006 و2014، في عهدي الرئيسين السابقين، جورج بوش الابن وباراك أوباما. ومع أن إنغليس لم يشارك في حروب ميدانية، إلا أن خبرته في الأمن القومي واسعة، إذ كان نائباً لمكتب الصين وكوريا في وكالة الأمن القومي بين عامي 1998 و1999، ثم مدير المكتب بين عامي 1999 و2001. وكان ضابط اتصال خاصاً ممثلاً للولايات المتحدة في بريطانيا بين عامي 2003 و2006. من جهتها، تتمتع إيسترلي، وهي ضابطة استخبارات سابقة بالجيش الأميركي، ومديرة سابقة في قسم "محاربة الإرهاب" في وكالة الأمن القومي، بخبرة عميقة في العمليات السيبرانية الهجومية والدفاعية. وإلى جانب وظيفتها في وكالة الأمن القومي، عملت إيسترلي أيضاً مديرة إدارية لـ"مورغان ستانلي"، وترأست مركز دمج الأمن السيبراني للشركة. وسيعمل الثنائي إلى جانب نائبة مستشار الأمن القومي بالإدارة للتكنولوجيا الإلكترونية، آن نوبرغر. كذلك تم الإعلان يوم الاثنين عن اختيار روبرت سيلفرز، وكيلاً للاستراتيجية والسياسة والتخطيط في وزارة الأمن الداخلي. وسبق أن تحدث رئيس القيادة الإلكترونية الأميركية الجنرال بول ناكسون، في مارس/آذار الماضي، عن أن القيادة قامت بأكثر من "20 عملية" لمواجهة التهديدات الخارجية الإلكترونية قبل الانتخابات الأميركية في 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، منها "11 عملية نُفذت في 9 دول". وعقب الجهود الكبيرة هذه، ذكرت الولايات المتحدة أنه لم تجر عمليات تزوير أو تأثير على الأصوات في الانتخابات، لكنها اتهمت روسيا صراحة بمحاولة التأثير على عملية الاقتراع. مع العلم أنه في الفترة بين مارس 2020 ومارس الماضي، أحصى مركز"سي أس آي أس" للدراسات الاستراتيجية والعالمية الأميركي، 150 محاولة اختراق دولية ومحلية. وركز إحصاء المركز على الهجمات السيبرانية على الوكالات الحكومية، ومؤسسات الدفاع وشركات التكنولوجيا، أو الجرائم الاقتصادية التي تبلغ خسائرها أكثر من مليون دولار. وفي قائمة العام الماضي فقط، ظهر اسم الصين 33 مرة، وروسيا نحو 30 مرة، وقراصنة إيرانيين 13 مرة، وهجمات من الولايات المتحدة تجاه دول منها إيران لعدة مرات كما ذكر اسم إسرائيل والسعودية وكوريا الشمالية ودول ومنظمات أخرى. وشملت الهجمات محاولات تخريب تكنولوجي، وسرقة أسرار صناعية، و"سرقة أسرار متعلقة بلقاح فيروس كورونا"، بحسب ما اتهمت الولايات المتحدة الصين.
إنغليس خبير بالملف الصيني وإيسترلي كانت من فريق أوباما
كذلك أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي ملاحقته "قراصنة روس" بتهم محاولة تخريب أنظمة وسرقة بيانات والتلاعب بها. ومع ذلك يجهل البعض متى تتحول الحرب الإلكترونية إلى حرب فعلية، وذكر المهندس ماناف فيرما في مقال له على موقع "ميديوم" المتخصص بنشر التدوينات التكنولوجية، أن "الصين وروسيا تشنان هجمات إلكترونية على الولايات المتحدة تهدف لشل اقتصادها"، مضيفاً أن "الصين والولايات المتحدة مثلاً لا يستطيعان حالياً الدخول بحرب مفتوحة، لذا قررا كما يبدو شن حرب إلكترونية بينهما". ووفقاً لقائمة وضعها مركز "سي أس أو" الأميركي الذي يقدم نصائح بشأن الأمن الالكتروني فإن خروقات الإنترنت في القرن الحادي والعشرين أثرت على "مليارات من الأشخاص" وسببت خسائر مادية هائلة. وتظهر التعيينات الأخيرة، عزم إدارة بايدن على تطوير سلاح السايبر، عكس الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي كان يُنظر إليه على أنه كان لا يكترث بالأمن السيبراني، مع تقليله من أهمية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2016. كما ألغى منصب منسق الأمن السيبراني في مجلس الأمن القومي في عام 2018. وقد تم إدانة هذه الخطوة على نطاق واسع من قبل المشرعين في ذلك الوقت. وسبق أن أعلن رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي الأميركي) جيروم بأول، يوم الأحد الماضي، أنه يشعر بقلق من خطر وقوع هجوم إلكتروني واسع النطاق، أكثر من قلقه من احتمال حصول أزمة مالية عالمية مماثلة لتلك التي حدثت عام 2008. وقال لبرنامج "60 دقيقة" على قناة "سي بي إس نيوز" الأميركية، إن مخاطر حدوث أزمة شبيهة بأزمة عام 2008 مع حاجة الحكومات إلى إنقاذ المصارف، هي مخاطر "منخفضة جداً جداً". وأضاف أن "العالم يتغير، العالم يتطور، وكذلك المخاطر، وأقول إن الخطر الذي نراقبه أكثر هو الخطر الإلكتروني"، مشيراً إلى أن هذا مصدر قلق تتشاركه الحكومات والشركات الخاصة الكبيرة، والمالية منها تحديداً.
(العربي الجديد، أسوشييتد برس، فرانس برس)